كثيرون هم حفظة القرآن من الأمة في وقتنا الراهن، فلا نزال نسمع بين الفينة والآخرى عن تخرج عدد من الحفاظ، وكفى هؤلاء شرفًا أنهم يحملون في صدورهم كلمات ربهم.

سبب العزوف عن حفظ السنة

ولكن السؤال: لماذا لا نجد توجهًا مماثلا لحفظ السنة النبوية، وبخاصة ممن وهبهم الله قدرة  على الحفظ، وهمة على تثبيته ومراجعته؟ ولعل الجواب الأقرب للواقع، هو : ماذا نحفظ من السنة؟ وكم عسانا نحفظ منها، ونحن نسمع أنها بمئات الألوف؟ وكيف نتقي ضعيفها ومكذوبها ؟ وهب أننا وجدنا خطة لذلك، فكيف نبدأ؟ وما هي مراحل هذه الخطة؟ وأين هؤلاء المشايخ الذين يحيطون بذلك علمًا؟

إن الأمر صعب، لكنه ليس كذلك مع القرآن، فحسبك أن تحصل على نسخة من المصحف، وتبدأ الحفظ على يد شيخ حافظ، متقن لأحكام التجويد، وحتى لو بدأنا نحفظ دون أحكام التلاوة، فما أسهل أن نتدارك هذا الأمر بعد الحفظ في دورة لا تتعدى أياما أو أسابيع.

تحديات واقعية

وهذه التحديات واقعية، وليست من نسج الخيال، وقد كنا ننصح بحفظ كتاب جامع لما اتفق عليه الشيخان ( البخاري ومسلم) مثل اللؤلؤ والمرجان، حتى نتوقى هذه المخاوف، كما كنا ننصح أيضا في المرحلة الثانية بحفظ صحيح الجامع للشيخ الألباني، لكن يبدو أن واحدا من الأسباب التي كانت تصرف الهمم عن ذلك، هو عدم معرفة نسبة هذه الأحاديث لمجموع السنة!

 الفرصة متاحة

بين يدينا جهد عظيم معاصر، جمع أحاديث أصول السنة في مؤلف واحد، فقد جمع أحاديث أربعة عشر (14) ديوانًا من دواوين السنة، وهي تمثل أصول سنة النبي صلى الله عليه وسلم.  وهذه الدواوين هي صحيح البخاري، و صحيح مسلم، سنن أبي داود، و جامع الترمذي، وسنن النسائي، و سنن ابن ماجة، و سنن الدارمي، وموطّأ مالك، و مسند أحمد ، وصحيح ابن خزيمة ، وصحيح ابن حبّان، و المستدرك على الصحيحين للحاكم، والسنن الكبرى للبيهقي، والأحاديث المختارة لضياء الدين المقدسي . وقد بلغ عدد هذه الأحاديث (114194) = ( مائة وأربعة عشر ألفا، ومائة وأربعة وتسعين حديثا).

من (114194) إلى (28430)

من حقك أن تستكثر هذا العدد، وترى أن همم الحفظة تتقاصر دون حفظه، فما رأيك في اختزال هذا الرقم إلى الربع فقط؟

نعم إن صاحب هذا المشروع الجبار، قد حذف الأحاديث المكررة من هذا الرقم، فإذا به يصل إلى (28430) = ( ثمانية وعشرون ألفا وأربعمائة وثلاثون حديثا فقط) فمثلا حديث مثل ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) الذي رواه عمرو بن العاص، لن تجده عن عمرو بن العاص إلا مرة واحدة في هذا العدد الأخير، بينما كان يمكنك أن تراه أكثر من عشر مرات في العدد الأول، حيث إنك ستجد أنه يأتي مرة من رواية مسلم، وأخرى من رواية النسائي، وثالثة من رواية أبي داود، ورابعة من رواية أحمد، وأكثر من مرة من رواية البخاري.

لكنك ستجد الحديث بنصه، أو بقريب من نصه من رواية أحد آخر غير عمرو بن العاص، فسوف تجده من رواية أبي هريرة أكثر من مرة، مرة عند الترمذي، ومرة عند النسائي، كما أنك ستجده من رواية أنس بن مالك، كما ستجده أيضا من رواية جابر بن عبد الله.

من (28430) إلى (3921 )

ولأن هذا المشروع يريد أن يقرب السنة بين يديك، فقد بحث صاحبه عن طريقة تمكنك من حفظ الحديث مرة واحدة، بحيث لا تجد هذا الحديث إلا مرة واحدة فقط، ومعنى هذا أنه يكتفي بذكره من رواية صحابي واحد فقط، ولمرة واحدة فقط.

والمفاجأة أن هذا الاختصار الأخير قلَّص الرقم الأخير ((28430) ليصبح (3921 ) = ( ثلاثة آلاف وتسعمائة وواحد وعشرون حديثا فقط) نعم هو كما ظهر لك ، أقل من أربعة آلاف حديث.

فأنت حينما تحفظ هذا العدد، تكون في الحقيقة قد حفظت نصوص ومتون (114194) = ( مائة وأربعة عشر ألفا، ومائة وأربعة وتسعين حديثا).

ليس هذا فحسب، بل هذا الاختصار، ضمن لك ألا يذكر إلا الأحاديث الصحيحة فقط، واقبل معي هنا عذر صاحب هذا المشروع، إذ استأذننا في ذكر (33) حديثا ضعيفًا فقط + (10) أحاديث اختلف فيهم العلماء بين الضعف والحسن؛ وذلك لبعض الأسباب العلمية. ومع هذا سوف تكون هذه الأحاديث متميزة باللون الرمادي عن باقي الأحاديث، وسوف يذكر لك أنها ضعيفة عند ورودها.

صاحب المشروع

هو العالم : صالح أحمد الشامي، واسم الكتاب : معالم السنة النبوية، وهو يقع في ثلاثة مجلدات.

والكتاب جاء من خلال قراءة فاحصة لدلالة الأرقام، حيث إن المؤلف قام قبل ذلك بتصنيف ستة مؤلفات، هي :

– الجامع بين الصحيحين.

– زوائد السنن على الصحيحين.

– زوائد الموطأ والمسند على الكتب الستة.

– زوائد السنن الكبرى للبيهقي على الكتب الستة.

– زوائد ابن خزيمة وابن حبان والمستدرك على الكتب التسعة.

– زوائد الأحاديث المختارة على الكتب التسعة.

 

ومن المهم ذكره ، أننا لا نستطيع أن نقطع بأن أحاديث هذا الكتاب تمثل كل السنة، ولكنها تكاد، وما ليس فيها فلن يفيد كثيرا خاصة في أبواب الأحكام.