كانت المرأة قبل الإسلام لا قيمة لها ولا شأن، بل كانت تُوَرّث كما تُوَرّث الأموال والمتاع والأنعام، فجاء الإسلام ورفع من قدرها وعظم شأنها، وأبطل كل ما كان عليه العرب والعجم من حرمان النساء من حقوقهن المالية وعدم الاعتراف بأهليتهن والتضييق على تصرفاتهن، ولم يفرق بينهن وبين الرجال في هذا الشأن، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم.
جاء الإسلام وأثبت للمرأة حق التملك والانتفاع والتصرف فيما تملكه، وجعل لها ذمة مالية مستقلة، لا يستطيع الرجل ولياً كان أو زوجاً التعدي علي أموالها وممتلكاتها، تحت مسمى الوصية أو الحجر أو أيّ مسمى آخر.
فالمرأة الرشيدة في شريعة الإسلام لها حق التملك وحق التعامل والتصرف في مالها كله أو بعضه بكافة صور وأساليب الكسب المباح والوسائل المشروعة؛ من استثمار، وتجارة، وإنفاق، وبيع وشراء، وإجارة، ومضاربة، ومزارعة، وتبرع، وهبة، ووصية، وتصدق، وإقراض، وتنازل، وإعارة، ورهن.. ولها أن تُبرم العقود المالية والتجارية بنفسها دون وسيط، وأن تُوكل عنها في مالها، وأن تَضمن غيرها، وأن تخاصم الغير في حقوقها المالية أمام القضاء.. إلى غير ذلك من صور المعاملات المالية والاقتصادية؛ كل ذلك من غير سلطان أو إذن أو إشراف من وليها أو زوجها دون إرادتها.
قال صاحب الظلال عند تفسيره لقوله تعالى: ) لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ( [ النساء: من الآية32 ] : ” ونسجل هنا ما منحه الإسلام للمرأة في هذا النص من حق الملكية الفردية، وهو الحق الذي كانت الجاهلية العربية – كغيرها من الجاهليات القديمة – تحيف عليه، ولا تعترف به للمرأة – إلا في حالات نادرة – ولا تفتأ تحتال للاعتداء عليه، إذ كانت المرأة ذاتها مما يُستَولى عليه بالوراثة كالمتاع! وهو الحق الذي ظلت الجاهليات الحديثة – التي تزعم أنها منحت المرأة من الحقوق والاحترام ما لم يمنحه لها منهج آخر – تتحيفه، فبعضها يجعل الميراث لأكبر وارث من الذكور، وبعضها يجعل إذن الولي ضرورياً لتوقيع أي تعاقد للمرأة بشأن المال، ويجعل إذن الزوج ضرورياً لكل تصرف مالي من الزوجة في مالها الخاص! وذلك بعد ثورات المرأة وحركاتها الكثيرة، وما نشأ عنها من فساد في نظام المرأة كله، وفي نظام الأسرة، وفي الجو الأخلاقي العام.
فأما الإسلام فقد منحها هذا الحق ابتداءً، وبدون طلب منها، وبدون ثورة، وبدون جمعيات نسوية، وبدون عضوية برلمان!! منحها هذا الحق تمشياً مع نظرته العامة إلى تكريم الإنسان جملة، وإلى تكريم شِقَّيْ النفس الواحدة، وإلى إقامة نظامه الاجتماعي كله على أساس الأسرة، وإلى حياطة جو الأسرة بالود والمحبة والضمانات لكل فرد فيها على السواء، ومن هنا كانت المساواة في حق التملك وحق الكسب بين الرجال والنساء من ناحية المبدأ العام.”
وفي حين أنصف الإسلام المرأة بتمكينها من حقوقها المالية بهذه الصورة الفريدة، نجد أن المرأة في أوروبا لم تثبت لها الولاية المالية المستقلة إلا حديثاً.
وحسبنا أن نعلم أنَّ أسباب الحَجْر في التشريع الإسلامي هي: الصِّغر والجنون، بينما هي في القانون الرُّوماني، وفي القانون الفرنسي حتى عام 1938م ثلاثة: الصِّغر والجنون والأنوثة.”
لقد كانت شرائع أوروبا ” المتحضرة ” تَحرم المرأة من كل هذه الحقوق إلى عهد قريب، وتجعل سبيلها الوحيد إليها عن طريق الرجل زوجاً كان أو أباً أو ولي أمر، أي أن المرأة الأوروبية ظلت لقرون عديدة بعد الإسلام لا تملك من الحقوق ما أعطاها الإسلام، ثم هي حين ملكتها لم تأخذها سهلة ولا احتفظت بأخلاقها وعرضها وكرامتها، وإنما احتاجت لأن تبذل كل ذلك، وتتحمل العرق والدماء والدموع، لتحصل على شيء مما منحه الإسلام – كعادته – تطوعاً وإنشاءً، لا خضوعاً لضرورة اقتصادية، ولا إذعاناً للصراع الدائر بين البشر، ولكن تقريراً منه للحق والعدل الأزليين، وتطبيقاً لهما في واقع الأمر لا في عالم المُثل والأحلام.”
وإلى يومنا هذا ما زالت المرأة في كثير من البلدان الغربية تعاني من التمييز ضدها، خاصة في حقوقها المالية، فذمتها المالية في العديد من هذه المجتمعات غير منفصلة عن الذمة المالية لزوجها.
وفي الوقت الذي شاعت فيه شبهات من ينسبون أنفسهم إلى الإسلام، من دعاة التغريب وأدعياء تحرير المرأة وجمعياتهم النسائية المشبوهة، نجد العديد من المنصفين من غير المسلمين قد شهدوا وأقروا بسبق الإسلام وإنصافه للمرأة بهذا المبدأ الراقي وغيره من مبادئ الإسلام وتشريعاته السامية، وأنه أعطاها ما لم يعطها غيره عبر تاريخ البشرية الطويل.
تقول الكاتبة البريطانية ( آني بيزنت ) والتي عملت لفترة طويلة كناشطة في مجال حقوق المرأة: ” كثيراً ما يرد على فكري أن المرأة في ظل الإسلام أكثر حرية من غيره، فالإسلام يحمي حقوق المرأة أكثر من الأديان الأخرى التي تحظر تعدد الزوجات، وتعاليم الإسلام بالنسبة للمرأة أكثر عدالة وأضمن لحريتها، فبينما لم تنل المرأة حق الملكية في إنجلترا إلا منذ عشرين سنة فقط، فإننا نجد أن الإسلام قد أثبت لها هذا الحق منذ اللحظة الأولى.
وتقول ( لورا فيشيا فاغلير ) في كتابها “دفاع عن الإسلام”: إذا كانت المرأة قد بلغت من وجهة النظر الاجتماعية في أوروبا مكانة رفيعة، فإن مركزها – شرعياً على الأقل – كان حتى سنوات قليلة جداً ولا يزال في بعض البلدان، أقل استقلالاً من المرأة المسلمة في العالم الإسلامي.
ويقول المفكر الفرنسي المعروف ( غوستاف لوبون ):” إذا أردنا أن نعلم درجة تأثير القرآن في أمر النساء وجب علينا أن ننظر إليهن أيام ازدهار حضارة العرب، وقد ظهر مما قصه المؤرخون أنه كان لهن من الشأن ما اتفق لأخواتهن حديثاً في أوروبا”.
ويمضي ( لوبون ) إلى أبعد من ذلك فيقول: ” فضل الإسلام لم يقتصر على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا أنه أول دين فعل ذلك”.
وهكذا كان سبق الإسلام في التأسيس لمبدأ ” الذمة المالية المستقلة للمرأة “ وارتقائه بشأنها وإنسانيتها وقيمتها وأهليتها، ” وهذه الدرجة التي رفع النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أمة من الأمم قبل الإسلام ولا بعده، وهذه الأمم الأوربية التي كان من آثار تقدمها في الحضارة والمدنية أن بالغت في تكريم النساء واحترامهن، وعنيت بتربيتهن وتعليمهن العلوم والفنون، لا تزال دون هذه الدرجة التي رفع الإسلام النساء إليها، ولا تزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حق التصرف في مالها بدون إذن زوجها، وغير ذلك من الحقوق التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية من نحو ثلاثة عشر قرنا ونصف”.