اقرأ أيضا:
كان الإمام الطبراني رضي الله عنه على المحجّة البيضاء متمسكًا بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الاعتقاد، يعرف الفضل لأهله ويُعظِّم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويعتقد أن التوسل بالأنبياء والأولياء أمر جائز مستحسن في الشرع وأنهم ينفعون بإذن الله في حال حياتهم وبعد مماتهم.
وهو واحد من الأعلام الذين رووا الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم علّم الأعمى أن يتوسل به فذهب فتوسل به في حال غيبته وعاد إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقد أبصر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علّم هذا الضرير أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي – ويسمي حاجته- لتقضى لي.
وقد قال الحافظ الطبراني رحمه الله في معجمه بعد أن ساق هذا الحديث: والحديث صحيح. مع أنه من عادته أنه لا يصحح حديثًا مع اتساع كتابه المعجم الكبير، ما قال عن حديث أورده ولو كان صحيحًا: “الحديث صحيح”، إلا عن هذا الحديث.
وروى ابن الجوزي الحنبلي في كتابه: “الوفا بأحوال المصطفى” عن أبي بكر المِنقريّ قال: كنتُ أنا والطبراني وأبو الشيخ في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا على حالة، فأثَّر فينا الجوع، فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرتُ قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلتُ: يا رسول الله الجوع الجوع، وانصرفت. فقال لي أبو الشيخ: اجلس فإمّا أن يكون الرزق أو الموت، قال أبو بكر: فنمتُ أنا وأبو الشيخ، والطبراني جالس ينظر في شيء فحضر بالباب رجل من آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فدقّ الباب، فإذا معه غلامان مع كل واحد منهما زنبيل كبير فيه شيء كثير. فجلسنا وأكلنا، وظننا أن الباقي يأخذه الغلام، فولّى وترك عندنا الباقي، فلما فرغنا من الطعام قال الرجل: يا قوم أشكوتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فأمرني بحمل شيء إليكم.
تنقل الإمام الطبراني في العديد من الأقطار والبلدان والتقى مع العديد من العُلماء وأخذ منهم العلم، كما تتلمذ على يده علماء من المسلمين، رحل الإمام الطبراني إلى أصبهان أول مرة سنة تسعين ومائتين ثم تركها مدة من الزمن وعاد إليها ثانية سنة عشر أو إحدى عشرة وثلاثمائة ليسمع الحديث من أبي بكر أحمد بن عمرو بن عاصم النبيل، وعبد الله بن محمد بن زكريا، لكنه لم يلحقهما لكونهما توفيا قبل دوله إلى أصبهان، فسمع بها ممن أدركه من شيوخها مثل إبراهيم بن محمد المعروف بنائلة، ومحمود بن أحمد بن الفرج، وإبراهيم بن متويه، ومحمد بن العباس الأخرم، ومحمد بن يحيى بن منده، وروى عن كثير غيرهم من الأكابر ممن يطول ذكرهم.
وهكذا تلّقى الإمام الطبراني العلم وسمع الحديث النبوي الشريف عن عدةٍ من الشيوخ والعلماء المسلمين الذينَ لقيَهم خلال رحلته وتنقله بين الأقطار ليكتسب العلم الشرعي، وتتلمذ على يده العديد من الشيوخ ومنهم ما يأتي:
وغيرهم.
كما لقي أصحاب يزيد بن هارون، وروح بن عبادة، أبي عاصم، وحجاج بن محمد، وعبد الرزاق الصنعاني، ولم يزل يكتب حتى كتب عن أقرانه، وحدَّث عن ألف شيخ أو يزيدون.
هناك الكثير من العلماء الذين تتلمذوا على يد الطبراني ونقلوا عنه العلوم الشرعية. فقد كان الإمام الطبراني عالما كبيرا يقصده طلاب العلم من كل مكان لاكتساب العلم الشرعي منه وسماع الحديث النبوي الشريف وتتلمذ على يده الكثير من طلبة العلم، و فيما يأتي بعض من تلامذته:
وغيرهم.
ترك الطبراني الكثير من المؤلفات خلفه، ووضع العديد من المُصنفات التي نفعت الأمة وبقيت مراجعا لمن يبحر في علوم الشريعة الإسلامية، واشتهرت كتب الطبراني شهرة واسعة، وتنوعت في عدة مواضيع ما بين الحديث والتفسير وغيرها، ولعلَ أشهر هذه المؤلفات هي المعاجم الثلاثة وموضوعها هو علم الحديث، كان الطبراني رحمه الله واسع العلم كثير التصانيف ومن أشهر ما صنف من المؤلفات ما يأتي:
وغيرها كثير فقد بلغ عدد ما وُجِد من تصانيفه ما يزيد على مائة مُصنف في علوم مختلفة وفنون شتى.
لا بد من الإشارة إلى أن الإمام الطبراني كان ممن اشتهر من المحدثين المسلمين وهو من كبار رجال الحديث الذين عُرفوا في عصره وإمام من أئمة التفسير وكان من العلماء الذين عاشوا عمرا طويلا، وانتشر حديثه في مختلف أقطار البلادِ الإسلاميّةِ، وقد أُطلق على الإمام الطبراني عدة من الألقاب ومنها ما يأتي:
الإمام
الحافظ
الثقة
الرحال
الجوَّال
محدّث الإسلام
علَمُ المعمَّرين
صاحب المعاجم الثلاثة.
الذين أخذوا عن الطبراني كثر، قال أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن رحمه الله: “حدّث سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني بأصبهان ستين سنة، فسمع منه الآباء ثم الأبناء فالأسباط حتى لحقوا بالأجداد”، وروى عنه جماعة من كبار المحدثين كابن عقدة، وأبي علي الصحاف، وأبي عبد الله بن خفيف، والقاضي أبي أحمد العسال، وإبراهيم بن محمد بن حمزة، وأبي الشيخ وغيرهم كثير، ومن المتأخرين ما يصعب حصرهم.
وقد قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام: “الحافظ المشهور مُسْنَد الدنيا وكان من فرسان هذا الشأن مع الصدق والأمانة” وقال عنه في سير أعلام النبلاء: “الإمام، الحافظ، الثقة، الرحال الجوال، محدث الإسلام. وقال: “ولم يزل حديث الطبراني رائجاً، نافقاً، مرغوباً فيه، ولا سيما في زمان صاحبه ابن ريذة، فقد سمع منه خلائق، وكتب السّلفي عن نحو مئة نفس منهم”.
وقال عنه أبو بكر بن أبي علي المعدل: “الطبراني أشهر من أن يدل على فضله وعلمه، كان واسع العلم كثيرا التصانيف”.
وقال أبو نعيم: “سمعت أحمد بن بندار يقول: دخلت العسكر سنة ثمان وثمانين ومائتين، فحضرت مجلس عبدان، وخرج ليملي فجعل المستملي يقول له: إن رأيت أن تملي علي فيقول: حتى يحضر الطبراني قال: فأقبل أبو القاسم بعد ساعة متزراً بإزار مرتدياً بآخر، ومعه أجزاء، وقد تبعه نحو عشرين نفساً من الغرباء من بلدان شتى حتى يفيدهم الحديث”.
قال أبو بكر بن أبي علي: سأل والدي أبو القاسم الطبراني عن كثرة حديث[؟]ه فقال: “كنت أنام على البواري (يعني الحصير) ثلاثين سنة”.
قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: سمعت الأستاذ ابن العميد يقول: “ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلب بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتهما، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: هات، فقال: حدثنا أبو خليفة الجمحي، حدثنا سليمان بن أيوب، وحدث بحديث، فقال الطبراني: أخبرنا سليمان بن أيوب، ومني سمعه أبو خليفة، فاسمع مني حتى يعلو فيه إسنادك، فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه”، أو كما قال.
قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه: توفي سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني في ذي القعدة يوم السبت، ودفن يوم الأجد لليلتين بقيتا منه سنة ستين وثلاثمائة بباب مدينة أصبهان إلى جنب قبر حممة الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبره معروف يزار، وله ابن يسمى محمدًا ويكنى أبا ذر، وبه بنت تسمى فاطمة، أمها أسماء بنت أحمد بن محمد بن شذرة الخطيب، وذكر أنها كانت تصوم يوما وتفطر يوما وكانت لا تنام من الليل إلا قليلا رحمها الله.
رحم الله الإمام الطبراني وجزاه عن أهل الإسلام خيرا.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين