اتفق الفقهاء في صلاة التراويح على أمرين:
- الإجماع على أنه لا يجوز تعطيل المساجد منها في غير حالة الضرورة كما في حالة وباء كورونا وأمثاله؛ وهذا خلافا للشيعة الذين يرونها جماعة بدعة في المسجد أو غيره.
- أفضليتها في المسجد لمن لا ينشط لفعلها في بيته، ولزائر الحرمين.
- واختلفوا فيمن ينشط لفعلها في المسجد وفي بيته، ما الأفضل له شرعا وأجرا؟ وهذا هو محل النزاع لا سواه حتى لا يتشعب البحث والكلام في غير طائل.
قال الصاوي المالكي: “ندب فعلها في البيوت مشروط بشروط ثلاثة: أن لا تعطل المساجد، وأن ينشط لفعلها في بيته، وأن يكون غير آفاقي بالحرمين، فإن تخلف منها شرط كان فعلها في المسجد أفضل”.
وقد اختلفوا على رأيين:
الأول: أفضلية التراويح في المساجد، وهو رأي جمهور العلماء ومعتمد المذاهب الثلاثة الحنفية والشافعية والحنابلة.
والثاني: أفضلية التراويح في البيوت، وهو معتمد المالكية وبعض العلماء من السلف والخلف.
سبب الاختلاف
وسبب اختلافهم: تعارض العام والخاص، وتعارض خبر الواحد مع السنة الفعلية للنبي ﷺ والخلفاء الراشدين.
فالجمهور يرون أن عموم نصوص أفضلية النوافل في البيوت مخصص بحديث أبي ذر عند الترمذي مرفوعا: “إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة “.
والمالكية ومن معهم لم يرتضوا التخصيص بهذا الحديث، لما يلي:
1.أنه حديث محتمل للفريضة، والدليل إذا تعرض إليه الاحتمال سقط به الاستدلال. قال ابن عبد البر في الاستذكار : “وهذا عند أكثر أهل العلم في الفريضة”. أي أنه للترغيب في صلاة العشاء، أو “أن المقصود الترغيبُ في القيام وإعطاؤه الأجر العام لا الأجر الخاص” كما ذهب إليه الباحث خضر بن صالح
2.أن السنة الفعلية للنبي ﷺ هي صلاتها في البيت، مع ما في مسجده من الفضل. و”قالوا: إن الذي حدث أنه صلى اللَّه عليه وسلم أمر عائشة – كما جاء عند أحمد – أن تنصب له حصيرًا على باب حجرتها، ففعلت، فخرج … إلخ. فالحصير وإن كان قد نصب في المسجد لكنه إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصه، وذلك لئلا يلزم أن يكون صلى اللَّه عليه وسلم تاركًا للأفضل الذي أمر به الناس حيث قال: “فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة” فتح المنعم شرح صحيح مسلم (3/ 541)
3. أنه قول عمر وابن عباس
فقد روى البخاري أن عمر قال: (نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون –يريد آخر الليل-، وقد كانوا يقومون أوله)، وجاء في مصنف بن أبي شيبة عن ابن عباس مثله: (ما يتركون منه أفضل مما يقومون فيه). وإن كان ما “قاله عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فإنما هو محمول على غيرهم لا عليهم إذ إنهم – رضي الله عنهم – جمعوا بين الفضيلتين من قيام أول الليل وآخره” كما في المدخل لابن الحاج.
4. أنه فعل الخلفاء الراشدين وعدد من كبار الصحابة والتابعين، مع ما في مسجده ﷺ من الفضل في الأجر. فقد نقل ابن نصر المروزي عن الليث بن سعد قال : ما بلغنا أن عمر وعثمان كانا يقومان في رمضان مع الناس في المسجد. ونُقل ذلك عن علي كما سيأتي.
وقال الشافعي في الأم:” وسألت مالكا عن قيام الرجل في رمضان أمع الناس أحب إليك أم في بيته؟ فقال: إن كان يقوى في بيته فهو أحب إلي، وليس كل الناس يقوى على ذلك، وقد كان ابن هرمز ينصرف فيقوم بأهله، وكان ربيعة وعدد غير واحد من علمائهم ينصرف ولا يقوم مع الناس، قال مالك: وأنا أفعل مثل ذلك”.
وقال ابن عبد البر: “قال مالك: وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس. قال مالك: وأنا أفعل ذلك. وما قام رسول الله – ﷺ – إلا في بيته. وروينا عن ابن عمر، وسالم، والقاسم، وإبراهيم، ونافع أنهم كانوا ينصرفون ولا يقومون مع الناس.
وجاء عن عمر وعلي أنهما كانا يأمران من يقوم للناس في المسجد، ولم يجئ عنهما أنهما كانا يقومان معهم” الاستذكار (5/ 158).
وكذلك أبيّ بن كعب، وهو الذي رتبه عمر بن الخطاب للصلاة بالناس، فإنه إذا كانت العشر الأواخر من رمضان تخلف وصلى في بيته فكانوا يقولون أبَقَ أُبي. رواه عبدالرزاق وأبو داود فرواه عبدالرزاق عن ابن سيرين ورواه أبو داود عن الحسن البصري .
وكذلك عبدالله بن عمر، فقد روى عنه عبدالرزاق الصنعاني في المصنف عن الثوري عن منصور عن مجاهد بن جبر قال : جاء رجل إلى ابن عمر قال : أصلي خلف الإمام في رمضان ؟ قال ابن عمر : اتقرأ القرآن ؟ قال : نعم أفتنصت كأنك حمار ، صلِّ في بيتك.
5. أن الأصل في النوافل الإخفاء سدا لذريعة الرياء. قال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة(1/ 304) “وقد نبه الله تعالى على ذلك في آية الصدقة حيث قال: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم}. فكان ذلك أصلا في انتفاء كل ما يفعله الإنسان من التطوع مما ينفرد به دون الناس.
قال أصحابنا: ولأن في ذلك سلامة من الرياء والسمعة؛ فهو أفضل”.