حوار جيد = علاقة زوجية سعيدة
هذه حقيقة أثبتت التجارب الحياتية صحتها، فالطريق إلى التفاهم وتحقيق الهدوء الأسري يبدأ بإقامة الحوار بين الزوجين وتحديد أطر لتواصل فعال بينهما، فالحوار بين الزوجين هو كلمة السر في دعم التواصل بين الطرفين وتوطيد العلاقة بينهما، فإذا نجح الزوجان في إقامة حوار إيجابي على أسس سليمة فالنتيجة المتوقعة علاقة زوجية دافئة ومتزنة تشعر الزوجين بالانتماء إلى بعضهما البعض، مما يزيد من الشـعور بالأمان والراحة، ويخفف من ضغوط العمل والمسـئوليات الأخرى، ويقلل من فرص الإصابة بالاضطرابات النفسية.
يظل الحوار سر العلاقة الزوجية الناجحة ومعادلة النجاح الصعبة في سفينة الحياة الزوجية المحاصرة بالعواصف الحياتية. ويكون الحوار بين الزوجين بالكلام، للتفاهم حول أمور الأسرة، والتعبير عن هموم العمل والحياة، والإفصاح عن الاهتمامات والطموحات والحاجات والأفكار والانفعالات وغيرها، ويتأثر هذا الحوار بمضمون الكلام وحالة المتكلم والمستمع؛ فمثلاً حين يحدث الزوج زوجته بكلام طيب ويجدها مصغية إليه مشاركة له ومهتمة به فإنه يتفاعل معها تفاعلاً إيجابيًّا، ويقبل عليها ويرتبط بها، أما عندما يجدها لاهيةً عنه متذمرة منه أو محقرة له فإنه ينفر منها وينصرف عنها، ويسوء التفاهم بينهما. وهذه هي الفكرة العامة للحوار، ولكنها ليست قاعدة أبدية.
أنواع الحوار
أ- الحوار الجيد:
وهو الحوار الذي يساعد على دعم الروابط بين الزوجين ويحقق التواصل الجيد بينهما، وهذا الحوار يتطلب مهارة في التعبير ومهارة في الإنصات؛ حيث يكون أحد الزوجين متكلمًا والآخر مستمعًا، وعلى المتكلم أن يجيد التعبير عن الأفكار التي يريد توصيلها، وعلى المستمع أن يكون حسن الإنصات دقيق الملاحظة حتى يفهم الرسالة وما تحمله من معان مباشرة أو ضمنية، وهذا يعنى أن الإرسال والاستقبال الجيد بين الزوجين يقوم على وعى كل منهما بالفكرة التي يريد الطرف الآخر توصيلها إليه فيحسن الإنصات إليها.
وقد توصل “جونز” و”جوليوس” إلى وجود ثلاثة نقاط تميز المتزوجين الأكثر رضاءً، وهي: تبادل رسائل واضحة ومباشرة، والاستماع الفعال، والتعبير اللفظي عن الاحترام أو التقدير من الطـرف الآخر؛ فالأسرة السعيدة تتمتع بتواصل أكثر وأفضل في تفاعلاتها، وأفرادها يتحاورون حول مدى واسع من الموضوعات ويبدو عليهم المزيد من الفهم لما سمعوه، ويظهرون حساسية عالية إزاء مشاعر الطرف الآخر ويدعمون تواصلهم اللفظي بكثير من الإشارات غير اللفظية. فالمداعبة والملاطفة قد تعد من أساليب التواصل العاطفي التي توجه التفاعل الزواجي وجهة إيجابية، وعادة ما تؤدى المناقشة بين الزوجين إلى إظهار مستوى عالٍ من الدفء.
* أهم خصائص الحوار الجيد:
1- المناقشة: وهي حوار يتميز بصدق متبادل؛ حتى تصبح وجهة نظر كل منهما ظاهرة مفهومة للآخر، والمناقشة الموضوعية المتزنة قد تساعد كثيرًا على تغيير القناعات؛ مما قد يؤدي إلى التصرف بطريقة مختلفة في المستقبل.
2- ارتداء منظار الآخر: ويعني وضع الذات في مكان الشخص الآخر، ويرتبط ذلك إيجابيًّا بالرضا عن العلاقة، والعكس صحيح، حيث يساعدك الرضا عن علاقتك بشريك حياتك على إدراك وجوده، ومن ثم وضع وجهة نظره في الاعتبار؛ وينتج عن ذلك أن يعدّل الزوجان سلوكهما في المواقف الاجتماعية المختلفة كنتيجة لفهم وجهة نظر الآخر، والأزواج القادرون على وضع وجهة نظر الآخر في الاعتبار أكثر إيجابية ويظهرون اهتمامًا أكبر بحاجات واهتمامات ورغبات الآخر.
3- التعبير عن المشاعر الإيجابية: يمكن أن تتدخل المشاعر الإيجابية أثناء الحوار بين الزوجين، وهذا يزيد الود بين الزوجين، وقد تستخدم المشاعر الإيجابية في إيقاف دائرة الخلاف الزواجي بحيث تحرك المشاعر من الجانب السالب إلى جانب أقل سلبية (مشاعر محايدة).
ب- الحوار المضطرب “السلبي”:
فى حين أن التواصل اللفظي مهم في فهم اتجاهات وسلوك الطرف الآخر؛ فإن التواصل اللفظي الخاطئ يعد مصدرًا للمشاكل الزوجية، والزوجان غير السعيدين كثيرًا ما يعقِّدان مشاكلهما عن طريق التواصل اللفظي الخاطئ؛ كأن يعبرا عن مشاعرهما بشكل غير مباشر وغامض ولا ينقلان إلى بعضهما أفكارًا واضحة ومكتملة بما فيه الكفاية. ويمكن أن نضرب بعض الأمثلة لاستجابات الزوج عندما يكون غاضبًا من زوجته ويريد أن يعبر عن مشاعر الغضب نحوها:
1- نمط صريح مباشر: “أنت السبب في أن الأولاد خرجوا دون علمنا”.
2- نمط غير مباشر: يعطي الزوج ظهره لزوجته وهي تكلمه، وكأنه لا يسمعها.
3- نمط واضح ولكنه مِزاح: “أنا غاضب منك” (موجهًا الحديث إلى ابنته في الوقت الذي يشعر فيه بالغضب من زوجته).
ومن الملاحظ أن غير المتوافقين زواجيًّا يعتبرون التصرفات الإيجابية لشريك الحياة هي نتيجة عوامل مؤقتة وخارجية، في حين يرون التصرفات السلبية راجعة إلى خصائصه الشخصية. وقد يحدث الخلل في العلاقة الزوجية لأن أحد الزوجين يعطي اهتمامًا لمحتوى التواصل اللفظي فقط لنفسه وللآخرين، بينما يوجه الآخر معظم اهتمامه للتواصل غير اللفظي لنفسه وللآخرين؛ فنجد الأول مهتمًا بمحتوى الحوار، والثاني مهتمًا بالسياق؛ مما يحدث فجوة في التواصل بين الزوجين.
* أخطر أنواع الحوار السلبي:
1) الحوار العدمي التعجيزي: وفيه لا يرى أحد طرفي الحوار أو كلاهما إلا السلبيات والأخطاء والعقبات وينتهي الحوار إلى أنه “لا فائدة”.
2) حوار المناورة (الكر والفر): حيث ينشغل الزوجان (أو أحدهما) بالتفوق اللفظي في المناقشة بصرف النظر عن الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة، وهو نوع من إثبات الذات بشكل سطحي.
3) الحوار المزدوج: وهنا يعطي ظاهر الكلام معنى غير ما يعطيه باطنه، وذلك لكثرة ما يحتوي من التورية والألفاظ المبهمة، وهو يهدف إلى إرباك الطرف الآخر.
4) الحوار السلطوي (اسمع واستجب): هذا الحوار هو نوع شديد من العدوان؛ حيث يلغي أحد الزوجين كيان الطرف الآخر ويعتبره أدنى من أن يحاور، بل عليه فقط الاستماع للأوامر الفوقية والاستجابة دون مناقشة أو تضجر.
5) حوار الطريق المسدود (لا داعي للحوار فلن نتفق): يعلن الزوجان (أو أحدهما) منذ البداية تمسكهما (أو تمسكه) بثوابت متضادة تغلق الطريق منذ البداية أمام الحوار، وهو نوع من التعصب والتطرف الفكري وانحسار مجال الرؤية.
6) حوار العدوان السلبي (صمت العناد والتجاهل): يلجأ أحدهما إلى الصمت السلبي عنادًا وتجاهلاً، ورغبة في مكايدة الطرف الآخر بشكل سلبي دون التعرض لخطر المواجهة.
هذه الأنواع من الحوار تسبب قدرًا كبيرًا من الإحباط لدى أحد الزوجين أو كليهما؛ فإما أن تسد الطريق أمام كل محاولة للنهوض، أو تلغي كيان وحرية طرف لحساب طرف آخر، أو يكون هدفها إثبات الذات بالتميز والاختلاف ولو كان ذلك على حساب جوهر الحقيقة.
والحوار بين الزوجين لن يؤتي ثماره دون أن يصاحبه الاستماع الفعال والتعاطفي، هذه المهارة التي لا غنى عنها في أي تواصل فعال. ورغم أهمية تلك المهارة فإننا دائمًا ما نصيبها في مقتل بمختلف أسلحة الدمار الشامل التي نطلقها بدون أن ندرك خطورتها. فما هي هذه الأسلحة؟ وكيف يمكننا الحد من تأثيرها الهدام على علاقتنا؟