قبل التعرف على الرقية الشرعية وضوابطها، ماهي الرقية ؟
الرقية لغة هي : العوذة ، وجمعها رقى ، يقال : رقى الراقي رقيا ، ورقية ورقيا ، إذا عوذ ونفث في عوذته .
وفي تعريف الرقية يقول ابن الأثير : الرقية العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة ، كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات .
والأصل في الرقية أنها مشروعة ، وهي نوع من الدعاء الذي أمرنا الله سبحانه به ، وهي عبادة من العبادات .
قال تعالى: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } (غافر : 60 ).
وقال: { فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون } (غافر : 14 ).
وقال النبي ﷺ : ” الدعاء هو العبادة ” . (رواه الترمذي) . وقد ذكر الله الرقية في كتابه ، في قوله سبحانه وتعالى : { كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق } (القيامة :27 ).
فأخبر تعالى عن حالة الاحتضار ، فإذا بلغت الروح التراقي ، وهي جمع ترقوة ، وهي العظام المكتنفة لنقرة النحر ، {وقيل من راق } هو من الرقية ; أي : هل من راق يرقي ، أي : يشفيه ويعالجه .
الأدلة من الكتاب والسنة
قال الله عز وجل : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } (الإسراء :82 ).
{ شفاء ورحمة للمؤمنين } والشفاء : هو الدواء الشافي من كل ما يؤذى ، ويجمع على أشفيه .
قال ابن كثير : أي : يذهب ما في القلوب من أمراض ، من شك ونفاق ، وشرك وزيغ وميل ، فالقرآن يشفي من ذلك كله . وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه ، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه ، فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة .
وكونه شفاء للأجسام كذلك ، إذا رقى عليها به ، كما تدل عليه الأحاديث الصحيحة ، ومنها قصة أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عندما رقى الرجل اللديغ بالفاتحة ، وهو صحيحة مشهورة في صحيح مسلم .
وروى البخاري : عن عائشة أن النبي ﷺ كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات ، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها . فسألت الزهري : كيف كان ينفث ؟ قال : كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه.
وروى مالك : عن ابن شهاب عن عروه عن عائشة : أن رسول الله ﷺ كان إذا اشتكى قرأ على نفسه المعوذتين وتفل أو نفث.
قال أبو بكر بن الأنباري : قال اللغويون تفسير ” نفث ” نفخ نفخا ليس معه ريق . ومعنى ” تفل ” نفخ نفخا معه ريق .
وكذا قول الله تعالى : { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } (يونس : 57 ).
وقال : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } (فصلت : 44 ).
وأما في السنة ، فأحاديث كثيرة ، فمنها :
1- فما جاء في حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أنه قال : قدمت على النبي ﷺ وبي وجع قد كاد يبطلني ، فقال لي النبي ﷺ : ” اجعل يدك اليمنى عليه ، وقل : بسم الله ، أعوذ بعزة الله وقدرته ، من شر ما أجد وأحاذر ، سبع مرات “. فقلت ذلك فشفاني الله . (رواه مسلم) .
2- وعن عائشة رضي الله عنها : عن رسول الله ﷺ : أنه رخص في الرقى من كل ذي حمة . (أخرجه البخاري ومسلم) . والحمة : السم .
3- وعنها أيضا : قالت : كان رسول الله إذا اشتكى الإنسان ، أو كانت به قرحة أو جرح ، قال بإصبعه : هكذا – ووضع سفيان سبابته بالأرض – ثم رفعها فقال : ” باسم الله ، تربة أرضنا ، بريقة بعضنا ، يشفى سقيمنا ، بإذن ربنا ” . (أخرجه البخاري ومسلم) .
4- عن جابر قال : نهى رسول الله ﷺ عن الرقى ، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله ﷺ ، فقالوا : يا رسول الله ، إنه كانت عندنا رقية ، نرقي بها من العقرب ، وإنك نهيت عن الرقى ، قال : فعرضوها عليه ، فقال : ” ما أرى بأسا ، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه ” . (رواه مسلم) .
5- وعند مسلم أيضا : عن جابر بن عبد الله يقول : رخص النبي ﷺ لآل حزم في رقية الحية .
6- وقال ﷺ لأسماء بنت عميس رضي الله عنها : ” ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة – أي : نحيفة – تصيبهم الحاجة ؟! قالت : لا ، ولكن العين تسرع إليهم ، قال : ” ارقيهم ” قالت : فعرضت عليه ، فقال : ” ارقيهم “.
ضارعة: نحيفة ضعيفة.
تصيبهم الحاجة : أي هل هم فقراء ؛ فلا يجدون طعاما ؟
7- وعن الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها قالت: دخل علينا النبي ﷺ وأنا عند حفصة فقال لي : ” ألا تعلمين هذه رقية النملة ، كما علمتيها الكتابة “. (رواه الإمام أحمد) .
قال أبوعبيد وابن قتيبة الدينوري وابن الأثير : النملة قروح تخرج في الجنب .
8- وعن عبد الله بن مسعود قال : بينما رسول الله يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في إصبعه ، فانصرف رسول الله ، وقال : ” لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره” قال: ثم دعا بإناء فيه ماء وملح ، فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ، ويقرأ : ” قل هو الله أحد ، والمعوذتين ، حتى سكنت “. (أخرجه ابن ماجة (1030) والسلسلة الصحيحة (547 و548) ).
9- وعن أبي خزامة قال : سئل رسول الله ﷺ : أرأيت أدوية نتداوى بها ، ورقى نسترقي بها ، وتقى نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئا ؟ قال : ” هي من قدر الله “. (رواه ابن ماجة) .
10- وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله ، كيف ترى في ذلك ؟ فقال : ” اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك “. (رواه مسلم) .
فهذا الحديث : يدل على جواز الرقى ، ما لم يكن بها شرك ، وما لم تكن ذريعة للشرك .
فقوله : ” لا بأس بالرقى ، ما لم يكن فيه شرك ” ظاهر في إطلاق الإباحة في هذا الباب ، ما لم يكن في الرقى شرك ، أو مخالفة شرعية ، أو تداوي بنجاسة أو محرم .
والرقى التي فيها شرك ، هي التي فيها استعاذة بالجن ونحوهم ، كما قال تعالى: { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا } . (الجن : 6 )
وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى : ” فأما الرقى فالمنهي عنه : هو ما كان منها بغير لسان العرب ، فلا يدرى ما هو ؟ ولعله قد يدخله سحر أو كفر ، فأما إذا كان مفهوم المعنى ، وكان فيه ذكر الله تعالى ؛ فإنه مستحب متبرك به والله أعلم ” انتهى من ” معالم السنن ” ( 4 / 226 ) .
لكن الأفضل ، مطلقا ، أن تكون بالعربية للقادر عليها .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وعامة ما بأيدي الناس من العزائم والطلاسم والرقى التي لا تفقه بالعربية ، فيها ما هو شرك بالجن .
ولهذا نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفقه معناها ؛ لأنها مظنة الشرك ، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك .
وفي صحيح مسلم : عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله ، كيف ترى في ذلك ؟ فقال: ” اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ، ما لم يكن فيه شرك “.
وفي صحيح مسلم أيضا : عن جابر قال: نهى رسول الله ﷺ عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب وإنك نهيت عن الرقى قال: فعرضوها عليه فقال: ” ما أرى بأسا ، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه ” . (مجموع الفتاوى : (19/13) ).
شروط الرقية
أما عن شروط الرقية : فيقول الحافظ ابن حجر العسقلاني : يتخلص من كلام أهل العلم ؛ أن الرقية تكون مشروعة ؛ إذا تحقق فيها ثلاثة شروط و هي :
1- أن لا يكون فيها شرك ولا محرم .
2- أن تكون بالعربية أو ما يفقه معناه .
3- أن لا يعتقد كونها مؤثرة بذاتها ، بل بإذن الله تعالى .
وصفة الرقية الشرعية
وصفة الرقية الشرعية أن يضع المريض يده على موضع الألم فيقرأ شيئا من القرآن ، أو من الأدعية من السنة على نفسه بنفسه ، أو يقرأ الراقي شيئا من الكتاب أو من السنة على المريض ، أو يقرأ في ماء ونحوه مع النفث الخالي من البزاق ثم يعطى المريض .
أقرأ أيضا :