ينظر البعض إلى ابتلاءات المختلفة ومنها الزلزال والنكبة العامة التي تصيب الأفراد والمجتمعات نظرات مختلفة:

 فمنهم من يراها سببا للعقوبة ويستحضر من الايات والأحاديث ما يدل على ذلك من مثل قوله تعالى  {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].

ومنهم من يستعرض بعض اللقطات ويعلق تعليقات ساخرة دون اعتبار للقتلى والمصابين وغير ذلك من الخسائر الفادحة التي تستدعي كلمات المواساة والدعم العاجل.  

ومنهم من يرى فيها آثار الاختبار الإلهي للبشر وإظهارا لطبيعة الدنيا التي لا تخلو من منغصات.

بداية نحاول الوقوف مع هذه النظرات المختلفة وأولها أولئك الذين يرون في كل مصيبة عقاب إلهي على جرائم البشر التي عصوا بها الخالق جل جلاله، فانتهكوا المحرمات وبغوا واعتدوا على الضعفاء فاستحقوا من الله تعالى العقوبة الشديدة، وإذا عدنا إلى الآية التي يستدلون بها وغيرها مما جاء في كتاب الله تعالى، في هذا المعنى نجد قوله عز وجل{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30]  {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: 45]وغير ذلك من الآيات التي نجد فيها ما يلي:

  • أن المعاصي سبب من أسباب نزول البلاء.
  • وأنه جل جلاله حين ينزل البلاء فإن ذلك عقوبة على بعض أعمال العباد وليس على جميعها.
  • وأن عفو الله تعالى عن الخلق أكثر من معاقبتهم على ذنوبهم.
  • وأن في هذه العقوبات تنبيه للخلق لعلهم يتوقفوا عن ارتكاب الذنوب ويصححوا مسارهم، يقول الله تعالى:  ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا ‌تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]

أما أصحاب الموقف الثاني الذين لا يعبؤون بآلام الآخرين مهما كانت فادحة، ولا يساعدونهم مهما كانت الحاجة للمساعدة، فأولئك أناس فقدوا معاني الإنسانية وهم يحتاجون إلى أن يستعيدوها ربما بقليل من التفكر أو الصدمة التي تعيدهم إلى الوعي بما يصيب الآخرين.  

وأصحاب الرأي الثالث الذين يرون في كل ابتلاء فرصة لإظهار افتقارنا إلى الله تعالى فهذه المباني التي كانت عامرة خربت في لحظة من اللحظات.

هدمت وفيها من ينوي الخير ومن ينوي الشر وفيها من يفعل الخير ويفعل الشر  ويبعث الجميع على نياتهم.

وأصحاب النظرة الرابعة يرون هذه الأحداث إعلانا بانتهاء الحياة على ظهر هذه الدنيا، وأن الساعة قد اقتربت ونهاية العالم قد حانت، ولعل ذلك ناتج عن فهم يحتاج للمراجعة لبعض النصوص أو رغبة في  التخلص من الحياة التي اتسعت مساحة الألم فيها، وغياب للمعرفة بتاريخ الكوارث على ظهر هذه الأرض، فقد مر عليها من الأوبئة والزلازل والبراكين والحرائق ما أهلك الآلاف وربما الملايين دون أن تقوم القيامة او تظهر إحدى علاماتها الكبرى.

إن انشغالنا بنهاية العالم ومتى تكون أمر ينبغي أن نتخلص منها، فمن مات فقد قامت قيامته، وعلم الساعة عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو، وعلى ذلك فانشغالنا بالاستعداد للقاء الله بعمل الصالحات واجتناب المنكرات وأداء الحقوق وتعلم العلم وتزكية النفس والسعي لما فيه خير المسلمين أنفع لنا في الدنيا والآخرة.  

أولئك الذين يجعلون من أنفسهم حكما على الآخرين بالمعصية والفسق، وأحيانا بالخروج عن الملة دون أن يقفوا مع أنفسهم ليتساءلوا ما حظنا من تحقيق العبودية لله تعالى بعد مشاهدة الزلزال أو الفيضان أو البركان.

هل اعتبرنا بقدرة الله تعالى التي نشاهد آثارها كل يوم بل كل لحظة لكنها تحتاج إلى عين باصرة مستهدية بهدي الله تعالى.  

هل مددنا أيدينا بالمساعدة لهؤلاء المنكوبين الذي هم في أمس الحاجة للإغاثة مهما كانت قليلة؟

هل قدمنا أفكارا تساعدهم على تجاوز المحنة، وتطوع من أمكنه التطوع ليكون ظهيرا لإخوانه،  ورب فكرة وفرت الوقت والجهد وحافظت على الأنفس والممتلكات.

هل شعرنا بحاجتنا إلى العلم الذي سخره الله تعالى لنا ومكننا منه لننتفع به في التنبؤ بالأزمة قبل وقوعها وفي تعلم كيف نتعامل معها لنخرج بأقل الخسائر وأعظم الدروس حتى لا تتكرر؟

هل اعتبرنا بما نزل بالآخرين من بلاء ومحنة فسألنا الله تعالى لنا العافية ولهم السلامة أم تحدثنا بما يشبه التشفي أو التسلي  وكأن ما نزل  من كرب لم ينزل بإخواننا في الدين أو في الإنسانية؟

ولنتسائل هل كل بلاء ينزل دليل على غضب الله تعالى ومقته أم أنه اختبار لإيمان المؤمنين  وحسن تطبيقهم لقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، واختبار نكتشف به العدو من الصديق ونكتشف ما منحنا الله تعالى من مواهب لا تظهر إلا ساعة الشدائد.  

وإن نظرة متفحصة لواقع الابتلاء يجد أن مساحاته الأكبر تقع بين المسلمين، بل ربما كان العصاة منهم في عافية في نظر البعض وفي ابتلاءات لا يعرفون لها سببا في نظر آخرين.

ويمكن النظر إلى مثل هذه الكوارث على أنها:

1- عقوبة إلهية للمتجبرين.

2- وتأديب للمذنبين.

3- وتنبيه للغافلين.

4- واختبار للمؤمنين.

هذه الابتلاءات الضخمة تكشف عن مدى العجز الإنساني تجاه قدرة الله تعالى، وتكشف عن أن البشر وقوتهم وعلمهم ما زالوا بحاجة لربهم ورحمته، وأن شعور بعضهم بالطغيان نتيجة لما تحت يده من قوة إنما هو شعور زائف ينبغي أن يتخلص منه، فليس بأقوى ولا أعتى من هزة أرضية، أو أمواج بحرية، أو ريح مهلكة تقتلع الأخضر واليابس.  

جانب مهم في مثل هذه الابتلاءات ينبغي أن يأخذ حظه من النظر والفكر هو أن العباد بطبيعتهم ساعة الضراء يلجأون لربهم، لكشف البلوى وهذه الحالة يستوي فيها المؤمن والكافر والبر والفاجر، طالما بقيت فيه بقية من خير، أما من ختم الله على قلبه وسمعه، وجعل على بصره غشاوة، هذا الذي لا يرى آثار قدرة ربه وعظمته، ويفكر في ألف سبب ويذهب في ألف جهة، لكنه لا يولي وجهه لربه سائلا العفو والصفح، ومجتهدا في إصلاح ما يمكن إصلاحه هذا وأمثاله، سيكررون أخطائهم مرات ومرات ويسلكون نفس المسارات التي جلبت عليهم كل هذا العناء.