كثير من العرب والمسلمين من شخصيات دينية وغير دينية، لا يعرفون شيئا عن الشيخ حسن خالد مفتي لبنان السابق، لكن السواد الأعظم من اللبنانيين بصفة عامة والمسلمين خاصة لا تختلف شهاداتهم الدينية والفكرية والإنسانية في شخص الشيخ حسن خالد، الذي كان بحق رجل علم وعمل.

كان الشيخ حسن خالد رجل علم قلّ أن يشهد معاصرون اليوم وقارئوه غدا عالما يتصف بما اتصف به من علم وحلم وتواضع وتفان في رعاية أبناء أمّته وتلبية ما استطاع من مطالبهم ومشكلاتهم وحاجاتهم.وقد كان للشيخ علاقات وثيقة بالمنظّمات الإسلاميّة العالميّة، وعُيّن عضوا مؤسّسا في عدد منها، مثل رابطة العالم الإسلامي والمجلس الأعلى العالمي للمساجد اللتين لهما مقر دائم في مكة المكرمة.

وكان إلى ذلك رجل دولة طالما نادى من محراب دوره الديني المسؤول إلى وحدة الوطن متمسّكا بأصالة الضمير والوجدان منصرفا إلى محاولة الجمع بين أبناء الوطن الواحد على تذليل المصاعب خاصة في الأوقات الصعبة والحرجة.

من هو الشيخ حسن خالد؟

ولد الشيخ حسن خالد في بيروت عام 1921، وتلقى دروسه الابتدائية في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، تابع دراسته المتوسطة والثانوية في معهد أزهر لبنان في بيروت، ودرس المرحلة الجامعية في جامعة الأزهر الشريف في القاهرة بكلية أصول الدين ونال الشهادة العالية (الليسانس) عام 1946.

بدأ حياته العامة إثر تخرجه في الكلية الشرعية في بيروت أستاذاً لمادتي المنطق والتوحيد، ثم عين موظفاً في المحكمة الشرعية وواعظاً في المساجد. وفي سنة 1954 عين نائباً لقاضي بيروت، وفي عام 1957 قاضياً شرعياً لقضاء عكار ثم نقل منه سنة 1960 إلى محكمة محافظة جبل لبنان الشرعية.

كما تولى رئاسة مجلس القضاء الشرعي الأعلى في لبنان، وترأس رئيس اللقاء الإسلامي وهو لقاء أسبوعي يجتمع فيه رؤوساء الحكومات والوزراء والنواب المسلمين.

وتولى رئاسة المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في لبنان، وكان نائب رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، ونائب رئيس الهيئة الإسلامية الخيرية العالمية في الكويت، وعضو المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وعضو المجمع الفقهي في منظمة الدول الإسلامية في جدة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر.

وقد شارك شخصياً كممثل للبنان في العديد من المؤتمرات العربية والإسلامية أو أوفد ممثلين عنه في كل من عدد من الدول العربية والعالمية.

أخلاقه وصفاته

كان الشيخ حسن خالد شخصية قوية بعقلية أصفى جمالا وطبعا نادرا، تميز بحدّة ذكائه، وثبات خطوته، وسعة ثقافته، وعمران محبته، وحلو حديثه، وحرصه على تهدئة خاطر المهان، وبلسمة جراح المظلوم، ومناصرة المحروم والعمل على إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

أكثر ما عُرف عنه كرهه للتطرف ومحاربته دعوات التفتيت والتقسيم التي كانت تطلق بين الحين والحين، وهو الذي لعب دورا وطنيا مشهورا وبقي ملتزما به إلى أن فارق الحياة.

ومهما سعى المرء إلى ذكر دور المفتي الشيخ حسن خالد في أمور الدين والعلم والسياسة والثقافة والاجتماع الذي أثرى مكتباتنا وأغنى عقولنا وقوم أخلاقنا… ومهما سارع إلى إنجاز ملفات كثيرة عن مسيرة نضاله الكبير وعطائه الكثير لا يفي حق هذا النموذج الفريد من نماذج الرجال العلماء المشتغلين في أمور الدين والدولة معاً بضمائر وطنية حيّة، والمستقبلين جمهرة واسعة من الناس بصدور رحبة وتواضع جمّ، والملتزمين خط الإنسانية الحقة نحو تجسيد عالم بشري تسوده الرحمة ويكتنفه الإخاء وتحويه الطمأنينة ما أمكن.

دراسته للفلسفة الإسلامية واختياره للإفتاء

كان لنشأته الدينية أثر في مناحي تفكيره وفي تحرره من الارتباط بأي اتجاه حزبي أو شخصي، وهو محافظ على أخلاقه الخاصة إلى أضيق الحدود، متورع في عمله وتصرفاته إلى أدق الأمور، ولكنه في تفكيره منفتح متحرر، فقد تركت دراسته للفلسفة الإسلامية ولعلوم الكلام والمنطق أثرها في سعة مناهج التفكير لديه وسماحة البحث الحر والابتعاد عن التعصب، ولكنه ينتهي دوماً إلى التمسك بأخلاق الدين والتقيد بمناهجه. وكان جريئاً في الحق يعلن رأيه في وجه القادة والرؤساء دون مهاودة أو مساومة، ولقد ظل مواضباً على هذا الإتجاه منذ ممارسة عمله في الوظيفة ورسالته في التوجيه حتى أجمعت الطائفة الإسلامية بكل فئاتها في لبنان على تقديره وتوقيره ونزاهته.

وعندما استعفى الشيخ محمد علايا من منصب الإفتاء بسبب الشيخوخة عام 1966، بادر الشيخ حسن خالد إلى ترشيح نفسه لملء هذا المنصب كما فعل مثل ذلك الشيخ عبد الله العريس، إلا أن أهل الحل والعقد من المسلمين أقنعوا هذا الأخير بأن المصلحة تقضي بعدم المنافسة بين المرشحين لمنصب الإفتاء؛ لكي ينعقد الإجماع على انتخاب مفتي البلد إبقاءً على مظاهر التضامن والاتحاد بين المسلمين في الظروف التي يعيشونها بلبنان، فانسحب الشيخ عبد الله العريس وأصبح الشيخ حسن خالد المرشح الوحيد لمنصب الإفتاء، وتمّ انتخابه بالإجماع من قبل الهيئة الناخبة، في يوم الأربعاء في 21 ديسمبر 1966.

ويعد مفتي الجمهورية اللبنانية هو مرجع المسلمين في لبنان في كافة شئونهم الدينية، وممثلهم بهذا الوصف لدى السلطات الرسمية في لبنان وخارج لبنان. وهو مرجع جميع الموظفين الدينيين والإداريين في دوائر الأوقاف ودوائر الإفتاء بلبنان، وهو الرئيس الأعلى لعلماء الدين السنة ويصدر إليهم كافة التوجيهات. وهو بالإضافة إلى ما سبق يتمتع بسائر الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها أكبر رؤساء الأديان في الطوائف الأخرى.

مواقفه ونزعته الإصلاحية

حافظ الشيخ حسن خالد على علاقاته مع كل القوى الدينية والاجتماعية والسياسية، ولكنه كان صريحاً في كل الأوقات، وكانت خطبه دائماً ما تهاجم أصحاب الأمر الواقع.. كان يصرّ دائماً على رفض الحرب والقتال، لأنه كان يرى أنه لا السلاح ولا الحروب ولا تسليح الطوائف هو من يخلّص البلاد من العبثية، ولذلك ظلّ طوال الحروب والأوقات الصعبة التي مرت بها الأمة بعيدا عن تأييد أي قوة حملت سلاحها وقاتلت غيرها.

لكن حياد الشيخ لم سلبيا على الإطلاق، ومن مواقفه قيامه بعقد حوار بين القوى المتحاربة في منزل المفتي في عرمون، سمّيت يومها قمم عرمون. كما لعب دورا وطنيا كبيرا فكان رجل التوازنات الوطنية ومفتي الإصلاح ونقطة الارتكاز في أي لقاء وطني وفي أي اجتماع داخل وخارج لبنان يبحث في القضية من قمم عرمون في “العامين 1975 و1976″، إلى اجتماعات دار الفتوى “1983 و1984 وما بعدها”، وإلى اجتماعات الكويت “فبراير 1989″، في سبيل “أن يبقى لبنان سيدا وعزيزا وقويا، وأن يبقى للبنانيين تعاونهم وإخاؤهم”.

كان المفتي الشيخ حسن خالد أكثر الدعاة الذين الذين يطالبون بالإصلاح و العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية، حيث كان يصر على المساواة بين اللبنانيين في الحقوق كما في الواجبات ابتداءً من المواطنية العادية حتى أعلى درجات المسئولية.

ولم يكتفي الشيخ حسن خالد بدوره الداخلي فقط، فخلال توليه منصبه منذ إنتخابه حتى وفاته قام بزيارة العديد من البلدان في القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأميركا، بعض هذه البلدان زارها تلبية لدعوة رسميّة من حكومتها وبعضها الآخر كانت زيارته لها بتكليف من رابطة العالم الإسلامي في إطار النشاطات التي تقوم بها هذه المنظّمة من أجل التعرّف على أحوال المسلمين في العالم والعمل على إيقاظ وعيهم الديني وشدّهم بعضهم إلى بعض في عروة وثقى من التآزر والتعاون لمواجهة التحدّيات التي يتعرّضون لها من قِبل الدول الطامعة في أرضهم أو الضالعة في تدمير عقائدهم الدينيّة وكياناتهم الإجتماعيّة والقوميّة.

مؤلفاته والجوائز التي حصل عليها

كان الشيخ حسن خالد يتمتّع بثقافة دينية أهّلته لها دراساته الأزهريّة ومن خلال هذه الأهليّة قام بتأليف عدد من الكتب في الموضوعات المتصلة بثقافته المذكورة، منها كتابان أحدهما في المواريث والآخر في موضوع الأحوال الشخصيّة عند المسلمين، شاركه في تأليف هذين الكتابين المحامي عدنان نجا.

وللشيخ حسن خالد كتب أخرى تتضمّن الآراء والمواقف التي رآها صالحة لمعالجة المشكلات المطروحة على الساحة الإسلامية والوطنية سواءً في داخل لبنان أو في خارجه، وله كتاب يتضمّن البيانات والتصريحات الصادرة عن دار الفتوى خلال الحرب الأهليّة في لبنان. كما له كتاب باسم (الشهيد) صدر عن دار العلم للملايين.

وهذه قائمة بأهم كتب الشيخ المفتي حسن خالد:

  1. الإسلام والتكافل الاجتماعي والمادي في المجتمع.
  2. المواريث في الشريعة الإسلامية.
  3. أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية.
  4. أحاديث رمضان.
  5. مسار الدعوة الإسلامية في لبنان خلال القرن الرابع عشر الهجري.
  6. الزواج بغير المسلمين.
  7. رسالة التعريف بالإسلام.
  8. موقف الإسلام من الوثنية واليهودية والنصرانية.
  9. آراء ومواقف.
  10. مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها.
  11. المسلمون في لبنان والحرب الأهلية.
  12. التوراة والإنجيل والقرآن والعلم.
  13. الشهيد في الإسلام.
  14. الإسلام ورؤيته فيما بعد الحياة.

أما الأوسمه والجوائز التي حصل عليها فهي كثيرة نذكر منها:

  1. وسام الأرز الوطني – لبنان – 16 مايو 1989.
  2. الوشاح الأكبر للنهضة الأردني من الدرجة الأولى – أرفع وسام في المملكة الأردنية الهاشمية – 1967.
  3. الوسام الرفيع من رئيس الجمهورية – جمهورية تشاد.
  4. وسام الإتحاد السوفياتي – مؤتمر وقف التسلح النووي في 14 أغسطس 1974.
  5. وسام الإسلام (جيردانوف) – بولونيا.
  6. كما نال عدة أوسمة من الولايات المتحدة الأمريكية.
  7. كما نال الدكتوراه الفخرية في القاهرة وذلك بعد محاضرة ألقاها في الأزهر الشريف في قاعة الإمام محمد عبده، حيث أقام الرئيس جمال عبد الناصر مأدبة عشاء تكريمية له عام 1967.
  8. كما نال شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة جن جي بالصين الوطنية وذلك بعام 1976.

وفاته

تم اغتيال الشيخ حسن خالد يوم الثلاثاء في 11 شوال سنة 1409هـ الموافق 16 مايو سنة 1989م عندما انفجرت بقرب سيارته سيارة ملغومة بمواد ناسفة، أثناء مغادرته دار الفتوى. وقد تمّ دفنه بمقبرة الأوزاعي في اليوم التالي لوفاته.