“النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” كتاب يقع متنه هذا في 233 صفحة، توزعت على سبعة فصول إلى جانب المقدمة والخلاصة. مؤلف الكتاب هو أستاذ علم النفس مصطفى حجازي، وقد صدر عن دار النشر: المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الأولى، 2023.

تناولت مقدمة كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” دور الثورة الصناعية في تغيير بنية المجتمعات الغربية التقليدية وتحويلها لمجتمعات منتجة وعلمية، ومحكومة بقيم جديدة، خلافا لما هو سائد في مجتمعاتنا، ومرت هذه الثورة الصناعية بمرحلتين توزعت كل منها على خطوات:

  • الأولى: مرت بخطوات ثلاث (الآلة البخارية-الكهرباء-الحاسوب).
  • والثانية: وهي الثورة الرقمية التي عمقت نظرة الإنسان للوجود ودوره فيه وخلق مشكلات وحلول جديدة له.

مقاربة منهجية لدراسة واقعنا

الفصل الأول من كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” جاء (في المقاربة المنهجية لدراسة واقعنا)، يشير إلى التسارع في التغيير الذي يرافق الثورة الرقمية، وطرح مفهوم الانسان العربي الهجين (المستهلك للانتاج الصناعي والرقمي ولكنه متمسك ببنياته الاجتماعية التقليدية).

النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟
النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟

ثم ينتقد تطبيق علم النفس الغربي على مجتمعاتنا نظرا للتباين بين المجتمعين  داعيا لايجاد نظريات ومناهج عربية وتوظيف “علم النفس البلدي(indigenous psychology)  لفهم اللاوعي الجمعي العربي الذي يقوم جوهره على العصبيات (التأثيم) والفقه السلفي (التحريم) والاستبداد (التجريم).

سيكو- سوسيولوجية العصبية

الفصل الثاني سيكو-سوسيولوجية العصبية: الحالة اللبنانية نموذجا. حيث يركز على الانقسام الطائفي والمذهبي في لبنان والعلاقة بين هذه الظاهرة وبين استغلالها من القوى الخارجية، ويسهب في عرض تفاصيل ما جرى من تقسيم لاغلب قطاعات الدولة والمجتمع على أسس “العصبية” وكيف يتم تقسيم “المرعى- أي المصالح والمناصب والمغانم..الخ” بين الطوائف، أو كيف تضيع المسؤولية عن الأحداث الخطيرة (انفجار ميناء بيروت عام 2020) مثلا والذي يستعرض الباحث ردود الفعل عليه من خلال ستة مقالات  يغلب عليها الطابع الصحفي).

شباب الظل

الفصل الثالث من كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” جاء بعنوان “- “شباب الظل- وقود عنف العصبيات وصرعاتها- ويعني بشباب الظل الفئة الشابة ممن يبقى على هامش العملية الانتاجية وفاقدا للأهلية الاجتماعية والمكانة، ويشرح كيفية استغلالهم من زعماء العصبيات من خلال تذويبهم في العصبيات التي تغذي الخواء الذاتي لديهم من خلال تفريغ العنف  والاحباط والشعور بالقوة والانتصار والانتماء لما يُقدم لهم بأنه المقدس والرجولة…الخ، لكن الباحث لا ينفي وجود شرائح تجاوزت أوزار هذه العصبيات.

من العصبيات إلى الحداثة الصناعية

الفصل الرابع-النقلة الحضارية الكبرى من العصبيات الى الحداثة الصناعية-  تمثلت النقلة الحضارية الأولى في دور الثورة الصناعية في الحداثة وما بعدها والانتقال الآن الى النقلة الحضارية الثانية من خلال التقنيات الرقمية بينما العالم العربي لم ينجز أي من النقلتين وبقي أسير عصبياته الثلاث (العصبية والسلفية والاستبداد)- يتناول دور العلماء المؤسسين (كوبرنيكوس وغاليليو ونيوتن) والجامعات التي حولت الاهتمام إلى العلوم الرياضية والهندسة والفلك والموسيقى ثم تنهض ثورة فكرية أخرى (ديكارت-بيكون-هوبز) وهو ما غير مناهج التفكير.

ثم جاءت نقلة ثالثة (مارتن لوثر ودانتي) ثم جاءت الثورة السياسية على الاستبداد  المتمثل في مرجعية الحكم الالهي، ثم يعود للحديث عن أزمة الفكر العربي وارتهانها للفكر الغربي والفقه السلفي ومحاصرة رواد التجديد.

ويتناول مؤلف كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” أهمية الزمن في إعداد الانسان المنتج وأهمية الانجاز والشرف المهني وتكريس الشخصية الفردية على حساب الذوبان في النحن العصبية.

كما ينتقل للحداثة وكيف تطورت غربيا بينما تم خنق بواكيرها في العالم العربي مما أنتج ما يسميه الهجانة (حداثة برانية وعصبية عميقة)، ثم يتناول حوار النظريات في الغرب بين المنظر ونقاده مما كرس فكرة الابتعاد عن فكرة الحقيقة المطلقة  وهو ما أسس لتطور المناهج وهجران المنهج الاستقرائي. وينتقل كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” لتناول الحداثة  والمواطنة والديمقراطية وترابطهما في الغرب.

الطفرة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي

الفصل الخامس لكتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” كان عن الطفرة الرقمية، بعد عرض التسارع التكنولوجي، يعود لشرح تداعيات الثورة الرقمية (الهندسة الوراثية-الاتصالات-الخيال العلمي-الذكاء الاصطناعي-البنوك-الطب-الروبوت-المدن الذكية-والزراعة والبيئة- المناهج العلمية وغيرها).

وفي الفصل السادس يتناول كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” موضوع (الطفرة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي) ويحدد ثورات التواصل بأربع هي: اللغة- الكتابة- الطباعة-الانترنت، التي أفرزت وسائل التواصل الاجتماعي التي يعرض لايجابياتها بخاصة في المجالات التجارية والتواصل الانساني والمعرفة  والتعليم واللقاءات العلمية عن بعد وغيرها ثم يعرض لسلبياتها (تأثيرات نفسية وعصبية من الإدمان وبعض أنماط الألعاب التي تقدم للأطفال، فوضى الأخبار، الجرائم السيبرانية، التأثير على العلاقات الاجتماعية سلبيا إلى حد ظهور علم الاجتماع الرقمي وعلم النفس الرقمي).

الهيمنة الخفية والعلاقة بين العولمة والرقمنة

ثم ينتقل مؤلف كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” لتناول ما أسماه الهيمنة الخفية من خلال وسائل التواصل وتحقيق أرباح خيالية- وموضوعات التجسس والبصمة الرقمية- ثم انتاج البرمجيات الخفية لاستقطاب الجمهور، وما ينتج عن ذلك من كوارث اجتماعية ونفسية مثل: رهاب البقاء دون محمول، القلق في انتظار اللايكات، وتعزيز النرجسية باظهار الفرد لمحاسنه فقط وكل ذلك يعزز الانسلاخ عن المجتمع والهوية وأحد مظاهرها ضعف اللغة لدى جمهور وسائل التواصل.

الفصل السابع،  من كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” عن مجتمع الطفرة الرقمية وإنسانها- ويتناول العلاقة بين العولمة والرقمنة- ويبدأ بهدم ما بعد الحداثة للبنيوية وهوما ترتب عليه تجاوز كل محددات السلوك الانساني التي بنت عليها البنيوية مقولاتها، وهذه ليست مفصولة عن الثورة التقنية التي قادت إلى العولمة (غياب الحدود الفاصلة بين القطاعات) والثورة الرقمية أحد تجلياتها وهو ما أسس لزعزعة الهويات الوطنية وصولا لحاكمية دولية لا وطنية، ناهيك عن زعزعة وتغيير شبكة العلاقات داخل الأسرة وفي البيروقراطيات وعدم استقرار المهن ثم ضعف السلطات السياسية.

النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟
النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟

وهذا ما أفرز الليبرالية المفرطة (ثاتشر وريغان) وغياب تدريجي لدولة الرفاه وتغير كاسح في الإعلام وأصبح  قدر كبير من معطيات الواقع مرقمنة أو إنسانية رقمية وصولا إلى الإنسان المزاد (Cyborg) والانسان المبرمج وراثيا (تحسين الجنس البشري عبر الهندسة الوراثية) ناهيك عن التغيرات في العلاقات الجنسية.

الخلاصة : أننا فشلنا كمجتمع عربي في النقلة الحضارية الأولى إلا من  بعض الشرائح الضيقة وعلينا أن نستعد للثورة الرقمية إذا أردنا أن لا تستلب هويتنا الآن ومستقبلا بتجهيز البنية التحتية لهذه النقلة في قطاعين أساسيين هما التعليم  والاقتصاد بشكل رئيسي.

مناقشة كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟”

يحاول هذا الكتاب الإجابة على سؤال محدد هو: لماذا تمكن الغرب من الانتقال الحضاري في تاريخهم بينما فشل العرب في ذلك؟ ويعزو الكاتب النجاح الغربي إلى التداعيات التي ترتبت على الثورة الصناعية في مختلف مناحي الحياة، بينما تعطل الانتقال عربيا لعوائق ثلاثة هي العصبية والفقه السلفي والاستبداد.

ولكي يبرهن على ذلك اعتبر الحرب الأهلية وبنية المجتمع اللبناني مثالا على العصبية، وركز على غياب العقل والمنهج التجريبي والنسبي للتدليل على سيطرة الفقه السلفي بينما عرض الاستبداد في أبعاده السياسية والاجتماعية، مع إشارة إلى دور القوى الخارجية في كل ذلك دون اعتبارها هي السبب الأهم بل اعتبر البنية الداخلية العربية ممثلة في الأبعاد الثلاثة هي المسئولة بالدرجة الأولى.

وفي محاولة لتتبع النقلات الحضارية ركز على النقلة المعاصرة المتمثلة في الثورة الرقمية وتداعيات هذه الثورة على كل مجالات الحياة  سلبا وايجابا، داعيا العرب إلى الاستعداد وتحضير بنية تحتية للتفاعل مع هذه الثورة المستمرة والمتسارعة .

لعل سؤال لماذا تخلف العرب وتقدم غيرهم تكرر في مئات الدراسات، وكانت أغلب الأجوبة هي ما تضمنه هذا الكتاب (“النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟”) من حيث جوهر الإجابة لا تفاصيلها، كما أن الاتجاه العام للكتاب إذا استثنينا الفصول الثلاثة الأخيرة (وهي حوالي نصف الكتاب) فإن النصف الأول من كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” هو أقرب لاجترار للشكوى المتداولة يوميا في الصحافة العربية عن الظلم والقهر والتعصب القبلي والثقافة الغيبية، أما الفصول الثلاثة الأخيرة فهي تلخيص لكتابين لكاتب واحد وهو Schwab Klaus يستعرض فيهما اقتحام الثورة الرقمية كافة مناحي الحياة، وهو ما سأوضحه لاحقا.

تفسير تخلف العرب

ذلك يعني أن كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” لم يقدم إجابة جديدة لتفسير تخلف العرب، ولا قدم تفسيرا جديدا لتقدم غيرهم بمن فيهم بعض الآسيويين كما يشير الكاتب، كما أن الكاتب في تناوله في الفصل الثاني للعصبية من خلال تحليله “للاوعي الثقافي الجمعي” لم يميز  في”بعض” جوانب تحليله بين السلوك الخاطئ المتعمد بسبب (الجهل) وبين السلوك اللاواعي رغم أنه أستاذ في علم النفس.

فاللاوعي في تعريف علماء النفس وقاموس كامبيردج هو “الأفكار والمشاعر التي تدفع لسلوك معين دون إدراك من الشخص أو الجماعة أن تلك الأفكار والمشاعر هي التي تحركه”، والكثير من أنماط السلوك التي يعرضها الباحث هي سلوكيات متعمدة ومقصودة وبوعي من فاعلها بغض النظر عن أخلاقية أو عدم أخلاقية مضمونها.

ويتم هذا التداخل في هذه الدراسة عن “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” لأن الباحث تماهى لديه الفرق بين الجهل (المعرفي) واللاوعي (النفسي)(فمثلا هناك فرق بين من يصوت لمرشح القبيلة لأنه يعتقد أن نجاح مرشحه سينعكس عليه بفوائد الواسطة ومساعدته في شؤون حياته وأولاده…الخ، أي بدافع براغماتي، دون أن يكون معنيا بثقافة الفساد وخراب مجتمعه، وبين من يصوت لمرشح القبيلة لأن لديه شعور ضاغط بالدونية، ويريد التخلص منه بالالتصاق بشخصية مشهورة لكنه لا يعلم أنه انتخبه للتخلص من ذلك الشعور)(انظر في هذا المجال ما يذكره الباحث في الفقرة الثانية التي تبدأ “بالنحن..صفحة 46 ” ثم يعود ليؤكد ذلك في السطرين الاول والثاني صفحة 49. وبخاصة موضوع العصبية.

من جانب آخر موضوع العصبية، فإذا كانت هذه العصبية هي أحد ركائز الفشل في الانتقال الحضاري، فكيف نفسر أن في أوروبا “الحداثية والرقمية” حاليا  أكثر من 13 حركة انفصالية فاعلة على أسس عرقية أو دينية أو مذهبية رغم أنها مجتمعات حداثية؟

النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟
النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟

إن ضغوطات العولمة على الثقافات الفرعية طبقا لأغلب منظري العولمة هي التي تدفع هذه الحركات الانفصالية للحراك السياسي والاجتماعي؟ وإلا كيف نفسر تفكك الاتحاد السوفييتي وهو دولة صناعية علمانية أو يوغسلافيا، أو لماذا يتزايد القلق من احتمالات انفصال ايرلندا واسكتلندا عن بريطانيا وحركات الباسك في اسبانيا وكويبك في كندا أو تنامي النزعة الانفصالية في ولاية كاليفورنيا أو الجنوب الايطالي …الخ،  وهو ما يتسق مع ما تؤكده كافة دراسات العلاقات الدولية المعاصرة من أن الحروب الداخلية على أسس عرقية تعرف تزايدا تؤكده كل دراسات العلاقات الدولية في كل العالم؟

لا أظن أن المكتبة العربية ستثرى من هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟”، رغم أن كاتبه غزير الانتاج نظريا وعمليا، لأن كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” أقرب للخواطر بل أحيانا يأخذ طابع الخطابات الجماهيرية (سنشير لنماذج ذلك لاحقا)، أو تجميع لما ورد في كتابين لكاتب أجنبي سأشير لهما لاحقا.

أما الجزء الخاص بالعصبيات، فهو إعادة صياغة لكتاب للباحث نفسه هو كتاب العصبيات وآفاتها الصادر عام 2019، والذي أحال له الكاتب في كتابنا الذي نناقشه في الصفحات 11 و 24 و 25و 31  و 67و   80 و 82 و207، وغالبا ما تتم الإشارة بعبارة “وقد ناقشنا هذا” الموضوع ” في كتابنا العصبيات وآفاتها….الخ.

منهجية الكتاب

سعى الكاتب في هذه الدراسة عن “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” إلى توظيف المنهج الذي أسماه “منهج المقاربة الكاملي-Holistic- ، ومع أن جوهر هذا المنهج منذ طرحه من صاحبه(Jan Smuts)  هو أن المجموع أكبر من أجزائه إلا أنني لم أتلمس تطبيقها في الكتاب، ومثال الماء كما شرحه سمتس في كتابه يوضح ما قصدته، فالماء هيدروجين (ذرتان) وأوكسجين(ذرة واحدة)، والمفروض أن تكون خواص الماء هي “مجموع خواص مكوناته، لكن في الماء خواص ليست في الهيدروجين ولا في الأوكسجين، فمن أين أتت هذه الخواص؟

في كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” نجد الباحث ملتصقا بخواص النقلات الحضارية وجمع هذه الخواص دون أن يحدد لنا الخواص التي ليست في المكونات الأولى (مجموع منتجات الثورة الصناعية)، ولو عدنا لدراسات “لوسيان باي” عن المجتمع الصيني سنجد ملامح متقاربة مع توصيفات كاتبنا لمجتمعنا، فالصين تاريخيا ممالك متناحرة، وفيها استبداد، وفيها خليط من الديانات الفلوكلورية والبوذية والطاوية والمسيحية والإسلامية ناهيك عن الكونفوشية.

ومع ذلك هي والهند حاليا الأعلى في معدل النمو الاقتصادي، ناهيك عن أن الصين تحتل المرتبة الأولى عالميا في براءات الاختراع وإجمالي الناتج المحلي إذا قيس على أساس المعادل الشرائي وهي الأول في الفائض التجاري..فكيف تم التوفيق بين القيم التقليدية وبين هذه النقلة، بل أن عدد مراكز الكونفوشية في الصين وخارجها تتزايد وبشكل كبير؟ أما التدخل الخارجي فهونغ كونغ وماكاو وتايوان وحروب الأفيون ..الخ مؤشرات على تدخل خارجي واسع النطاق.

من جانب آخر فان الباحث “استهان ولم يرفض” في كتابه “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” دور العامل الخارجي في أكثر من موضع، ولكن لو عاد الباحث لدراسة كارل براون عن النظم الاقليمية المخترقة لتبين له وبالقياس الكمي أن المنطقة العربية هي الأكثر اختراقا خارجيا بين أقاليم العالم الجيوسياسية السبعة. وما سبق لا يعني أن ما أورده الباحث غير مقبول ولكنه قاصر ولا يضيف جديدا لأدبيات الموضوع المتداولة منذ أكثر من قرن.

استنتاجات بلا مؤشرات

في كتابه “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” كثيرا ما بنى الباحث استنتاجات دونما مؤشرات تسندها، فمثلا يشير إلى ما أسماه “شباب الظل” (صفحة 63 –الفصل الثالث) ويعتبر أن جنود العصبيات والمقاتلين من أجلها هم من غير المؤهلين علميا ولا اجتماعيا ولا اقتصاديا، فهل استند إطلاق هذا الحكم إلى مؤشرات كمية تحدد مستوى المؤهل العلمي لهؤلاء أو ينتمون لأي طبقات استنادا لمعدل الدخل أو هل هم من الريف أم من المدينة؟

النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟
النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟ وماذا بعد الذكاء الاصطناعي

هذا يعني أن الحكم مبني على انطباعات متداولة، بينما هناك بحوث كمية لا تتفق نهائيا مع توصيف باحثنا لبنية “المليشيات اللبنانية”. من جانب آخر، فإن أغلب الدراسات في المشرق العربي ذات نزعة مركزية مشرقية، فالعالم العربي في هذه الدراسات هو آسيا العربية ومصر، فلو أطل باحثنا على الحرب الأهلية في السودان أو ليبيا أو الجزائر أو الانقلابات في موريتانيا أو الصراع في تونس هل سيصل إلى نفس النتائج ؟ ثم كيف أصبحت السنغال ضمن فئة الدول الديمقراطية الهجينة طبقا لكل مؤشرات الديمقراطية رغم أن 97% من سكانها مسلمون والغالبية منهم يتبعون حركات صوفية (المريدية والتيجانية )؟

ملاحظات إضافية

إضافة لما سبق هناك بعض الملاحظات الإضافية عن دراسة “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” :

1التكرار:

أ‌-  صفحة 102 عنوان فرعي الحداثة والمواطنة والديمقراطية وفي صفحة 109 المواطنة والهوية والانتماء وبنفس المضامين.

ب‌- قارن  بداية من السطر 3 صفحة 12 حتى منتصف  صفحة 13  مع ما ورد في  صفحة 117 من بداية الفقرة” يقول شواب 2018… إلى منتصف صفحة 118″  تكرار لنفس المعلومات.

ت‌-  الإحالة  للمراجع مرهق جدا للقارئ، فمرة يشير في المتن لنفس المرجع بالعربي ومرة بالانجليزي انظر صفحة 115 شواب و صفحة 196 بالانجليزي لنفس المرجع، ومرة يذكر الصفحة ومرة لا يذكرها، ويتكرر ذلك كثيرا.

2- لقد انتابني شعور بأن كتاب “النقلات الحضارية الكبرى: أين نحن منها؟” دراسة كتبت في فترات متباعدة (التعدد في ترجمات نفس المصطلح، والتكرار المتعدد لنفس المعلومة في فصول مختلفة كما أشرت وسأشير لاحقا)، ثم إن سمة التعميم انطلاقا من مجتمعات محددة أو وقائع (مثال الحرب الأهلية في لبنان أو تفسيرات خلفيات انفجار ميناء بيروت عام 2020) تجعل البحث يسير بطريقة غير مترابطة ،كما أن الربط بين النقلات الحضارية في الغرب وعند العرب كان محكما أحيانا ومهلهلا أحيانا أخرى.