اقرأ أيضا:
صاحب كتاب “تاريخ التأريخ: اتّجاهات، مدارس، مناهج” الدكتور وجيه كوثراني ولد في بلدة أنصار إحدى قرى جبل عامل في جنوب لبنان وذلك في العام 1941م. حائز على دكتوراة في التاريخ من جامعة السوربون في باريس في العام 1974م، حائز على دكتوراة دولة في الآداب من جامعة القديس يوسف – بيروت في العام 1985م. وهو أستاذ سابق في الجامعة اللبنانية قسم التاريخ بين سنتي 1975 و2005، ورئيس تحرير مجلة “منبر الحوار”. وهو مدير بحث ومدير فرع بيروت للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حاليًا. وقد عمل سابقًا مديرًا للدراسات في مركز دراسات الوحدة العربية
تتركز أبحاثه في مجال التاريخ الاجتماعي والإسلامي وتاريخ الأفكار، وتشمل أبحاثه دراسات التّاريخ الاجتماعيّ وعلم اجتماع السياسة ومنهجية البحث التاريخيّ.
ومن مؤلفاته:
صدرت الطبعة الأولى من كتاب “تاريخ التأريخ اتجاهات – مدارس – مناهج” في بيروت سنة 2012 عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وصدرت للكتاب طبعة ثانية سنة 2013، وهو كتاب من الحجم الكبير يشتمل على 448 صفحة. احتوى مدخلًا منهجيًّا وثلاثة أقسام وخاتمة، فضلًا عن قائمة المراجع والفهرس. أمّا المدخل فقد تضمّن بحوثًا في أصل مفردة التّاريخ، وفي تطوّر معناها الاصطلاحيّ في الثّقافتين اللاتينيّة والعربيّة، ومقارنة وافية بين مصطلح “أسطوريا” اليونانيّ ومفردة “أسطورة” العربيّة.
ويشتمل هذا الكتاب على مدخل وثلاثة أقسام، تنهض على خمسة عشر فصلاً وخاتمة وقائمة للمصادر والمراجع.
القسم الأول: التأريخ العربي من الإسناد إلى طبائع العمران إلى البحث الأكاديمي المعاصر.
القسم الثاني: تطور الفكر التاريخي في الغرب الحديث ومدارسه المعاصرة، مع التركيز على الأنموذج الفرنسي.
القسم الثالث: قراءة ومراجعات في الممارسة التأريخية العربية المعاصرة.
يناقش المؤلّف، من بين الموضوعات المختلفة، الأفكار التي عرضها المؤرّخ اللبنانيّ أسد رستم في شأن قواعد الجرح والتّعديل، وكذلك تحفّظ ابن رشد عن طريقة الجرح والتّعديل، ويعقد مقارنة بين الاثنين، ليخلص إلى نتائجَ واضحة عن عمليّة التّاريخ، ومدى استقلاليّته، وعلاقته بالعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة.
يعدّ كتاب “تاريخ التأريخ: اتّجاهات، مدارس، مناهج” تطويرًا وتوسعة لكتاب صدر عام 2001 بعنوان “التاريخ ومدارسه في الغرب وعند العرب- مدخل إلى علم التاريخ”، وكانت غايته تعليمية، إذ إنه وضع ليكون مقررًا دراسيًا لطلبة كلية الآداب بالجامعة اللبنانية، الذين يدرسون مادة موسومة بـ” مدخل إلى علم التاريخ”. وقد تمثل الهدف الجوهري لصاحب الكتاب في تعريف القارئ بالمنهج التاريخي ومدارسه الحديثة، مما يعني أنه يبتغي نشر المعرفة الحديثة المستجدة في الكتابة التاريخية وفي طرائقها واتجاهاتها المنهجية الجديدة.
وقد تطرق الكاتب في مقدمة كتابه إلى موضوع المعرفة التاريخية في ضوء مناهج التفكير العلمي وأساليبه العقلية والإجرائية، كما خاض في إشكالية تسمية علم سمي في اللغة العربية “تاريخًا” في حين سمي في اللغة اللاتينية وفروعها Historia وHistoire وفي اللغة اليونانية القديمة Istor، ويرى كوثراني أن هذه المفردة لها مثيلها الصوتي في “أسطور” وفي مشتقاتها: أسطورة وإسطار وفعل سطّر، تسطيرًا ؛ أي كتب…إلخ، وكلها في نظره مفردات وردت في لسان العرب بمعنى الكتابة، لذلك يتساءل هل من علاقة فيلولوجية وألسنية، وبناءً عليه، إبستمولوجية بين الأصلين؟ ولماذا سمي هذا العلم تاريخًا عند العرب في حين سمي “أسطوريا” في اللغات اللاتينية؟ وبالتالي ما العلاقة بين الأسطورة والتاريخ؟
يرى كوثراني أن التمييز بين ما هو أسطوري أو تصوري في المعرفة التاريخية المتناقلة، وبين ما هو واقعي أو حقيقي أو موضوعي هو حالة إدراك ووعي عقلاني لم يتوصل إليها الفكر البشري إلا بعد تطور طويل في طرائق التفكير، وبعد تراكم معرفي كبير أدّى بالعقل البشري إلى قفزات علمية. ولهذا يرى الباحث أن دارسي المعرفة التاريخية يميزون اليوم بين التدوين التاريخي الذي سمي في الحضارة الغربية “هيستوريوغرافيا” (Historiographie) أو كتابة التاريخ، وسمي في الحضارة العربية الإسلامية تدوين الأخبار، وبين المنهج التاريخي الذي يبرر إدراج التاريخ بوصفه مجالاً وطريقة في نطاق العلم. ويفنّد الكاتب في مقدمة كتابه فكرة اعتبار المنهج التاريخي ثمرة القرن التاسع عشر معتبرًا هذا المنهج صنع مشترك لأزمنة وحضارات كثيرة.
سعى كوثراني في القسم الأول من كتاب “تاريخ التأريخ: اتّجاهات، مدارس، مناهج” إلى تتبع تاريخي لفكرة التاريخ والكتابة التاريخية عند العرب، فتوقف عند عوامل ازدهار الكتابة التاريخية العربية، ومنها النظرة التاريخية الجديدة بعد الإسلام. والمقصود بالنظرة التاريخية عنده إدراك امتداد الزمن التاريخي وتتابع أحواله جيلاً بعد جيل، في تعاقب زمني تبدو الأحداث والوقائع متعاقبة متسلسلة فيه، فمثل هذا الإدراك غير موجود في فترة ما قبل الإسلام عند العرب، من ذلك أن روايات الأنساب والأيام الشفهية هي في نظره تراث متقطع ومنفصل وخاص بتاريخ كل قبيلة.
وتطرق الكتاب بعد ذلك إلى أنواع الكتابة التاريخية وفقًا للزمان والمكان، مركزًا في المقام الأول على العناصر الرئيسية؛ أي الخبر والسنة، إذ يعرض الكاتب في المقام الأول لصورة الخبر في الرواية التاريخية من وجهة نظر المستشرق فرانز روزنتال، وتتميز بثلاث صفات:
وينتقل الباحث بعد ذلك إلى الحديث عن أبرز صور تأسيس علم التاريخ عند العرب والمسلمين على غرار التاريخ الحولي أو التأريخ للسنين والتاريخ العالمي والمحلي، وانتقى نماذج معينة تمثل هذه الصور “كتاريخ الطبري” و”مروج الذهب” للمسعودي و”تجارب الأمم” لمسكويه.
وتطرق كوثراني، في الفصل الثالث الموسوم بـ”العناوين الرئيسة في تدوين الفترات التاريخية وتقسيم الموضوعات”، إلى الموضوعات التي اهتم بها التأريخ العربي من قبيل:
وتوقف الكاتب في الفصل الرابع كتاب “تاريخ التأريخ” والموسوم بـ “من الإسناد إلى استخدام الوثائق” عند بعض قواعد الجرح والتعديل في الإسناد أولاً، وهي طريقة اتُفق على أنها من أهم الإنجازات المنهجية التي شهدتها طرائق المعرفة التاريخية، والتي استفاد منها علم التاريخ استفادة جمة في السياق العربي الإسلامي. ثم درس مصطلح التاريخ وما يقابله في علم الحديث، من منظور أسد رستم، ثم خصص مبحثًا للنظر في إشكالية استخدام الوثائق والنقوش والنقود مصدرًا تاريخيًا.
أما الفصل الخامس الموسوم بـ “جديد ابن خلدون وهل من مدرسة تاريخية خلدونية؟”، فقد توقف فيه الباحث عند ظاهرة لافتة في علم التاريخ الإسلامي هي الظاهرة الخلدونية، وقد حاول من خلالها أن يتساءل عن سبب انتقاد ابن خلدون قواعد الجرح والتعديل واعتبارها غير كافية لتمحيص الخبر التاريخي، مع أن المؤرخ الحديث أسد رستم رأى أنها طريقة مطابقة لقواعد المنهجية التاريخية الحديثة، وعَدَّ أهل الحديث سبّاقين إلى هذا العلم المنهجي(ص12).
ويثني الكاتب، في الفصل السادس المعنون بـ “قواعد التعديل والتجريح بين ابن خلدون وأسد رستم”، على موقف ابن خلدون المتميز من القاعدة المتبعة في مجال الإسناد للتحقق من صحة الخبر، وهي قاعدة التعديل والتجريح المتبعة في علم الحديث. وقد لفت نظر كوثراني إعجاب الباحث أسد رستم بهذه القاعدة، فهو يعتبرها مطابقة لقواعد المنهجية التاريخية الحديثة التي جاءت بها المدرسة التاريخية الحديثة في القرن التاسع عشر.
وقد تساءل رستم عن سر إعجاب مؤرخ وضعاني معاصر بالتعديل والتجريح خاصة أنه ينتمي إلى ثقافة المدرسة الوثائقية الألمانية الفرنسية التي سادت في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين؟ ويقدم الكوثراني جملة من الفرضيات إجابة عن هذا السؤال، وهي:
ويستنتج كوثراني من هذه الفرضيات:
وقد ورد الفصل السابع من القسم الأول من كتاب الباحث اللبناني وجيه كوثراني تحت عنوان “اتجاهات في المنهج التاريخي العربي المعاصر”، ويضمّ أربعة مباحث:
تطرق الكاتب في بداية هذا الفصل إلى محافظة بعض الكتابات التاريخية العربية ذات الطابع الأكاديمي على سمات موروثة من منهج التاريخ الإسلامي الإخباري الذي يقوم على سرد الأحداث وعرض سياسات الدولة ومؤسساتها وأعلامها فضلاً عن حروبها، إلا أن هذا التاريخ حمل أيضًا علامات التأثر بمناهج “التاريخانية الغربية”.
ويخلص كوثراني في خاتمة هذا الفصل إلى أن الدراسات التاريخية العربية المعاصرة لا تزال تتسم، في قسمها الأكبر، بالبعد عن هموم الفلسفة وعلوم الاجتماع وأسئلة هذه الأخيرة، يحوّل قضايا الدولة والمجتمع والسلوك وطبائع العلاقات والنفسيات والذهنيات. كما لا تزال تعطي لمنهجها في التعامل مع الوثائق والمصادر دورًا كليًا وأحاديًا في التوصل إلى تقرير الوقائع والحقائق، في حين تشهد العلوم الاجتماعية والألسنية والإبستمولوجيا إنجازات من شأنها أن تفتح آفاقًا جديدة في علم التاريخ.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين