اقرأ أيضا:
1- الإضمار والإفصاح، يحيلنا ذلك إلى الحديث عن المضمر والمعلن داخل النص، في مسألة تجديد أصول الفقه عند حسن حنفي، إذ ربما أضمر الدكتور حنفي فكرة أو سؤال ما أثناء التدوين ولا يفصح عنه، ثم يشرع في الإجابة عنه، وهناك نماذج لذلك منها توقعه أن يوجه النقد إلى عمله لأنه غير صادر عن مختص، وهو لا يشأ الإفصاح عن ذلك، ولكنه يشير إلى أن قسم الفلسفة بجامعة القاهرة- الذي ينتسب إليه- كان قد شرع في تدريس علم الأصول باعتباره وثيق الصلة بعلم الكلام، ولا يكتف بهذا ثم يشير في موضع آخر إلى أن أستاذه مصطفى عبد الرازق وجه تلاميذه لدراسة علم الأصول، ومن خلال ذلك يدحض ضمنا الانتقاد المحتمل إلى مشروعه.
3– الدوران حول الفكرة، عادة ما يطرح الدكتور حسن فكرة ما في موضع من كتابه ويتناولها لكنه لا يستوفي طرحها ويدعها، ويعود إليها مجددا في موضع آخر ويتناولها من زاوية أخرى، وحديثه عن المناهج التي اتبعها يعد مثالا على ذلك، فهو يتحدث عن كل مزايا وعيوب كل من: منهج تحليل المضمون، المنهج البنيوي، المنهج التاريخي، المنهج الظاهرياتي، أثناء حديثه عن الجوانب السلبية في مشروعه “من النقد إلى الإبداع”، لكنه يعود إلى الحديث عن المنهجين التاريخي والبنيوي اللذان وظفهما في كتابه “من النص إلى الواقع” مبررا دواعي تطبيقهما على علم أصول الفقه.
4- التناقض، يفضي تمدد النص وتشعبه بالدكتور حسن حنفي إلى الوقوع في فخ التناقض، إذ ربما يغاير ما ذكره في موضع آخر، بل إنه ربما ناقض نفسه في ذات الموضع كما فعل حين تناول مسألة الاختلافات المذهبية وحضورها في كتب الأصول فيقول “النص الأصولي واحد والعلم واحد..والخلافات المذهبية في الفروع وليست في الأصول” ثم يردف في الفقرة التي تليها مباشرة قائلا ” وإذا كان علم الأصول قد امتلأ بالخلافيات المذهبية في الكلام والفقه لأنه كان موازيا لنشأتها تقريبا”.
يوضح الدكتور حسن حنفي أنه يحاول بناء علم الأصول مدفوعا بغاية مزدوجة، فهو يضعه للفقيه لكي يحسن الاستدلال ويٌغلب المصلحة، على حرفية النص، ويضعه ليدحض شبهة الاستشراق أن التشريعات الإسلامية قاسية لا تعرف الرحمة فليس بها سوى الرجم والصلب والتكليف بما لا يطاق.
يقود الحديث عن الغاية بالضرورة إلى المنهج، إذ يفترض تحقيقا للغاية أن يطرح المناهج الإسلامية الكلاسيكية والمناهج الحداثية على سواء، وأن يقترح منهجا جديدا ولقد ألمح إليه الدكتور حسن حنفي بالفعل، لكن هذا المنهج لم يكن سوى اقتباس المنهج التاريخي والمنهج البنيوي الظاهري معللا ذلك بأن القول بأنها مناهج مستوردة هو “حكم ناشئ عن بنية لا شعورية أو شعورية بأن الغرب هو أصل المناهج.. وهو غير صحيح لأن المناهج موجودة في كل حضارة، أشهرها مناهج التأويل ومناهج النظر ومناهج الذوق ومناهج التحليل اللغوي في الحضارة الإسلامية“، وهنا يثور التساؤل لماذا لم تُوظف المناهج الإسلامية لإعادة بناء أصول الفقه بدلا من المنهج البنيوي الذي لا يمت للعلوم الإسلامية بصلة.
وفي خضم الحديث عن تجديد أصول الفقه عند حسن حنفي نرى أن الدكتور حنفي يفترض أن النص الأصولى يمكن دراسته بطريقتين:
الطريقة الأولى، دراسة المصنفات الأصولية وفقا للمذاهب، وهذه الكيفية تسمح بتتبع نشأة أصول الفقه في كل مذهب وتطوره من السابق إلى اللاحق، هل استمر على أصوله الأولى أم تحول عنها إلى المذاهب الأخرى، لكن يشوبها أنها ذات رؤية مغلقة تضحي بالأصل من أجل الفرع والعلم من أجل المذهب، كما أن المذاهب لم تكن منغلقة على ذاتها بل كانت متداخلة ومتفاعلة مع بعضها.
والطريقة الثانية، الدراسة العامة للمصنفات بصرف النظر عن المذاهب، وهي أفضل برأيه لأن النص الأصولي واحد والعلم واحد أسسه الإمام الشافعي والخلافات ضئيلة لا تطال بنية العلم وإنما هي في الفروع، وهو ما يبرر الأخذ بهذه الطريقة.
وربما يوحي الأخذ بالطريقة الثانية أن محاولته تقترب من المحاولات الكلاسيكية لكنه سرعان ما يبدد هذا التصور إذ يصرح بأن “علم أصول الفقه الجديد” يقطع مع “علم أصول الفقه القديم” الذي انغمس في السياسة منذ وضع الشافعي الرسالة لضبط طرق الاستدلال وتثبيت النص، واستمر حتى الغزالي في “المنخول” حيث تم تشبيه الله بالسلطان، والسلطان بالله، على حين تتميز أصول الفقه الجديد بخصائص هي:
حاولنا فيما سبق التعريف بالمنطلقات النظرية لمشروع الدكتور حسن حنفي لإعادة بناء علم الأصول، وننتقل في هذا القسم إلى الجانب التطبيقي ممثلا في كيفية تحليل المصنفات الأصولية، حيث قام في الجزء الأول من مشروعه بتحليل ما يقرب من مائة نص أصولي بحثا عن بنية علم الأصول مع إقصاء تام للظروف التاريخية التي نشأت فيها النصوص وتكونت، وبمعزل عن مؤلف النص وذاتيته بحجة أن النص موضوعي وليس ذاتيا، وهو يفترض أن البنية تبدأ بالبنية الأحادية وصولا إلى البنية الثمانية، ويقدم نماذج لكل نوع من هذه الأنواع الثمانية مرجحا أن البنية الثلاثية والرباعية هي الغالبة على المصنفات الأصولية، وأن الثلاثية هي الأصل إذ أن الرسالة للإمام الشافعي ذات بنية ثلاثية وما بعدها هو مجرد تفريع عليها، ولنشرع الآن في بيان التحليل البنيوي لكتاب الرسالة.
استهل الدكتور حسن حنفي تحليله للرسالة بالإشارة إلى أنها تكشف عن وجود بنية ثلاثية متداخلة لا فاصل بينها:
وربما شعر الدكتور حنفي أنه يتعذر فهم مقصود حديثه، لذا يلخص مراده بالقول” إن الأجزاء الثلاثة التي تتكون منها الرسالة هي في الحقيقة عن الأدلة الشرعية، في الجزء الأول البيان خاص بالقرآن، والثاني خاص بالحديث، علل الحديث، والثالث خاص بالإجماع والقياس والتعارض والتراجيح” موضحا أن الأجزاء تتساوى فيما بينها، وأنها تشكل بنية عقلية خالصة لا تعتمد على أي اجتهادات سابقة لكونها تأسيسية لذا فهي لا تشير إلا إلى ذاتها.
وبالإمكان أن نستخلص من هذا الحفر وراء البنية أن مشروع تجديد أصول الفقه عند حسن حنفي أو إعادة بناء علم الأصول كما صاغه الدكتور حنفي لا يفضي إلى نتائج عملية ملموسة تسمح بتطوير أصول الفقه، فضلا عن الادعاء بإعادة بنائه، فليس هناك سوى الرطانة اللفظية والدعاوى الرنانة والدوران حول الفكرة بشتى السبل وهي أولوية الواقع على النص سواء أكان نصا دينيا أم أصوليا.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين