إن الله تعالى بعث نبينا محمدا ﷺ بالدين الإسلامي وجعله الدين المرضي عنده سبحانه، كما قال تعالى في سورة (المائدة): {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}، والإسلام هو الشريعة المرضية عند الله، والمبعوث به الرسل من لدن آدم إلى عهد نبينا، وهو المبنيّ على التوحيد، وهو المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، ولا انحراف، والإسلام يعتمد على ركنين رئيسين يعبران عن الدين الإسلامي وهويته ومقاصده، هما العقيدة الإسلامية والفقه الإسلامي، وبناء عليه اشتهرت مقولة علمائنا الأفاضل: الإسلام عقيدة وشريعة، إشارة إلى أن ما جاء في دين الإسلام كامل في جانب العقيدة والشرائع، ولكل واحد منهما أسس ومبادئ وقضايا.
العقيدة الإسلامية هي الأساس الأول الذي ينبني عليه الآخر، فهو أساس الدين وركن دعامته، ومبادئ الدين الأخرى تابعة لها ومتفرعة عنها، فأي عمل أو تصرف يقوم الإنسان المكلف قولا كان أو فعلا، فإنه لا اعتبار به إذا لم تسلم عقيدته على الهدي الصحيح، بل كل عمل بني على غير أساس العقيدة؛ فمآلهُ الهدم والانهيار، ومن هذا نرى اهتمام النَّبي- ﷺ -بإِرساء هذه العقيدة وترسيخها في قلوب أَصحابه طيلة عمره، وذلك من أَجل بناء الرجال على قاعدة صلبة وأَساس متين.
وظلَّ القرآن في مكَّةَ يتنزل ثلاثة عشر عاما يتحدثُ عن قضية واحدة لا تتغير، وهي قضية العقيدة والتوحيد لله تعالى والعبودية له، ومن أَجلها ولأَهميتها كان النَّبي- ﷺ -في مكَّةَ لا يدعو إِلا إِليها، ويُرَبِّي أَصحابه عليها[1].
ما هي العقيدة الإسلامية؟
والإيمان بكل ما جاءت النصوص الصحيحة من أصول الدين وأمور الغيب الإيمان بأركان الإسلام، والقطعيات الشرعية مثل إثبات الشفاعة والرؤية يوم القيامة، والأمور العملية التي هي من قطعيات الدين؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والحب في الله والبغض في الله، ونحو ذلك مما يندرج في الواجبات، وفي العلاقات بين المسلمين كحب الصحابة رضي الله عنهم، وحب السلف الصالح، وحب العلماء وحب الصالحين، ونحو ذلك مما هو مندرج في أصول الاعتقاد وثوابته[3].
وتكمن أهمية العقيدة الإسلامية في كونها أصول الدين وأساسه، وتشمل أصول الاعتقادات والعبادات والأخلاق.
أسس العقيدة الإسلامية
إذا كانت العقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين، اعتقادية وعلمية وعملية، وهي بمثابة الأسس للبناء، ولذلك جاء وصفها في الشرع بالأركان، وهي من أسس الدين والعقيدة، فأسس الإسلام تسمى أركاناً، وكذلك بقية الأصول، فما هي أسس العقيدة ومرتكزاته؟
ما هي أسس العقيدة ومرتكزاته؟
ففي كتاب الله- تعالى- يقول: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) [سورة البقرة: 177] .
ويقول المولى سبحانه في القدر: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [سورة القمر: 49، 50] .
وفي سنة رسول الله ﷺ يقول النبي ﷺ مجيبًا لجبريل حين سأله عن الإيمان: (الإيمان: أنْ تؤمنَ بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر: خيره وشره)
وهذه الأسس ليست محصورة بأركان الإيمان وأركان الإسلام، بل حتى أن أصول الإيمان وأركان الإسلام لها قواعد هي من قطعيات الدين، فمثلاً: الإيمان بالملائكة مبدأ قد يقر به الكثيرون، لكن قد يوجد عند بعض الجاهلين أو بعض أصحاب الشبهات والأهواء من ينكر ملكاً من الملائكة، كما كان من بعض الأمم التي تنكرت لجبريل عليه السلام، فلهذا ينتقض الإيمان، مع أن الفرد قد يقول: إني مؤمن بالملائكة.
فالعقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين، وهي الركائز الكبرى، وتسمى ثوابت، وتسمى مسلمات، وتسمى قطعيات، وتسمى أصولاً وغير ذلك من المعاني المرادفة التي يفهم منها أن العقيدة هي أصول الدين العظمى التي ينبني عليها الدين للفرد والجماعة[4].
1- الإيمان بالله تعالى، وهو الأصل الأول من الأصول الاعتقادية وهذا الأصل هو أهمّ الأصول الاعتقادية والعملية، وعليه مدار الإسلام، وهو لبّ القرآن، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ القرآن كلّه حديث عن هذا الإيمان، لأنّ القرآن إمّا حديث مباشر عن الله تعالى: ذاته وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، كآية الكرسي، وسورة الإخلاص.
- وإمّا دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وترك ما يُعبد من دونه من آلهة باطلة، وهذا كله تعريف بالله، ودعوة للقيام بحقّه، ونهيٌ عن صرف ذلك لغيره.
- وإما أمر بطاعته سبحانه، ونهي عن معصيته، وهذا من لوازم الإيمان.
- وإمّا إخبار عن أهل الإيمان وما فعل بهم في الدنيا من الكرامة، وما يثيبهم به في الآخرة، وهذا جزاء أهل الإيمان بالله.
- وإمّا إخبار عن الكافرين، وما فعل الله بهم في الدّنيا من النكال، وما سيفعل بهم في الآخرة في دار العذاب، وهذا جزاء من أعرض عن الإيمان.
- فالقرآن كله حديث عن الإيمان بالله، يوضح هذا أننّا نجد أنّ ذكر الله قد تكّرر في القرآن باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته (10062) مرة أي في الصفحة الواحدة قرابة عشرين مرة في المتوسط.
يقول الأشقر: إننا نستطيع أن نقول: إنّ الإيمان بالله بالنسبة لبقية الأصول والفروع كأصل الشجرة بالنسبة للسوق والفروع، فهو أصل الأصول، وقاعدة الدّين، وكلما كان حظ المرء من الإيمان بالله عظيماً كان حظه في الإسلام كبيراً[5].
والخلاصة أن الإيمان بالله تعالى: هو الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق، الرازق، المحيي، المميت، وأنه المستحق للعبادة دون ما سواه، وأن يُفرد بالعبادة والذل، والخضوع وجميع أنواع العبادات، وأن الله هو المتصف بصفات الكمال والعظمة، والجلال، المنزَّه عن كل عيب ونقص[6].
2- الإيمان بالملائكة: وهو الاعتقاد الجازم بأن لله ملائكة موجودين مخلوقين من نور، وهم كما وصفهم الله عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ويسبحون الله الليل والنهار لا يفترون، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله بها كما تواترت بذلك النصوص من الكتاب والسنة، فكل حركة في السموات والأرض فهي ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسموات والأرض امتثالاً لأمر الله – عز وجل -. فيجب الإيمان بمن سَمَّى الله منهم على وجه التفصيل، ومن لم يسمِّ منهم فيجب الإيمان به على وجه الإجمال.
3 – الإيمان بالكتب: وهو التصديق الجازم بأن لله كتباً أنزلها على أنبيائه ورسله، وهي من كلامه حقيقة، وأنها نور وهدى، وأن ما تضمنته حق، ولا يعلم عددها إلا الله، ويجب الإيمان بها جملة إلا ما سمَّى الله منها فيجب الإيمان به على وجه التفصيل وهي: التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، ويجب مع الإيمان بالقرآن وأنه من عند الله الإيمان بأن الله تكلم به كما تكلم بالكتب المنزَّلة، كما يجب مع هذا كله اتباع ما فيه من أوامر، واجتناب ما فيه من زواجر، وأنه مُهَيْمِن على الكتب السابقة، وأنه مخصوص من الله بالحفظ من التبديل والتغيير، فهو كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.
4 – الإيمان بالرسل: وهو التصديق الجازم بأن الله أرسل رسلاً لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، واقتضت حكمته تعالى أن يرسلهم إلى خلقه مبشرين ومنذرين، فيجب الإيمان بهم جميعاً على وجه الإجمال، ويجب الإيمان بمن سمَّى الله منهم على وجه التفصيل وهم: خمسة وعشرون ذكرهم الله في القرآن الكريم، ويجب الإيمان بأن لله رسلاً غيرهم وأنبياء لا يُحصي عددهم إلا الله، ولا يعلم أسماءهم إلا هو جل وعلا كما يجب الإيمان بأن محمداً ﷺ أفضلهم وخاتمهم، وأن رسالته عامة للثقلين ولا نبي بعده ﷺ.
5- الإيمان بالبعث بعد الموت: وهو الاعتقاد الجازم بأن هناك داراً آخرة يجازي الله فيها المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويغفر الله ما دون الشرك لمن يشاء.
والبعث شرعاً: هو إعادة الأبدان وإدخال الأرواح فيها، فيخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر أحياء مهطعين إلى الداعي، فنسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
6 – الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى: وهو التصديق الجازم بأن كل خير وشر هو بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها أزلاً قبل إيجادها ثم أوجدها بقدرته، ومشيئته على وِفْقِ ما علمه منها، وأنه كتبها في اللوح المحفوظ قبل إحداثها.
والأدلة على هذه الأركان الستة من الكتاب والسنة كثيرة منها: قوله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} … الآية (3)، وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، وقوله – ﷺ – في حديث جبريل. (( … أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)).
ومذهب أهل السنة والجماعة في موضوع القضاء والقدر يعتقدون اعتقادا جازما أَن كل خيرٍ وشرٍ يكون بقضاء الله وقدره، وأَن الله فعالٌ لما يريد فكل شيء بإِرادته ولا يخرج عن مشيئته وتدبيره، وعَلِمَ كل ما كان وما يكون من الأَشياء قبل أَن تكون في الأَزل، وقَدر المقادير للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته، وعَلِمَ أَحوال عباده، وعَلِمَ أَرزاقهم وآجالهم وأَعمالهم، وغير ذلك من شؤونهم؛ فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإِرادته. وملخصه: هو ما سبق به العلم وجرى به القلم، مما هو كائن إِلى الأَبد، قال تعالى:
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
[1] عبد الله عبد الحميد، الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة» (1/ 41).
[2] ناصر العقل، بحوث في عقيدة أهل السنة والجماعة ( ص: 11-12).
[3] ناصر العقل، مجمل أصول أهل السنة (1/ 4).
[4] المرجع السابق.
[5] سليمان الأشقر، العقيدة في الله (ص67).
[6] «شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية في ضوء الكتاب والسنة» (ص7).