صلاة التهجد أو قيام الليل هي الصلاة النافلة التي يستحب أداؤها أثناء الليل بعد نومة أو رقدة، وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالمواظبة على الوتر، ورغبه على قيامه فقال: ﴿‌وَمِنَ ‌ٱلَّیۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةࣰ لَّكَ عَسَىٰۤ أَن یَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحۡمُودࣰا﴾ [الإسراء: 79] ، ووجوب هذه الصلاة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسنة مرغوبة ومحبوبة لأمته، والنافلة هنا زيادة في الأجر والثواب ورفعة الدرجات للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان يعتني بهذا الأمر أيما اهتمام، حتى لا يدعه سواء كان في السفر أو الحضر. ويصاحب القيام بالليل دعاء القنوت، حيث اشتهر هذا الدعاء في الوتر من آخر ركعات القيام من الليل، قال ابن علان: القنوت عند أهل الشرع اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام، وبعبارة أخرى، فالقنوت اسم للدعاء في حال القيام.

وأصل دعاء القنوت في الوتر حديث الحسن بن علي سبط الرسول صلى الله عليه وسلم المشهور، ونصه:

«قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: ” اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ “» [«مسند أحمد» (3/ 245 ط الرسالة)].

قال الترمذي في حكم الحديث: هذا حديث حسن ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئا أحسن من هذا.

وهناك حديث آخر عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: ” ‌اللهُمَّ ‌إِنِّي ‌أَعُوذُ ‌بِرِضَاكَ ‌مِنْ ‌سَخَطِكَ وَمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ «مسند أحمد» (2/ 427 ط الرسالة). غير أن هذا الحديث يحتمل أن يكون دعاؤه صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة بعد الفراغ منها.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر

إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء الوصف في الحديث أنه يدعو في الوتر بدعاء القنوت، ويخصص دعوات معينة يعلمها الصحابة أن يقولوها في الوتر، ومعلوم أن خير الهدي وأكمله هدي النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في أمور العبادات، فهل كان يأتي بدعاء القنوت، وما هو هديه عليه الصلاة والسلام في ذلك؟
جاء في زاد المعاد: لم يحفظ عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قنت في الوتر، إلا في حديث رواه ابن ماجه عن أبيِّ بن كعب أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يوتر، فيقنت قبل الركوع.
قال أحمد في رواية ابنه عبد الله: أختار القنوت بعد الركوع. إنَّ كلَّ شيء ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في القنوت، إنما هو في الفجر لما رفع رأسه من الركوع. وقنوت الوتر أختاره بعد الركوع. ولم يصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في قنوت الوتر قبل أو بعد شيءٌ.
ثم قال ابن القيم: «والقنوت في الوتر محفوظٌ عن عمر وأُبَيّ وابن مسعود، والرواية عنهم به أصحُّ من القنوت في الفجر، والرواية عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في قنوت الفجر أصحُّ عنه من الرواية في قنوت الوتر. والله أعلم.» «زاد المعاد في هدي خير العباد – ط عطاءات العلم» (1/ 397).
وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يدعو في قنوت الصبح: “اللَّهُمَّ ‌إِنَّا ‌نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْنَعُ لَكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجوا رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ الْجِدَّ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ ملحق“.
وفي المصنف لابن شيبة: “أن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كانوا يقنتون في الوتر” [إسناده حسن انظر: الدراية لابن حجر].

واشتهر دعاء عمر بن الخطاب بين الصحابة رضوان الله عليهم، روي أنهم دعوا بها حتى يمكن الجزم أن هذا الدعاء أخذوه من النبي صلى الله عليه وسلم، لولا ضعف الحديث المسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وتتبع مصنف عبد الرزاق ذلك ونسب هذا الدعاء إلى علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، والبراء بن عازب وأنس بن مالك ومجموعة غيرهم. ولقوة اشتهار هذا الدعاء يمكن الجزم أنه أمر مجمع عليه بين الصحابة..

هل هناك دعاء خاص في القنوت؟

يجوز للإمام أو المنفرد أن يجود في دعاء القنوت ويبذل جهده ، ولا يوجد دليل يفيد التقيد بدعاء بعينه، وإنما يجتهد الإنسان دون أن يتكلف، ويدعو بشيء يكون صحيح المعنى ويفهم، ويستحب الإتيان بدعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويجمع بينه وبين دعاء الحسن بن علي رضي الله عنه.
جاء في البدائع في مذهب الحنفية: ليس في القنوت دعاء مؤقت .. لأنه روي عن الصحابة أدعية في حال القنوت، ولأن المؤقت من الدعاء يجري على لسان الداعي من غير احتياجه إلى إحضار قلبه وصدق الرغبة منه إلى الله تعالى، فيبعد عن الإجابة، ولأنه لا توقيت في القراءة لشيء من الصلوات، ففي دعاء القنوت أولى.
ثم قال: ليس في القنوت دعاء مؤقت ما سوى قوله: ” اللهم إنا نستعينك. . ” لأن الصحابة اتفقوا على هذا في القنوت، فالأولى أن يقرأه، ولو قرأ غيره جاز، ولو قرأ معه غيره كان حسنا، والأولى أن يقرأ بعده ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما في قنوته “. «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» (1/ 273).

وبهذا القول قال أئمة المالكية، وهم يرون كذلك جواز الدعاء بما شاء في القنوت، لكن قيدوا جواز القنوت في الوتر في النصف الآخر من شهر رمضان. (التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس) (1/ 126)

ورأي الشافعية يتوافق مع رأي المالكية في توقيت زمن القنوت بالنصف الآخر من شهر رمضان، وهذا ظاهر المذهب، وعلى الرأي الآخر يجوز القنوت في جميع شهر رمضان. (المجموع ٤ / ١٥)، (روضة الطالبين ١ / ٣٣٠).

ونقل ابن علان اتفاق الفقهاء على أن دعاء القنوت لا يتعين بلفظ، قال: أن زيادات العلماء أي ‌في ‌القنوت ونحوه من الأذكار يكون الإتيان بها أولى، وفارق التشهد غيره بأن العلماء فهموا أن المدار فيه على لفظه، فلذا لم يزيدوا فيه، ورأوا أن الزيادة فيه خلاف الأولى بخلاف القنوت، فإنهم فهموا أن للدعاء أثرًا عظيما في الاستجابة فتوسعوا في الدعاء فيه. (الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية) (5/ 109).