توثيق الشيء شده وتقويته وإحكامه، ومنه الوثيقة في العقد؛ لأنها تربط المتعاقدين، وتؤكد العقد، وتقوي الالتزام.

والتوثيقات سواء كانت عقودا أو غيرها يقصد بها: الوسائل التي يستوفى منها الحق: كالضمان، والكفالة، والرهن، أو يستوفى بها: كالشهادة، والكتابة، ونحوها.

ويمكن تعريف التوثيقات من حيث الإجمال بأنها: ما يؤكد الحقوق والالتزامات، ويثبتها على وجه: يصح الاحتجاج به، والاستناد إليه؛ ليرجع له عند التنازع والحاجة، أو يستوفى منه الحق عند تعذر استيفائه من المدين.

والكلام هنا إنما هو في عقود التوثيقات التي يستوفى منها الحق سواء منها ما كان بمال كالرهن، أو بذمة كالكفالة.

أهمية عقود التوثيقات:

للتوثيق أهمية بالغة في ضبط معاملات الناس، وتوكيدها، وجعلها على أساس مكين، من الاطمئنان والراحة عند التعامل وقد أفرد الباحث أ.د. سعد الدين مسعد هلالي – في بحث له بعنوان “أهمية التوثيق في المعاملات المالية وعلاقته بالعقود في الفقه الإسلامي” وتظهر أهمية تلك العقود في أمور أهمها:

أولا: حماية حقوق الناس، وإغلاق أبواب الحيل، وسد ذرائع المنازعات وقطع أسباب الخصومات.

ثانيا: في عقود التوثيق، ما يبعث روح الطمأنينة لدى المتعاملين على حقوقهم، ويدفع الريبة والشك بينهم، مما يشجع الاستثمار، ويفتح أبواب التعاون، بين الناس؛ لأن من استوثق بحقه بكفالة، أورهن، أو غير ذلك اطمأن باله وارتاح ضميره وضمن أداء حقه.

ثالثا: عقد التوثيق سواء كان ضمانا، أو رهنا، أو كفالة، أو غيرها: يعتبر تأمينا لحق الدائن، فيما لو عجز المدين عن السداد، أو ماطل فإنه يمكن للدائن استيفاء حقه من الرهن بشروط ذلك ، أو الرجوع على الضامن أو الكفيل.

أنواع عقود التوثيقات:

عقود التوثيقات عند العلماء أربعة إجمالا: الرهن، والضمان، والكفالة بالنفس، والحوالة. وعقود التوثيقات المعاصرة لا تخرج إجمالا عن هذه.

وهذه العقود أثرها توثيق الدين باشتراك ذمة جديدة مع ذمة المدين، أو حبس الرهن حتى يؤدى الدين، أو نقل الدين من ذمة المدين إلى شخص ثالث.

تعريف أهم عقود التوثيقات باختصار:

الرهن: حبس مال عينا أو منفعة في حقٍّ يمكن استيفاؤه منه عند الاستحقاق بشروط وضوابط يذكرها الفقهاء.

الضمان أو الالتزام: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون في التزام الحقوق المستحقة، حالا أو مآلا.

الكفالة : ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة بنفس أو دين أو عين أو عمل، وهذا التعريف لفقهاء الأحناف. وعند غيرهم من الائمة يعرفونها: بأنها ضم الذمتين في المطالبة والدين.

والمقصود بالكفالة في مقابلة الضمان الكفالة بالنفس. وإلا فيطلق كل منهما على الآخر.

الحوالة : مأخوذة من التحويل وهي عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى أخرى، وهي مستثناة – كما يقول بعض الفقهاء – من بيع الدين بالدين. وذلك للحاجة إليها فكثيرا ما يكون المدين مماطلا، يؤذي دائنيه بتسويفه، أو بمشاغباته وضيق ذات يده، وربما كان له دين على آخر هو ألين عريكة، وأحسن معاملة، وأوفر رزقا، فيرغب دائنو الأول في التحول إلى هذا توفيرا للجهد والوقت، واتقاء لأخطار الخصومات، وتحصيلا لجزء من المال عاطل، يمكن أن تنمى به ثروة، أو تسد به خلة. فرخص في الحوالة من أجل هذا وما شاكله، إذ لو لم تشرع لفاتت كل هذه الأغراض الصحيحة، ولحقت بالدائنين أضرار جمة.

ومن  صور الحوالة ما يسمى بالسفتجة في بعض صورها وهي عبارة: عن ورقة تكتب للمقرض في بلد ليستوفي نظير قرضه في بلد آخر من وكيل المقترض، أو من مدينه في ذاك البلد اتقاء لخطر الطريق المحتمل.

وهناك ما يسمى بالتحويل البنكي أو المصرفي: وهو أن يسلِّم المرء نقوداً لبنك في البلد الذي هو فيه، ثم يأخذ من البنك شيكاً أو حوالة ليقبض بها نقوده في مكان آخر… ويقوم تسليم الشيك أو الحوالة مقام القبض في مسألة صرف النقود بالتحويل.

من صور عقود التوثيقات المعاصرة :

ما يسمى بخطاب الضمان المصرفي الذي هو: “تعهد قطعي مقيد بزمن محدد غير قابل للرجوع يصدر من البنك بناءً على طلب طرف آخر بدفع مبلغ معين لأمر جهة أخرى مستفيدة من هذا العميل، لقاء قيام العميل بالدخول في مناقصة، أو تنفيذ مشروع بأداء حسن، ليكون استيفاء المستفيد من هذا التعهد (خطاب الضمان) متى تأخر أو قصر العميل، في تنفيذ ما التزم به للمستفيد، في مناقصة أو تنفيذ مشروع ونحوهما، ويرجع البنك بعدُ على العميل بما دفعه عنه للمستفيد”.

وخطاب الضمان له أنواع كثيرة باعتبارات مختلفة، فمنه ما هو ابتدائي ومنه ما هو انتهائي، ومنه يكون مغطى تغطية كاملة أو ناقصة أو غير مغطى مطلقا.

وبناء على المعطيات السابقة، التي بينت التكييف الشرعي لخطاب الضمان، صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 – 16 ربيع الثاني 1406 ه/22 – 28 ديسمبر 1985 م. وهذا نصه:

1– أن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره، فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعنى في الفقه الإسلامي باسم: (الضمان) أو (الكفالة).

وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي (الوكالة) والوكالة تصح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له).

2– إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد للإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً…”

ومنه كذلك ما يسمى بكفالة حسن أداء البائع الأصلي لاقتراح العميل كونه بائعا ، جاء في كتاب المعايير الشرعية الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين: حول الضمانات المتعلقة بالشروع في عملية المرابحة 2/5/1:

“يجوز للمؤسسة أن تحصل من العميل الآمر بالشراء على كفالة حسن أداء البائع الأصلي لالتزاماته تجاه المؤسسة بصفته الشخصية، وليس بصفته آمراً بالشراء، ولا وكيلاً للمؤسسة وعليه، فلو لم يتم عقد المرابحة تظل كفالته قائمة، ولا تطلب مثل هذه الكفالة إلا في الحالات التي يقترح فيها العميل بائعاً معينا تشتري المؤسسة منه السلعة موضوع المرابحة، ويترتب على هذا الضمان تحمل العميل الضرر الواقع على المؤسسة نتيجة عدم مراعاة البائع لمواصفات السلعة وعدم الجدية في تنفيذ التزاماته، مما يؤدي إلى ضياع جهود المؤسسة وأموالها أو يترتب عليه الدخول في منازعات ومطالبات باهظة”. اهـ

ومنه أيضا ما يسمى بهامش الجدية وهو ما يطلب من الآمر بالشراء ضمانا لجديته وقدرته على الوفاء بوعده … ويجوز الاتفاق مع العميل عند إبرام عقد المرابحة للآمر بالشراء على حسم هذا المبلغ من ثمن السلعة.

ومنها التأمين على الدين: وهذا من المستجدات المعاصرة، فقد قرر الفقهاء المعاصرون جوازَ التأمين التعاوني الإسلامي على الدُّيون قياسا على الكفالة وحرموا التأمين التجاري على الدُّيون.

فقد صدر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، في معيار الضمانات رقم (5):

“يجوز التأمين الإسلامي على الدُّيون، ولا يجوز التأمين غير الإسلامي عليها… “.

ومنها: فتوى ندوة البركة الثانية حيث أجابت على السؤال الآتي: هل يجوز للبنك الإسلامي أن يؤمِّن على ديونه ضد مخاطر التأخر في السداد، سواء أكان هذا التأمين جارياً لدى شركة إسلامية للتأمين، أم كان عن طريق إنشاء البنوك الإسلامية فيما بينها صندوقاً للتأمين التعاوني؟

قالت: يجوز للبنك الإسلامي أن يؤمِّن على ديونه ضد مخاطر التأخر في سداد الدُّيون التي يستحق له على الغير، وذلك عن طريق إنشاء صندوق تأمين تعاوني تشارك فيه البنوك الإسلامية التي تستفيد من هذا التأمين، وهذا هو الحلُّ الذي تتفق عليه اللجنة وترجحه.

أما تأمين الدُّيون لدى شركة تأمين إسلامية فهو جائزٌ أيضاً، وينبغي أن يوضع لكل منهما نظام ويعرض على اللجنة للموافقة عليه قبل بدء العمل به.

 


المصادر والمراجع :

1. التعريفات للجرجاني ص113.

2. القاموس الفقهي لسعد أبو حبيب ص224.

 3. فقه النوازل لبكر أبو زيد ج1ص201.

4. الفقه الإسلامي للزحيلي ج7ص5092.

5. مختصر الفقه الإسلامي للتويجري ص739.

6. دراسات في أصول المداينات، للدكتور نزيه حماد ص 242-259،

7. أعمال الندوة الفقهية الثالثة، بحث التأمين على الحياة، جناحي ص 161-163.

8. التأمـين على الدُّيون في الفقه الإسلامي للدكتور محمد الزحيلي ص 17.

9. التأمين على الدُّيون د.علي القرة داغي ص 10.

10. كتاب المعايير الشرعية ص135 -145.