ما هو فضل صوم شهر رمضان الكريم؟ وما هو حكمه؟ وماهي الأحاديث التي وردت في مسألة الترهيب من الفطر في رمضان؟ وبما يثبت شهر رمضان؟ هل يثبت برؤية الهلال أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما؟ أو بالإثنين معا؟ وماذا نعني باختلاف المطالع؟

هذه المادة تحاول الإجابة على هذه الأسئلة، من القرآن الكريم والسنة النبوية.

حكم صوم شهر رمضان

حكم صوم رمضان واجب بالكتاب والسنة والإجماع. فأما الكتاب: فقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وقال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ).


وأما السنة: فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت”.

وفي حديث طلحة بن عبيد الله: “أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، أخبرني عما فرض الله عليَّ من الصيام؟ قال: شهر رمضان. قال: هل عليَّ غيره؟ قال: لا. إلا أن تطوع”. وأجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان. وأنه أحد أركان الإسلام التي عُلمتْ من الدين بالضرورة، وأن منكره كافر مرتد عن الإسلام.

فضل صوم شهر رمضان وفضل العمل فيه

1- عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لما حضر رمضان: “قد جاءكم شهر مبارك، افترض عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” رواه أحمد والنسائي والبيهقي

و2- عن عرفجة قال: كنت عند عتبة بن فرقد -وهو يحدث عن رمضان- قال: فدخل علينا رجل من أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم-، فلما رآه عتبة هابه فسكت. قال: فحدث عن رمضان. قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في رمضان: “تغلق أبواب النار، وتفتح أبواب الجنة، وتصفد فيه الشياطين. قال: وينادي فيه ملك: يا باغي الخير أبشر، ويا باغي الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان” رواه أحمد والنسائي وسنده جيد.

3- وعن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر” رواه مسلم.

4- وعن أبى سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من صام رمضان وعرف حدوده، وتحفَّظ مما كان ينبغي أن يُتحفظ منه كفَّر ما قبله” رواه أحمد والبيهقي بسند جيد.

5- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه أحمد وأصحاب السنن

الترهيب من الفطر في رمضان

1- عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:”عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان” رواه أبو يعلى والديلمي وصححه الذهبي.

2- وعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من أفطر يومًا من رمضان، في غير رُخصة رخصها الله له لم يُقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه” رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي، وقال البخاري: ويذكر عن أبي هريرة رفعه: “من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صوم الدهر وإن صامه”. وبه قال ابن مسعود.
قال الذهبي: وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكُّون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال.

بم يثبت الشهر؟

يثبت شهر رمضان برؤية الهلال ولو من واحدٍ، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا.

1- فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: “تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه” رواه أبو داود والحاكم وابن حبان وصححاه.

2- وعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا” رواه البخاري ومسلم.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم. قالوا: تقبل شهادة رجل واحدٍ في الصيام، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد. وقال النووي: وهو الأصح.
وأما هلال شوال: فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يومًا، ولا تقبل فيه شهادة العدل الواحد، عند عامة الفقهاء.
واشترطوا أن يشهد على رؤيته اثنان ذوا عدل، إلا أبا ثور فإنه لم يفرق في ذلك بين هلال شوال وهلال رمضان، وقال: يقبل فيهما شهادة الواحد العدل.
قال ابن رشد: “ومذهب أبي بكر بن المنذر هو مذهب أبي ثور، وأحسبه مذهب أهل الظاهر”.
وقد احتج أبو بكر بن المنذر بانعقاد الإجماع على وجوب الفطر والإمساك عن الأكل بقول واحد، فوجب أن يكون الأمر كذلك في دخول الشهر وخروجه؛ إذ كلاهما علامة تفصل زمان الفطر من زمان الصوم”.
وقال الشوكاني: وإذا لم يرد ما يدل على اعتبار الاثنين في شهادة الإفطار من الأدلة الصحيحة فالظاهر أنه يكفي فيه قياسًا على الاكتفاء به في الصوم.
وأيضًا التعبد بقبول خبر الواحد يدل على قبوله في كل موضع إلا ما ورد الدليل بتخصيصه، بعدم التعبد فيه بخبر الواحد، كالشهادة على الأموال ونحوها فالظاهر ما ذهب إليه أبو ثور.

اختلاف المطالع

ذهب الجمهور: إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع. فمتى رأي الهلال أهل البلد وجب الصوم على جميع البلاد لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”. وهو خطاب عام لجميع الأمة، فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعًا.
وذهب عكرمة والقاسم بن محمد وسالم وإسحاق، والصحيح عند الأحناف، والمختار عند الشافعية أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم، ولا يلزمهم رؤية غيرهم.


لما رواه كريب قال: قدمت الشام، واستهل عليَّ هلال رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة. ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس-ثم ذكر الهلال- فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا. هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-” رواه أحمد ومسلم والترمذي.

وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل بلد رؤيتهم.
وفي فتح العلام شرح بلوغ المرام: الأقرب لزوم أهل بلد الرؤية، وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها.

من رأى الهلال وحده

اتفقت أئمة الفقه على أن من أبصر هلال الصوم وحده عليه أن يصوم. وخالف عطاء فقال: لا يصوم إلا برؤية غيره معه. واختلفوا في رؤيته هلال شوال، والحق أنه يفطر كما قال الشافعي وأبو ثور. فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أوجب الصوم والفطر للرؤية، والرؤية حاصلة له يقينًا، وهذا أمر مداره الحسن، فلا يحتاج إلى مشاركة.