اشتهر بين العامة فضلا عن الفقهاء في الكتابات الفقهية تأديب الزوجة الناشز، وهي المرأة التي خرجت عن قانون الأسرة، وأرادت هدمه بعدم الالتزام بميثاق الحياة الزوجية، وقد لخص القرآن الكريم طرق العلاج في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } [النساء: 34].

وقد أبانت الآية الكريمة أن تأديب الزوجة يكون أولا بالنصح والإرشاد، فإن لم يصلح معها؛ كان الهجر في المضجع، فإن لم يصلح لها؛ كان الضرب الخفيف بالسواك ونحوه كما قال ابن عباس – رضي الله عنه-.

ولكن قلّ من الناس من يتحدث عن نشوز الزوج وكيفية تأديبه، والمطلع على نصوص الفقهاء سيجد كما أن هناك تأديبا للزوجة، فإن هناك تأديبا للزوج، على أنه لما كان الزوج قيما على الزوجة، فهو من يقوم بتأديبها، ولكن تأديب الزوج يقوم به الحاكم أو القاضي أي سلطة الدولة، وسنلاحظ الشبه الكبير بين وسائل التأديب بين نشوز الزوج ونشوز الزوجة، بل تأديب الزوج أكثر.

وسائل تأديب الزوج الناشز

ومن أهم وسائل تأديب الزوج ما يلي:

إذا اشتكت الزوجة زوجها أنه يسيء عشرتها ويؤذيها أو يضربها، فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي إن لم يصلح التحكيم بين الزوجين، وأهم الوسائل التأديبية التي يقوم بها القاضي ما يلي:

أولا – التحقق والمنع بمراقبة الجيران

فإن شكت المرأة زوجها للقاضي أحال صحة الكلام إلى الجيران الصالحين الذين يقومون بالمراقبة الاجتماعية، وهم يخبرون القاضي بصحة كلامها من عدمه؛ حتى تثبت الدعوى.

قال الكاساني في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (4/ 23) ” ولو كانت في منزل الزوج وليس معها أحد يساكنها فشكت إلى القاضي أن الزوج يضربها ويؤذيها؛ سأل القاضي جيرانها فإن أخبروا بما قالت وهم قوم صالحون فالقاضي يؤدبه ويأمره بأن يحسن إليها ويأمر جيرانه أن يتفحصوا عنها وإن لم يكن الجيران قوما صالحين أمره القاضي أن يحولها إلى جيران صالحين فإن أخبروا القاضي بخلاف ما قالت؛ أقرها هناك ولم يحولها”ا.هـ

بل ذكر الحنابلة أن الرجل إذا كان ناشزا، فإن القاضي يجبره على أن يسكنها بجوار جيران صالحين، يمنعونه من الإضرار.

قال ابن قدامة في الشرح الكبير على متن المقنع (8/ 170):

” وإن بان أنه من الرجل أسكنهما إلى جنب ثقة يمنعه من الإضرار بها والتعدي عليها، وكذلك إن بان من كل واحد منهما تعد أو ادعى كل واحد منهما أن الآخر ظلمه أسكنهما إلى جنب من يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف لأن ذلك طريق الإنصاف فتعين فعله كالحكم بالحق”.

ثانيا – الوعظ والتهديد ثم الضرب

ومن وسائل تأديب الزوج من القاضي للزوج بعد ثبوت خطئه في حق زوجته أن يزجره وأن ينصحه، فإن لم ينتصح هدده، فإن لم ينزجر ضربه.

جاء في حاشية الدسوقي في فقه المالكية: ” لو تعدى الزوج على الزوجة لغير موجب شرعي بضرب أو سب ونحوه ، وثبت ببينة أو إقرار زجره الحاكم بوعظ فتهديد ، فإن لم ينزجر بالوعظ ضربه إن ظن إفادته في زجره ومنعه ، وإلا فلا ، وهذا إذا اختارت البقاء معه فإن لم يثبت وعظه فقط دون ضرب (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 343 ط دار الفكر) .

ونلاحظ هنا أن الوعظ والتهديد والضرب هي تلك الوسائل التي استعملها الزوج مع زوجته في نشوزه، فاستعملها القاضي معه في نشوزه، وذلك تمام العدل، فإن الشريعة لا تتحيز لذكر أو أنثى، وإنما تأخذ الحق للضعيف من القوي.

ثالثا – التعزير

ومن وسائل تأديب الزوج التي يقوم بها القاضي أن يعزر الزوج بما يراه رادعا له عما فعله مع زوجته من نقصان حق أو تعد أو ضرب أو شتم ونحوه، ومعلوم أن التعزير باب واسع، وهو يرجع إلى تقدير القاضي بما يرجع الزوج الناشز عن ظلمه لزوجته.

جاء في فقه الشافعية:

” فإن أساء خلقه وآذاها بضرب أو غيره بلا سبب نهاه عن ذلك ، ولا يعزره ، فإن عاد إليه وطلبت تعزيره من القاضي عزره بما يليق به لتعديه عليها ، وإنما لم يعزره في المرة الأولى وإن كان القياس جوازه إذا طلبته قال السبكي : لعل ذلك لأن إساءة الخلق تكثر بين الزوجين ، والتعزير عليها يورث وحشة بينهما ، فيقتصر أولا على النهي لعل الحال يلتئم بينهما ، فإن عاد عزره وأسكنه بجنب ثقة يمنع الزوج من التعدي. ( راجع: مغني المحتاج شرح منهاج الطالبين 3/ 260 ط دار الفكر)

رابعا – إجبار الزوج على رد الحق

فإذا منع الزوج زوجته حقا لها، مثل النفقة أو القسمة العدل بين زوجاته، ألزمه القاضي بالنفقة أو العدل في القسمة؛ بشرط أن تطلبه، وإنما يجبره القاضي على ذلك لعجز المرأة عن استيفاء حقها.

خامسا – الفصل في المعيشة بينهما

ومن وسائل تأديب الزوج إن تعدى على زوجته، وخافت المرأة ظلم الرجل أو ضربه أو إساءته أن يفصل القاضي بينهما في المعيشة حتى يعود الزوج إلى رشده.

قال العز بن عبد السلام في الغاية في اختصار النهاية (5/ 314):

” إذا ثبت عند الحاكم عدوان الزوج منعه، وأخذ منه ما منعه من حقوقها، فإن خاف أن يضربها ضربا مبرحا لم يطلقها عليه، ويحال بينهما إلى أن يظهر لين عريكته، فتسلم إليه، ولا يظهر ذلك إلا بقوله بعد أن يوكل به في السر من يبحث عن إضماره، كما يبحث عن الإعسار وما يتعلق بالنفي، وكما يستبرئ الفاسق إذا تاب، فإذا غلب على الظن أنه مأمون ردت إليه.

وإن لم يثبت عدوانه، بل ظنناه، لم نحل بينهما إلا أن يبدر منه بادرة، فيحال بينهما إلى ظهور الأمن”.ا.هـ

 وقال الغزالي : ويحال بينهما حتى يعود إلى العدل ، ولا يعتمد قوله في العدل ، وإنما يعتمد قولها وشهادة القرائن . ( راجع: مغني المحتاج شرح منهاج الطالبين 3/ 260 ط دار الفكر).

والخلاصة:

إن المطلع على وسائل تأديب الزوج الناشز ليجد أنها أكثر من وسائل تأديب الزوجة الناشز، ولكن مرد تأديب الزوج إنما يكون للقاضي وليس للمرأة، لأن قيام المرأة بتأديب زوجها خرق للحياة الزوجية وانهدام لها، والمقصود بتأديب الزوج رجوعه عن ظلمه، أما قيام الرجل بتأديب زوجته، فإنه لأجل ألا يعرضها للغير ولو كان القاضي، وأن يكون إصلاح الخلل الحاصل منها في بيتها حتى لا يفتضح أمرها؛ فإن أمر النساء مبني على الستر، ولم يكن كذلك مع الزوج؛ لضعف المرأة وعدم قدرتها، ولأن المرأة لا ولاية لها على الرجل، فتحيل أمره إلى القاضي الذي له ولاية عليه.