تعد مدينة القدس من أهم المدن العالمية، فقد شهدت كثيرا من الحضارات، ولكن لها خصوصية أكبر في الإسلام. وللقدس في اللغة معان كثيرة، من أهمها: الطهارة، والتنزيه، والتقديس، كما أنها تعني تنزيه الله تعالى.
أسماء القدس: تعددت أسماء القدس حسب العصور الزمنية وحسب الغلبة السياسية عليها، وقد عرفت بعدة أسماء، من أهمها:
الأول: يبوس، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى اليبوسيين، وهم من العرب البائدة.
الثاني: مدينة داود، نسبة إلى دواد عليه السلام زمن حكمه.
الثالث: يروشاليم، أو أورشاليم، وذلك زمن الإسكندر الأكبر حين فتحها.
الرابع: بهيروساليما في زمن تيطس عام 70م.
الخامس: إيليا، أو إيليا كابتولينا، وذلك في العهد الروماني.
السادس: بيت المقدس أو القدس، وذلك بعد الفتح الإسلامي لها.
السابع: القدس الشريف، وذلك زمن العثمانيين.
المعالم التاريخية بالقدس
وفي القدس معالم تاريخية، من أهمها:
المسجد الأقصى: وسمي المسجد الأقصى لبعده عن المسجد الحرام، وهو أولى القبلتين طيلة سبعة عشر شهرا، وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى عليه وسلم، كما عاش في أكنافه عدد من الأنبياء، مثل: إبراهيم وإسحاق ويعقوب وزكريا وداود وسليمان وعيسى وأمه مريم عليهم السلام.
وهو أحد المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها.فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى”.
وقد بني المسجد الأقصى بعد المسجد الحرام بأربعين سنة كما ورد في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله ﷺ عن أول مسجد وضع على الأرض فقال: “المسجد الحرام”، قلت: ثم أي، قال: “المسجد الأقصى” قلت: وكم بينهما؟ قال: “أربعون عامًا، ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصل فيه فإن الفضل فيه”.
مسجد قبة الصخرة: وقد روج اليهود على أنه المسجد الأقصى، على أن مسجد قبة الصخرة هو جزء من المسجد الأقصى، وعنده بنى إبراهيم – عليه السلام- معبده والمذبح، كما أقام يعقوب – عليه السلام- مسجده عند القبة، وفي زمن موسى – عليه السلام- كانت خيمة الاجتماع زمن التيه عند قبة الصخرة، وعنده بنى داود – عليه السلام- محرابه، ومنه عرج بالنبي ﷺ إلى السموات العلى.
المصلّى المروانيّ: وسمي بالمسجد المرواني؛ لأن الخليفة مروان بن عبد الملك جعله مدرسة لتعليم الفقه الإسلامي، وقد حوله الصليبيون إلى اسطنبول لخيولهم عند احتلالهم له، وسموه بـ (إسطبل سليمان)، ثم لما فتح صلاح الدين بيت المقدس أعاده مسجدا.
حائط البُراق: وسمي بذلك؛ لأن النبي ﷺ ربط البراق عنده في رحلة المعراج، وهو يقع في الجهة الغربية من المسجد الأقصى.
بيت المقدس جزء من الجنة: وعن ميمونة مولاة رسول الله ﷺ قالت قلت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس؟ قال: “أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره”، وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: “من أراد أن ينظر إلى بقعة من الجنة فلينظر إلى بيت المقدس.
بعض الأحكام الخاصة بالمسجد الأقصى
وللمسجد الأقصى أحكام خاصة به، من أهمها:
مضاعفة ثواب الصلاة فيه: كما ورد عن أبي ذر رَضِي الله عنْهُ قال: تذاكرنا ونحن عند رَسول اللهِ صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم أيهما أفضل: أمسجد رَسول اللهِ صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم أم بيت المقدس؟ فقال رَسول اللهِ صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: «صلاةٌ في مسجدي أفضلُ من أربع صلوات فيه، ولَنِعمَ المُصَلَى هُو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعًا». قال: أو قال: «خيرٌ له من الدنيا وما فيها».
استحباب ختم القرآن فيه: فعن أبي مجلز قال : كانوا يستحبون لمن أتى المساجد الثلاثة ، أن يختم بها القرآن قبل أن يخرج ، المسجد الحرام ، ومسجد النبي ﷺ ، ومسجد بيت المقدس . وقد كان سفيان الثوري– رحمه الله- يختم به القرآن؛ امثالا لقول النبي ﷺ.
استحباب الإحرام بالحج والعمرة منه: ذكره الزركشي وقال : ففي سنن أبي داود وغيره من حديث أم سلمة قالت : قال رسول الله ﷺ : ” من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة .
وأحرم جماعة من السلف منه ، كابن عمر ومعاذ وكعب الأحبار وغيرهم .
مضاعفة السيئات فيه : حكي عن بعض السلف أن السيئات تضاعف في المسجد الأقصى روي ذلك عن كعب الأحبار ، وذكر أبو بكر الواسطي عن نافع قال : قال لي ابن عمر : اخرج بنا من هذا المسجد فإن السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات .
وذكر الزركشي عن كعب الأحبار أنه كان يأتي من حمص للصلاة فيه فإذا صار منه قدر ميل اشتغل بالذكر والتلاوة والعبادة حتى يخرج عنه بقدر ميل أيضا ويقول : السيئات تضاعف فيه ، ( أي تزداد قبحا وفحشا لأن المعاصي في زمان أو مكان شريف أشد جرأة وأقل خوفا من الله تعالى ) .
الحذر من اليمين الفاجرة فيه وكذلك في المسجدين فإن عقوبتها عاجلة .
كراهة استقبال بيت المقدس واستدباره بالبول والغائط ولا يحرم كما نقله النووي في الروضة.
تستحب صلاة العيد في المصلى إلا في المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، كما نقله بعض فقهاء الشافعية.
استحباب الصيام فيه فقد روي : ” صوم يوم في بيت المقدس براءة من النار “. (راجع الموسوعة الفقهية الكويتية، ج 37/235).
ومن أهم أحكام القدس والمسجد الأقصى اليوم تحريرها من يد اليهود الغاصبين، والدفاع عنها بكل غال ونفيس كل حسب استطاعته، وهو واجب لا يسقط بأي حق من الحقوق، إن عجز جيل من المسلمين وجب على الذين من بعدهم، بل هو واجب على المسلمين جميعا في كل زمان ومكان، وكذلك حق عودة اللاجئين الفلسطينيين من بقاع العالم إلى أرضهم، وأن تعود القدس وبقية مدن فلسطين إلى أهلها من المسلمين.