اقرأ أيضا:
ومن مقاصده طلب المعرفة، إذ تشير قصة موسى مع الخضر إلى أن السؤال هو الأداة الأولى من أدوات المعرفة، وليس الحفظ أو التلقين كما يظن البعض، وللسؤال شروط وآداب ينبغي مراعاتها ومنها وجوب التريث قبل طرح السؤال وقبل الخلوص إلى إجابات سريعة ربما تكون غير ناجزة أو مضللة.
ومن مقاصده التذكير بالمسئولية، والمسئولية الإنسانية على مستويين، مسئولية عن الأفعال والسلوكيات في حق الذات والآخرين، ومسئولية عن الحواس الخارجية مثل السمع والبصر والداخلية مثل القلب والفؤاد والعقل { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً}.
ويتميز السؤال القرآني بخصائص عدة نذكر من بينها:
– الوضوح والإحكام، وذلك لأن أي التباس في صيغة السؤال ربما يقود إلى إجابة غير دقيقة.
-الإيجاز، إذ لوحظ أن السؤال القرآني مصاغ من بضع كلمات حتى وإن كان سؤالا من الأسئلة الأنطولوجية الكبرى.
-الشمول، فالسؤال القرآني يضم عالم الغيب وعالم الشهادة دون استبعاد لأحدهما على حساب الآخر لأن الوجود يتشكل منهما سوية فلا هو وجود مادي ولا وجود ميتافيزيقي وإنما يتضافر فيه المادي والغيبي.
-الواقعية، وتعني أن جميع الأسئلة القرآنية لها قابلية للبحث، وليس محض تصور عقلي وافتراضات ذهنية كما هو الحال مع الأسئلة الفلسفية، وليس أدل على ذلك من أن سؤال الكيفية الذي يبدأ بكيف، تكرر ما يربو عن ثمانين مرة.
– الحيوية، ويقصد بها أنها تساؤلات تتناول موضوعات وقضايا كبرى تشمل الحياة الإنسانية والأخروية مثل: كيفية الإنفاق، والحوادث التاريخية الكبرى، وحقيقة الروح.
جاء استعمال القرآن للصيغ الاستفهامية مئات المرات تم خلالها كافة الأدوات الاستفهامية، وهي: الهمزة، هل، فهل، متى، أين، كيف، من، لِمَ، كم، ما، ماذا، كيف، أفمن، أي، أنى.
وتتنوع الصيغ الاستفهامية في الاستعمال القرآني وهناك عدة صيغ؛ ننتخب من بينها الصيغ التالية:
1-صيغة (لئن سألتهم) : والجواب يكون عادة (ليقولن)، ووردت في سبعة مواضع قرآنية ومن أمثلتها (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله)، والاستعمال القرآني لها عادة ما يكون مع المشركين أو المنافقين، ويكون فيها كشف لما يدور في مجالسهم بعيدا عن المؤمنين، وفيها دليل على صدق الرسالة.
2-صيغة (سئل) : وهي صيغة شائعة وردت بتصريفات فعلية مختلفة في ستة عشر موضعا قرآنيا، وهي لا تختص بفئة معينة بل ربما نسبها الباري جل شأنه إلى نفسه من مثل قوله تعالى (لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون)، وقد يستخدمها البشر (فسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها).
3-صيغة (يسألونك) : وهي من أكثر الصيغ شيوعا، إذ تكررت 15 مرة، وهي تتصل بمظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وما يعرض للناس من قضايا وآراء، وما يواجهونه من مشاكل وأزمات، وإذا ما قمنا بعملية تحليل مضمون لوجدناها تدور حول القضايا التالية:
وإذا ما نظرنا إلى هذه الموضوعات التي عالجها السؤال القرآني لوجدناها تعبر عن نسق معرفي متكامل، ورؤية شاملة للكون يتضافر فيها ما هو مادي مع ما هو معنوي ( الحيض أو الجسد/الروح)، ويتصل فيها عالم الغيب بعالم الشهادة (الساعة/الطيبات)، ويتكامل فيها ما هو فردي/شخصي مع ما هو مجتمعي (الإنفاق/ الأنفال)، وتتشابك فيها مشكلات الواقع مع الحقائق التاريخية (الخمر والميسر/ ذي القرنين)، ويرتبط فيها التوجيهات الأخلاقية مع التشريعات القانونية (العفو/القتال) ويلعب السؤال دور الفاعل الرئيس الذي يجمع بين المستويات المختلفة للوجود.
يأتي الجواب القرآني في الغالب مطابقا للسؤال كما هو الحال مع تساؤلات صيغة يسألونك، إلا أنه في بعض الأحيان يكون السؤال بلا جواب وهو السؤال الذي يعبر عن الدهشة أو الذي ليس له إجابة نظرية كقوله تعالى (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون).
وتتميز الإجابات القرآنية بخصائص تميزها عن غيرها من الإجابات، ومنها:
وختاما يمكن القول إن السؤال القرآني يعبر عن رؤية كونية تجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة، وهو جزء من نظام معرفي قرآني يؤمن بفاعلية الإنسان وحقه في التساؤل والمعرفة.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين