تعتبر قصة آدم عليه السلام من القصص القرآنية المهمة التي تناولها القرآن الكريم بتفصيلٍ دقيق، حيث ذُكرت في العديد من السور بأساليب متنوعة. يعكس هذا التنوع إعجاز القرآن الكريم في التعبير وتقديم الدروس والعبر للمسلمين. في هذا المقال، سنستعرض مواضيع قصة آدم عليه السلام وكيفية تناولها في القرآن، بالإضافة إلى الدروس التربوية التي يمكن استخلاصها منها.
تكرار قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم
تكرر اسم آدم عليه السلام في القرآن الكريم خمسًا وعشرين مرة، فتحدثت عنه سورة البقرة في الآيات (31 – 37)، وآل عمران في الآيتين (59، 33)، والمائدة في الآية (27)، والأعراف في الآيات (11 – 172)، والإسراء في الآيتين (70، 61)، والكهف في الآية (50)، ومريم في الآية (58)، وطه في الآيات (115 – 121)، ويس في الآية (60). وتنوع التعبير عن القصة، مرة باسمه وصفته، كما في السور: البقرة والأعراف والإسراء والكهف، ومرة بصفته فقط، كما في سورتي الحجر وص، مما يدل على إعجاز القرآن الكريم.
موضوعات قصة آدم عليه السلام
وفي هذه القصة موضوعات ستة:
الأول- خلق آدم من طين
أبان القرآن الكريم أن أصل خلق آدم عليه السلام كان من طين، من حمأ مسنون-متغير-حتى إذا أصبح صلصالا كالفخار، نفخ الله فيه من روحه، فإذا هو إنسان متحرك، ذو قدرات مادية وعقلية ومعنوية-أخلاقية، وكان آدم وحواء أصل النوع الإنساني كما أخبر القرآن، وقد أثبت العلماء زيف نظرية «دارون» التي تجعل القرد أصلا وأبا للإنسان.
الثاني- السجود لآدم
أمر الله تعالى إبليس والملائكة بالسجود لآدم سجود تكريم لا سجود عبادة، فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس كان من الجن، ففسق عن أمر ربه، وأبى واستكبر.
الثالث- سبب مخالفة إبليس وعقابه
احتج إبليس بأنه أفضل من آدم، وقال: أنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين، والنار باعتبار ما فيها من الارتفاع والعلو أشرف من الطين الذي هو عنصر ركود وخمود، فطرده الله من الجنة بسبب الكبر ونسبته الظلم إلى الله، لكنه طلب الإنظار إلى يوم الدين، فأنظره الله، وتوعد آدم بإغواء ذريته، فرد الله عليه بأن عباد الله المخلصين لا سلطان له عليهم، وتوعده ومن تبعه بالنار.
الرابع- استخلاف آدم في الأرض
أخبر الله تعالى ملائكته أنه سيجعل آدم خليفة عنه في الأرض يكون له سلطان في التصرف في موادها، فتساءلوا على سبيل العلم والحكمة، كيف تجعل في الأرض المفسدين وسفاكي الدماء، وهم-أي الملائكة-أهل الطاعة واجتناب المعصية؟ فأجابهم الحق سبحانه أنه يعلم في هذا المخلوق من الأسرار ما لا يعلمون، واختصه بعلم ما لا يعلمون.
الخامس- تعليم آدم أسماء الأشياء المحسوسة
ميز الله آدم عن الملائكة بتعليمه أسماء جميع الأشياء المادية التي يراها حوله من زروع، وأشجار، وثمار، وأوعية، وحيوان، وجماد، لحاجته إلى الاستفادة منها في طعامه وشرابه، بخلاف الملائكة الذين لا يحتاجون إلى شيء، ثم طالب الله الملائكة بأسماء المسميات المرئية الحاضرة، بعد أن عرض عليهم المسميات، فلم يعلموها. وحاجة ذرية آدم إلى الأشياء تدفعهم إلى العمل والتفكير، والتنقيب عن تلك الأشياء، وعمارة الكون وتقدم وسائل الحياة في كل المجالات من زراعة وصناعة وتجارة.
قال في التفسير الوسيط للطنطاوي:
ومن الفوائد التي تؤخذ من هذه الآيات، أن الله- تعالى- قد أظهر فيها فضل آدم- عليه السلام من جهة أن علمه مستمد من تعليم الله له، فإن إمداد الله له بالعلم يدل على أنه محاط منه برعاية ضافية، ثم إن العلم الذي يحصل عن طريق النظر والفكر قد يعتريه الخلل، ويحوم حوله الخطأ. فيقع صاحبه في الإفساد من حيث إنه يريد الإصلاح، بخلاف العلم الذي يتلقاه الإنسان من تعليم الله، فإنه علم مطابق للواقع قطعا، ولا يخشى من صاحبه أن يحيد عن سبيل الإصلاح، وصاحب هذا العلم هو الذي يصلح للخلافة في الأرض، ومن هنا، كانت السياسة الشرعية أرشد من كل سياسة، والأحكام النازلة من السماء أعدل من القوانين الناشئة في الأرض
السادس- سكنى آدم وزوجته الجنة وخروجهما منها
أسكن الله آدم الجنة، وخلق له حواء، وأباح لهما الاستمتاع بثمار الجنة إلا شجرة عينها لهما، فوسوس لهما إبليس بالأكل منها وأغراهما، وقال لهما: ما نهاكما ربكما عن الأكل من هذه الشجرة إلا لأن الأكل منها يجعلكما من الملائكة، أو تكونا خالدين دون موت ولا فناء، فرفض آدم في مبدأ الأمر، وقاوم إغراءات الشيطان، ولكن إبليس استمر في إلقاء وساوسه: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} [الأعراف 21/ 7]، حتى نسي آدم أنه عدوه الذي أبى السجود له، فأكل آدم وحواء من الشجرة: {فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} [طه 121/ 20] ليسترا عوراتهما، فعاتب الله آدم على مخالفة أمره والأكل من الشجرة، فندم واستغفر الله وتاب، فقبل توبته، ولكنه أمره وحواء بالخروج من الجنة، والاستقرار في الأرض.
دروس تربوية من قصة آدم عليه السلام
- تفرد الله تعالى بأسرار وعلوم وحكم، ولم يطلع عليها أحدا من الخلق، حتى الملائكة، فإنهم جهلوا الحكمة من استخلاف آدم، وتساءلوا عن السبب في هذا الاختيار
- إذا توجهت عناية الله تعالى إلى شيء جعلته جليلا عظيما، كما توجهت عنايته إلى التراب فخلق منه بشرا سويا، وأفاض عليه من العلم والمعرفة وغيرهما مما عجز الملائكة عن إدراكه.
- الإنسان وإن كرمه الله، لكنه ضعيف، عرضة للنسيان، كما نسي آدم أوامر الله ونواهيه، فأطاع إبليس عدوه، وأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها.
- إن التوبة والإنابة إلى الله سبيل الظفر برحمة الله الواسعة، فإن آدم الذي عصى ربه تاب وقبل الله توبته، فعلى العاصي أو المقصر المبادرة إلى التوبة والاستغفار دون قنوط ولا يأس من رحمة الله ورضوانه ومغفرته.
- الكبر والعناد والإصرار على الإفساد أسباب لاستحقاق السخط الإلهي، واللعنة والغضب والطرد من رحمة الله، فإن إبليس الذي أبى السجود، وأصر على موقفه، وعاند الله، وتحدى سلطانه بإغراء الإنسان وصرفه عن إطاعة الله، غضب الله عليه وطرده من الجنة إلى الأبد، وأوعده بنار جهنم.