آياتها سبع، وهي السورة الأولى في ترتيب المصحف، والسورة الخامسة نزولا بعد سور العلق والمدثر والمزمل والقلم، وهي أول سورة نزلت جملة واحدة، وهي سورة مكية؛ فهي السبع المثاني الواردة في سورة الحجر المكية {وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}، المثاني جمع مثنى، وسميت بذلك لتكرارها في الصلاة، ولا تصحّ الصلاة بدونها، فــ”لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب”، والصلاة فُرضت في مكة، فضلا عن أنها أجملت مقاصد الدين من ثناء توحيد وجزاء وتعبّد ودعاء، وهذه من سمات القرآن المكي.

أسماء سورة الفاتحة

هي أعظم سورة في القرآن، وأسماؤها الكثيرة تشير إلى فضلها، فتُسمَّى  الفاتحة؛ لأنها مفتتح القرآن، وتُسمَّى أم الكتاب لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذُكِرت فيه تفصيلا، وتُسمَّى الأساس لاشتمالها على الثناء والتوحيد والدعاء، وتُسمَّى الحمد لأنها افتتحت به، وهي الواقية تقي قارئها من كل سوء، وهي الشافية تشفي من كل داء، وهي الكافية تكفي عن غيرها ولا يكفي غيرها عنها، وهي الراقية يُرقَى بها المؤمن، وهي الصلاة، “يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدى، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل”.

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} اختلف العلماء في كون البسملة آية من القرآن وفي مطلع الفاتحة ومطلع كل سورة، وترتب على ذلك اختلافهم في وجوب قراءتها في الصلاة وفي الجهر أو الإسرار بها، والأرجح والأحوط أنها آية مستقلة من القرآن، وهي آية من الفاتحة، وليست آية من كل سورة، وهو المعمول به في رسم المصحف المشرقي الذي نقرأ منه برواية حفص عن عاصم، فالبسملة فيه الآية الأولى من الفاتحة، ومن ثم وجب قراءتها في الصلاة، والجهر بها والإسرار سواء، ويستحب أن يبدأ كل عمل بالبسملة كالأكل والشرب والوضوء، فكل عمل لا يبدأ باسم الله أبتر لا بركة فيه.

وحُذِفت الألف من {بسم} تخفيفا لكثرة كتابتها كما تكثر قراءتها، ولو اختلفت صيغتها ثبتت الألف، فنقول: “باسمك اللهم”، و(اسم) من السمو بمعنى العلو والرفعة، أو من السمة بمعنى العلامة، والأول أليق بالله، والباء في {بسم) لها عــدة دلالات، أشهرها التبرك والاستعانة والاستفتاح والمصاحبة، أي أبدأ مستعينا ومتبركا ومستفتحا باسم الله، ولفظ {الله} علَم لا يُطلَق إلا على الخالق، لا يشاركه فيه أحد، ولذلك لا يُثنَّى ولا يُجمَع، وأصله (إلـهٌ)، فحلّت (ال) التعريف العهدية محل الهمزة؛ لذلك مُنِع التنوين، ثم صارت (ال) جزءا من اللفظ لا تنفك عنه؛ لذلك صحّ نداؤه، فنقول: (يا اللهُ واللهم) مع أن المعرف بـ(ال) لا يقبل أداة النداء، وقيل: هو اسمه الأعظم. 

ثم وصف الله نفسه بصفتي {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، والرحمة من الرحم، وهو مكان الجنين الذي يرزقه الله برحمته من غير حول ولا قوة بشرية، والرحمة تحمل دلالات النعمة والرقة والرأفة والعطف اللطف والإحسان، وكمال هذه الصفات لا يليق إلا بالله، وصيغتا {الرَّحْمنِ} و{الرَّحِيمِ} تدلان على ملازمة الرحمة لله، لكن صيغة (فعلان) تدل على الكثرة وصيغة (فعيل) تدل على الاستمرار، فـ{الرَّحْمن} أكثر في الرحمة من {الرحيم}؛ فهي تعمّ كل الخلق في الدنيا، و{الرحيم} تدل على دوام رحمته في الدنيا والآخرة، وهي خاصة بالمؤمنين وفقا لقوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}، وقيل: {الرحمن} صفة ذاتية لله لا تنفك عنه، و{الرحيم} صفة تدل على انتفاع الخلق برحمة الله؛ لذلك استُعمِل لفظ {الرحمن} اسما لله مثل لفظ {الله}، كقوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ} و{الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}، و{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ}.

أما لفظ {الرحيم} فلا يأتي إلا وصفا، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}، وارتباطهما بالبسملة يشير إلى دلالات الرحمة الإلهية الواسعة للعصاة ليعودوا إلى الله، فكأن البسملة رسالة لهم بأن رحمة الله واسعة تتغشاهم مهما بلغت معاصيهم، فليبادروا بالرجوع والتوبة، وينبغي أن تبدأ توبتهم بالبسملة.  

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}، الحمد هو الثناء باللسان على الله المنعم الذي لا تحصى نعمه، ولم يختص الحمد بالسراء، بل هو مطلوب في الضراء، فالمؤمن حينما يصيبه مكروه يصبر ويحمد الله على لطفه به، فاللطف نعمة من الله تستحق الحمد من العبد، وهذا هو حال المؤمن؛ لذلك يعجب من النبي حاله بأنه خير كله، إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر، وفي كل خير.

وافتتاح القرآن بالحمد يجعلنا نبدأ كل أمـر بالحمد والثناء على الله، فنكون في صلة دائمة بالله، والله ها مستحق للحمد؛ لأنه {رَبّ الْعالَمِينَ}، و{العالَمين} جمع عالَم، وهو كل موجود سوى الله، فيشمل عالم الإنس وعالم الجن وعالم الملائكة وعالم الحيوان وعالم النبات وعالم الجماد، والجميع يسبح بحمد الله وفقا لقوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، وقيل: المراد بالعالمين أولو العلم من الإِنس والجن والملائكة، وتعبير {رَبِّ الْعالَمِينَ}، والرب اسم من أسماء الله، ومعناه السيد والحاكم والآمر والمالك والمسؤول والراعي والمدبر والمتصرف، ولا يطلق على غيره إلا مقيدا، فيقال: رب البيت أي صاحبه ومالكه؛ لذلك فالتعبير {رَبّ الْعالَمِينَ} يحمل رهبة إلهية للعباد.

{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} صفتان لله، وسبق الحديث عنهما في البسملة، لكن ارتباطهما بالحمد يدل على حُنُوّ الله على الخلق ورحمته بهم؛ لأنه ربهم وخالقهم، ومن مظاهر رحمته نعمه الكثيرة التي يُنعِم بها على كل الناس مؤمنين وكافرين، ومن رحمته لطفه بالعباد في الضراء، ومن رحمته تجاوزه عن معاصي العباد وإمهالهم للعودة وفتح باب التوبة لهم، وكل هذا يستوجب الحمد والثناء على الله؛ لذا ارتبط الحمد بصفتي الرحمة، والوصف بالرحمة يحمل صفة الترغيب الإلهي للعباد في مقابل صفة الترهيب التي حملها تعبير {رَبِّ الْعالَمِينَ}، وهما معا يعطيان تكاملا للصفات الإلهية، فالله يجمع بين صفات الترهيب والترغيب، وهذا ما أكده قوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}.