اقرأ أيضا:
ويبدو أنه كان هناك إشراف حكومي على عمل الصيادلة، فقد سنت القوانين التي تٌنظم عملهم، فقد تعين في كل مدينة كبيرة (عريف) أو موظف كان بمثابة كبير للصيادلة، وكان يضطلع بمهمتين: الأولى تنفيذ القوانين التي تقضي ألا يمارس الشخص المهنة دون ترخيص رسمي أو دون قيد اسمه في سجلات الممارسين للمهنة أو دون اجتياز الاختبارات العلمية التي كان مبدأ تطبيقها في عهد المأمون، والثانية الإشراف على تحضير الأدوية داخل الصيدليات، والتأكد من نقاوة المستحضرات المستخدمة فيها، فإن لم يتمكن من ذلك حُملت إلى مجلسه في طبق ليتأكد من أنها أعدت بالكيفية الصحيحة، على نحو ما أشار ابن بسام في كتابه (نهاية الرتبة).
استنادا إلى هذا ذهب كثير من الدارسين إلى أن الحضارة العربية أسهمت بنصيب وافر في وضع قواعد علم الصيدلة، ويمكن تلخيص هذه الإسهامات في الآتي:
شهدت الحضارة العربية عددا كبيرا من الأطباء والصيادلة الذين أخذت المصادر التاريخية وكتب التراجم تقص أخبارهم منذ القرن الثاني، ومن هؤلاء: الكندي و حنين بن إسحاق وعلي بن عباس المجوسي وعلي بن سهل بن ربن الطبري والرازي وابن سينا والزهراوي وابن البيطار وداود الأنطاكي وغيرهم كثير، ونورد فيما يلي طرفا من سيرة بعضهم مع الإشارة لأهم مصنفاتهم.
– كامل الصناعة في الطب: المسمى بالمُلكي لواضعه علي بن عباس المجوسي، وهو مسلم من أصول زرادشتية، ولد في الثلث الأول من القرن الثالث في الأهواز بفارس، وعاش بعض الوقت في كنف البويهيين، وكان من أمهر أطباء زمانه، وقد حقق كتابه شهرة كبيرة وصار المرجع الأول في الصيدلة، إلا أنه بعد صدور كتاب (القانون) لابن سينا مال الناس إليه وتركوا الملكي، والكتاب يقع في جزئين، يضم الجزء الأول عشر مقالات تتناول الأمور الطبيعية أي الأعضاء والأجزاء التي يتكون منها الجسد، والأشياء التي ليست بطبيعية من مثل الهواء والرياضة والأشياء الخارجة عن الطبيعة كالأمراض والأعراض والأسباب المحفزة، وهو يسمي بالجزء النظري، وأما الجزء الثاني فيذكر فيه حفظ الصحة على الأصحاء، ومداواة المرضى التي تكون بالتدبير أو بالأدوية ويقال له الجزء العملي.
– الاعتماد في الأدوية المفردة: وهو من تأليف أحمد بن الجزار القيرواني الذي ولد بأفريقية أو تونس أواخر القرن الثالث، شُغل بالطب ممارسة وتدريسا وتأليفا حيث جمع بين ممارسة الطب وتحضير الأدوية والتدريس للطلاب، وشاع عنه قيامه بجولات في الصحاري والبراري لانتقاء النباتات العشبية التي يستخدمها، وهو يشير في مقدمة كتابه إلى سبب تأليفه فيقول: “ما حملنا على العناية بتأليف كتاب أذكر فيه الأدوية التي عليها اعتماد الأطباء في معالجة الأدواء إلا الرغبة في طاعة الله، والحرص على مرضاته، والتقرب إليه بالمناصحة لأنهاء دولة الإمام التقي والخليفة المرضي القائم بأمر الله”، وأهمية الكتاب تكمن في أنه أول كتاب أُلف في العربية للأدوية المفردة، وهو موضوع لم يٌفرد بالتأليف قبل ابن الجزار إذ عد من مواضيع علم الطب الفرعية، وقد أشار المصنف إلى ذلك في مقدمة كتابه وذكر أنه بحث في مصنفات الأقدمين والمحدثين فلم يجد كتابا جامعا في هذا الباب العظيم المنفعة، ومن باب الأمانة ذكر أن كلا من دياسقوديس وجالينوس اليونانيين تناولاه من قبل إلا أن عملهما شابه التقصير من بضع أمور، فلم يتناولا طبائع الأدوية ولا كميتها وخواصها، ويبدو أن الكتاب حظي بتقدير إذ ترجم إلى اللاتينية والعبرية كما قام مؤلف مجهول بتلخيصه إلى العربية.
– التصريف لمن عجز عن التأليف: وضعه أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي، ولد بالزهراء بالقرب من قرطبة بالأندلس في القرن الرابع وكان طبيبا وجراحا، وهو أشهر من ألف في الجراحة عند العرب وأول من استعمل ربط الشرايين لوقف النزيف، وأهم مصنفاته كتاب التصريف وقد ترجم إلى اللاتينية والعبرية، وهو يقع في ثلاثين مقالة ورغم أنه يصنف كأحد الكتب في الطب إلا أنه لا يضم سوى مقالتين افتتاحيتين في الجراحة أما باقي المقالات فهي تتعلق بالأدوية، وهو يفتتح بذكر أنواع الأدوية التي تعالج الأمراض المختلفة تباعا، ثم يتحدث عن صناعة المعاجين والمراهم والأدهان، ثم أطعمة المرضى مرتبة على الأمراض، ويختتم بذكر طبائع الأدوية وقواها وخصائصها، وفي إصلاحها وكيفية حرقها، وفي تسمية العقاقير باختلاف اللغات وبدائلها، وأعمار العقاقير المفردة والمركبة.
وبالجملة أسهم الصيادلة العرب في إرساء قواعد علم الصيدلة على أسس علمية، واستطاعوا من خلال مصنفاتهم أن يحفظوا لنا التراث اليوناني وأن يضيفوا إليه ويتجاوزوه.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين