إنّ قيام الليل دأب الصالحين ، وشرف المؤمنين ، وتجارة المتقين ، وعمل المفلحين ، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم عز وجل ، ويقومون بين يدي خالقهم سبحانه وتعالى ، ويتوجهون إليه ، فيستغفرونه ويتوبون إليه ، ويسألونه من فضله ورحمته ، ويتضرّعون له ، ويَشكون إليه أحوالهم ، وضعفهم وعجزهم وفقرهم ، ويعكفون على مناجاته ، ويرغبون إلى عظيم عطاياه ، وكريم هباته ، وجزيل نواله ، ولا يحافظُ عليه إلا الموفقون , ولا ينافسُ فيها إلا السابقون .

ولقيام الليل فضائل كثيرة ، وثمرات جليلة ، تعود على صاحبها في الدنيا والآخرة ، مذكورة في كتاب الله العظيم ، وسُنة نبينا الكريم صلوات الله عليه وسلامه الثابتة ، نسوق منها ما تيسر ، لعل الله تعالى أنْ ينفعنا بها وإخواننا القراء :

فأولاً – إن قيامُ الليل من العبادات الجليلة ، والقُربات العظيمة ، التي يتقرّب بها العباد إلى ربهم ، وقد وصفهم الله بذلك في آيات كثيرة من كتابه الكريم ، كما في قوله سبحانه عنهم : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ) السجدة :16 . قال مجاهد والحسن : يعني قيام الليل .

وقال عبد الحق الأشبيلي : أي تنبو جُنوبهم عن الفرش ، فلا تستقر عليها ، ولا تثبت فيها ، لخوف الوعيد ، ورجاء الموعود . انتهى .

– وذكر الله عز وجل عباده المتهجّدين بالليل ، فقال : ( كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الذاريات : 17-18

قال الحسن : كابدوا الليل ، ومدّوا الصّلاة إلى السَّحَر ، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.

– وقال تعالى في بيان درجتهم وفضلهم : ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) الزمر:9 .

أي : هل يستوي مَنْ هذه صفته من القيام في الليل ، والرجاء لرحمة الله والحذر من عذابه ، مع من نام ليله ؛ وضيّع نفسه ؟ غير عالمٍ بوعد ربّه ولا بوعيده ؟! ولا مهتم له ولا به ؟!

والآيات في فضل صلاة الليل كثيرة عظيمة .

ثانيا – قيام الليل سببٌ لنيلِ الجنة ودخولها ، وحسبك بها من فائدة وجائزة ، قال تعالى : ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) ثم بيّن أوصاف هؤلاء المتقين الذين دخلوا هذه الجنات ، فقال ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) آل عمران : 15-17 .

فذكر سبحانه أنهم يستغفرون الله تعالى في وقت السَّحر ، وهو وقت إجابة للدعاء ، قال الحسن : مدُّوا الصلاة إلى السحر ، ثم جلسوا يستغفرون الله ربهم .

وقال تعالى أيضا : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )   السجدة :16-17.

وقال صلى الله عليه وسلم : ” أيها الناس ، أفشُوا السلام ، وأطْعموا الطعام ، وصلُوا بالليل والناسُ نيام ، تدخلوا الجنة بسلام “. رواه الترمذي .

ثالثاً – أن قيامُ الليل يَنْهى صاحبَه عن ارتكاب الذُّنوب والمعاصي ، وفعل المنكرات ، ودليلُ ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت : 45 .

وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ فلانًا يُصلِّي بالليل ، فإذا أصبحَ سرق ؟! قال : ” سَيَنْهاه ما تقول ” . رواه أحمدُ وابن حبان وصحَّحه الألباني .

أي : ستنهاه صلاته عن ذلك المنكر .

والصلاةُ مطلقًا ؛ تنهى عن الفحشاء ؛ لكن قيامَ اللَّيْل له ميزةٌ خاصة في نهي صاحبه عن المعاصي ، كما في الحديث أيضا : قال صلى الله عليه وسلم : ” عليكم بقيام الليل ، فإنه دأبُ الصالحين قبلكم ، وقُربةٌ إلى الله تعالى ، ومنهاةٌ عن الإثم … “. أخرجه أحمد والتِّرمذيُّ والبيهقيُّ ، وقال العراقي : إسنادُه حسنٌ ، وحسَّنه الألبانيُّ أيضاً .

رابعاً – قيام الليل من أسباب تكفير السيئات ، ومغفرة الذنوب والخطيئات ، كما في الحديث السابق ، قال صلى الله عليه وسلم : ” وتكفيرٌ للسيئات .. ” .

والصلاة عموماً ؛ من أسباب تكفير السيئات كما هو معلوم ، كما قال سبحانه وتعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود : 114 .

فالصلوات المفروضات ، وما ألحق بها من التطوعات والنوافل في الليل والنهار ، من أكبر الحسنات التي تذهبُ بالسيئات وتمحوها ، وهي الصغائر ، كما دلت عليه الأدلة ، أما الكبائر فلا تكفّر إلا مع التوبة والندم والاستغفار .

– وفي الحديث : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلٌ فقال : يا رسول الله ، إني أصبتُ حداً فأقمه علي ، قال : ولم يسأله عنه . قال : وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ، قام إليه الرجل ، فقال : يا رسول الله ، إني أصبت حدَّاً فأقم فيّ كتاب الله . قال : ” أليس قد صليتَ معنا ؟ ” قال : نعم ، قال : ” فإنّ اللهَ غَفر لك ذنبك ، أو قال : حدّك “. رواه البخاري (6823 ) .

خامسا – قيام الليل سبيلٌ إلى القيام بشكر نِعَم الله الكثيرة على العبد ، والشاكرون قد وعدهم الله تعالى بالزيادة ، كما قال تعالى: ( وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم :7 .

وقالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله علية وسلم يقوم من الليل ، حتى تتفطر قدماه ، فقلت له : لِمَ تصنع هذا يا رسول الله ، وقد غُفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ قال : ” أفلا أكون عبداً شكوراً ؟! ” .متفق عليه .

وعن ابنِ عمرَ قَال : قَال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : ” نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ ، لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ “. قال سالمٌ : فَكان عبدُ اللَّهِ بعدَ ذلك ، لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً . رواه البخاري ( 1121، 3738 ) ومسلم ( 2479).

سادساً – قيام الليل يَطرد الداءَ والأمراض عن الجسد ، ويدفع الأسقام ، وأولُ داءٍ يطرده : داءُ العجز والكسل ؛ والهمِّ والحُزن ، وغيرها من أمراض القلوب والأبدان ، قال صلى الله عليه وسلم : ” عليكم بقيام الليل .. إلى قوله : ومطردةٌ للداء عن الجسد ” . الحديث ، وقد صحح هذه الزيادة بعض أهل العلم .

سابعاً – في قيام اللَّيل يَحْصُلُ للعبدُ كلِّ خيرٍ لدنياه وأُخراه ؛ فإنَّ في الليل ساعةً ، لا يوافقها عبدٌ يسأل الله تعالى خيراً من أمر دنياه وآخرته ، إلَّا أعطاه إيَّاه ؛ كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح : فعن جابر رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إنَّ من اللَّيلِ ساعةً ، لا يُوافقها عبدٌ مسلم ، يَسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه ، وذلك كلَّ ليلة ” . أخرجه مسلم .

وإذا كان قيامه في الثلث الأخير من الليل ، كان ذلك أيضا في وقت استجابة الدعاء ، والتعرض للنفحات الإلهية ، وقت نزول الربّ عز وجل إلى سماء الدنيا ، ويكون سببا لإجابة دعائه ، وإعطائه سُؤله ، كما في الحديث الصحيح ، الذي رواه الشيخان وغيرهما : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ علَيه وسلَّم قال : ” ينزلُ ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقولُ : مَنْ يدعُوني فأستجيب له ، مَنْ يسألني فأعطيه ، مَنْ يستغفرني فأغفر له ” . هذا لفظ البخاري في باب الدعاء والصلاة من آخر الليل .

وفيه : الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل ، وحصول الإجابة فيه .

فأصحابُ القيام مجابو الدعوة ؛ إذا اسْتنصروا اللهَ نَصَرهم ، وإذا اسْتعاذوه أعاذهم ؛ وإذا سألوه أعْطاهم ، وإذا اسْتغفروه غفر لهم .

فلو سألتَ الله تعالى في ساعة الاستجابة ، التوفيقَ في أمورك كلِّها ، وقمتَ بين يدي ربِّك مستغفراً تائبا ، سائلا إياه أن يوفِّقَك لما يحبه ويرضاه ، لما ندمتَ أبدًا ؛ فإنَّ الله تعالى مالكَ الدُّنيا والآخرة ، المُعطي الباسط ، وهو وليُّك وكافيك وحسبُك ؛ فكيف تحزنُ أو كيف تقلق وإيَّاه قد دعوتَ ؟ وعليه توكلتَ وأنبت ؟! فهو مُجري السَّحاب ، وهازم الأحزاب ، ومذلِّل الصِّعاب ، ومدبِّر الكون ، ومقسِّم الأرزاق ، سبحانه من إلهٍ عظيم قادر قوي كريم وهّاب .

– وأيضا : قال صَلَّى اللَّهُ علَيه وسلَّم : ” أقربُ ما يكون الربُ من العبد ، في جَوف الليل الآخر ، فإنْ استطعت أنْ تكون ممن يذكر اللهَ في تلك الساعة ، فكن “. رواه الترمذي وابن خزيمة وصححه ، من حديث عمرو بن عنبسة رضي الله عنه.

ثامنا – صاحب قيام الليل يصبح طيبَ النفس نشيطًا ، يُعان على عمله سائر يومه ؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ” يَعقدُ الشيطانُ على قَافية رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضربُ مكان كل عُقدةٍ : عليك ليلٌ طويل فارقد ، فإنْ استيقظ فذكر الله انحلتْ عُقدة ، فإن توضأ انحلتْ عقدة ، فإن صلَّى انحلت عقدة ، فأصبحَ نشيطًا طيبَ النَّفْس ، وإلَّا أصبح خبيثَ النفس كسلان ” متفق عليه .

وصدق الصادقُ المصدوقُ ، فترى أصحابَ القيام لا يبدو عليهم الكسلُ ولا الخمول ؛ بل هم ذو نشاطٍ وهمةٍ وعمل ؛ بينما ترى أصحابَ النوم إلى الصباح ، لا يكادون يمدُّون أيديهم أو يثنون أرجلهم أو يقومون من مكانهم ، لفتورهم وكسلهم ، وما ذاك النشاط لصاحب قيام الليل والصلاة ، إلا عونٌ من الله تعالى للعبد ، لصلاته ومناجاته وتقرُّبه إليه ، حتى أصبح بصره وسمعه ويده ورجله .

تاسعا – ومَنْ فضل القيام في الليل للصلاة والذِّكر ، ما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ تعارَّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ، له الملكُ وله الحمدُ ، وهو على كل شيء قدير ، الحمدُ لله ، وسبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والله ُ أكبرُ ، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله , ثم قال : اللهم اغفر لي , أو دعا ، اسْتجيبَ له ، فإنّ توضَّأ وصلى ، قُبلت صلاته “. رواه البخاريُّ .

فأصحابُ القيام ؛ فازوا بهذا الفضل الوارد بهذا الحديث ، إذا قالوا هذا الذكر الوارد.

عاشرا – قيام الليل يُحصّل لصاحبه به الثواب المضاعف من الحسنات ، فقليل القيام من الليل يُزيلُ عنه اسم الغفلة ، ووسطه يكسوه اسمَ القنوت والطاعة ، وكثيره يجلبُ له قناطير الأجر ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب من الغافلين ، ومنْ قام بمائة آيةٍ كُتب من القانتين ، ومنْ قام بألف آية كتب من المُقَنْطرين ” . رواه أبو داود .

الحادي عشر – القيامُ بالليل بالقرآن ، مُعينٌ على الحفظ وتثبيت القرآن في الصّدر ؛ وعدم نسيانه ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ” وإذا قام صاحبُ القرآن ، فقرأه باللَّيل والنهار ذكَره ، وإذا لم يَقُم به نَسيه ” رواه مسلم .

ويقول الله تعالى : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ الليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ) المزمل : 5-6 .

عن مجاهد : ( أشد وطئًا ) قال : مواطأة للقول ، وأفرغ للقلب .

قال الحسنُ : أثبتُ في القراءة ، وأقوى على القراءة . مختصر قيام الليل للمروزي .

الثاني عشر – قيام الليل سبب في زيادة الرزق للعبد ودوامه بأنواعه ، قال تعالى : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه : 132.

قال الإمام الطبري : ( وأمُرْ) يا محمد ( أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) يقول: واصطبر على القيام بها ، وأدائها بحدودها أنت ( لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ) يقول : لا نسألك مالاً ، بل نكلفك عملاً ببدنك ، نؤتيك عليه أجراً عظيما وثوابا جزيلا ، يقول ( نَحْنُ نَرْزُقُكَ ) نحن نُعطيك المال ونُكسبكه ، ولا نَسألكه . انتهى

وهذا الخطاب – وإنْ كان للنبي صلى الله عليه وسلم – إلا أنه يدخل في عمومه جميع أمته .

وقال الحافظ ابن كثير : ( نحن نرزقُك ) يعني إذا أقمت الصلاة ، أتاك الرزق من حيث لا تحتسب ، كما قال تعالى ( ومَنْ يتَّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيثُ لا يحتسب) الطلاق : 2-3.

وقال تعالى ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدون ) إلى قوله ( إنّ اللهَ هو الرزاقُ ذو القُوة المَتين ) الذاريات : 56- 58 . ولهذا قال ( لا نسألك رزقاً نحنُ نرزقك ) انتهى .

وقد روى الترمذي وابن ماجة : من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، تفرّغ لعبادتي أملأ صَدرك غِنى ، وأسدّ فقرك ، وإنْ لم تفعل ملأتُ صدرك شُغلاً ، ولم أسدّ فقرك ” .

الثالث عشر – قيام الليل يَكسو وجه صاحبه نُوراً ، فإنّ الجزاءَ من جنس العمل ، فإنَّهم لما قاموا في ظُلمة الليل يُصلون ويتعبدون ، جازاهم الله بأنْ نوّر وجوههم ، قد قال سعيد بن المسيب رحمه الله : إنّ الرجل ليُصلي بالليل ، فيجعل الله في وجهه نوراً يُحبه عليه كل مسلم ، فيراه من لم يره قط فيقول : إني لأحبُ هذا الرجل .

وقيل للحسن البصري رحمه الله : ما بالُ المتهجدين بالليل ، من أحسنِ الناس وجوهاً ؟ فقال : لأنهم خَلوا بالرحمن فألبسهم من نوره .

وأخيراً : فالفوائد والثمرات المترتبة على قيام الليل كثيرة ، مباركة عظيمة ، قد ذكرنا منها ما تيسر ، نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا من الصائمين القائمين ، القانتين الصالحين ، إنه سميع قريبٌ مجيب الدعاء .