في عالم أصبحت فيه التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياة الطلاب، تواجه المدارس تحديات جديدة تتطلب حلولًا مبتكرة ومتعاونة. مع انتشار المشتتات الرقمية والتنمر الإلكتروني والمحتوى الضار، بات واضحًا أن المدرسين وحدهم لا يستطيعون مواجهة هذه القضايا دون دعم حقيقي وفعّال.
هل تساءلت كيف يمكن للشراكات بين المدارس ومنصات التواصل الاجتماعي مثل إنستجرام أن تحوّل تجربة طلابك الرقمية إلى مساحة أكثر أمانا وتركيزا على التعليم؟ في ظل تنامي التنمر الإلكتروني والمشتتات الرقمية التي تعيق التعلّم، أطلقت شركة ميتا – بالتعاون مع منظّمتي ISTE وASCD – برنامج شراكة مدرسية يدمج أدوات السلامة الرقمية وآليات الإبلاغ الفوري للتدخل السريع.
في هذا السياق، برزت مبادرة رائدة بالشراكة بين إنستجرام والمدارس حول العالم، بهدف بناء جسور التعاون بين قطاع التعليم ومنصات التواصل الاجتماعي، لخلق بيئات رقمية أكثر أمانًا للطلاب، ودعم المربين بأدوات وإجراءات عملية تساعدهم في أداء رسالتهم التربوية والتعليمية بثقة أكبر.
يتيح هذا البرنامج للمعلمين وأولياء الأمور تطبيق إعدادات افتراضية وقائية، ويوفر موارد تعليمية وورش عمل حول المواطنة الرقمية، مما يعزز بيئة مدرسية آمنة تحمي المراهقين وتدعم نموهم الأكاديمي والعاطفي.
نأخذكم في جولة مميزة عبر هذا الحوار المفتوح مع ممثلين عن شركة إنستجرام والمدرسة، حيث نستعرض التجربة من داخل الفصل الدراسي وحتى منصات التواصل، ونتعرف على كيفية تعامل الشراكة بين التكنولوجيا والتعليم مع واقع جديد يتطلب استجابة فورية وتفكيرًا استراتيجيًا.

في هذا المقال المترجم سنتطلع على تفاصيل برنامج شراكة المدارس مع إنستجرام، ونستمع إلى صوت الميدان من خلال مدراء ومسؤولين وخبراء سلامة رقمية، وكيف بدأت المدارس تعيد تعريف “الأمان” ليشمل ليس فقط البيئة المدرسية، بل أيضًا الفضاء الإلكتروني الذي أصبح امتدادًا مباشرًا لها. فإلى المقال أو الحوار:
المدارس ومهمة حماية الطلاب من الإنترنت
باتت المدارس تجد نفسها أكثر فأكثر في الصف الأمامي لإدارة التأثيرات المتسلسلة الناتجة عن الحياة الرقمية للطلاب — بدءًا من المشتتات الرقمية التي تعيق التعلّم وصولًا إلى التنمر الإلكتروني والمحتوى الضار — ما ترك للمدرسين مهمة مواجهة هذه التحديات دون الأدوات أو السلطة اللازمة للتدخل بشكل فعّال. رداً على ذلك، قررت إحدى منصات التواصل الاجتماعي أن تتعاون مباشرةً مع المدارس لخلق مساحات رقمية أكثر أمانًا للطلاب وأنظمة أكثر استجابةً للإبلاغ عن القضايا ومعالجتها.
ولاستكشاف كيفية تشكل هذه الشراكة المدرسية، تحدث موقع إيديسورج مع “أنطيجون ديفيس”، رئيسة السلامة العالمية في شركة ميتا، و”كيفين مارتن”، مدير مدرسة باركواي نورث إيست المتوسطة في ولاية ميزوري. تتولى ديفيس قيادة الجهود المتعلقة بالسلامة عبر الفرق المختلفة، وتتأكد من أن آليات الحماية مدمجة ضمن المنتجات وسياسات الشركة. وكانت مدرّسة سابقة في المدرسة المتوسطة ومُستشارة كبار المسؤولين في وزارة العدل، مما يمنحها منظورًا مزدوجًا حول تنمية الشباب والسياسات العامة، وهو ما تحمله إلى عملها الذي يعالج التحديات المعقدة المتعلقة بالسلامة على الإنترنت.
إدارة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل آمن
أما مارتن فقد أمضى السبع سنوات الماضية في منصب المدير. وهو ملتزم بإنشاء بيئات شاملة وصارمة أكاديميًا وآمنة عاطفيًا، مع تركيز خاص على كيف تؤثر التكنولوجيا على نمو الطلاب وثقافة المدرسة. وفي بداية حياته المهنية، عمل مدرساً داخل الفصل الدراسي وقائداً تعليمياً، وهي تجارب لا تزال تشكّل منهجيته في التعامل مع المواطنة الرقمية على مستوى المدرسة بأكملها.
إيدي سورج: ما الذي ألهم فريقكم لدعم المدارس في إدارة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل آمن؟
ديفيز: لقد سمعنا من المدرسين وأولياء الأمور والخبراء أن المدارس تواجه أحيانًا صعوبة في إدارة سلوك الطلاب على الإنترنت. كما نعلم أن المدرسين يمكنهم أن يلعبوا دورًا جوهريًا في تمكين الشباب ليتمتعوا بتجارب آمنة ومسؤولة ومثمرة على الإنترنت، ونحن نأخذ ملاحظاتهم على محمل الجد.
في الآونة الأخيرة، قدمنا تجربة جديدة مخصصة للمراهقين بهدف إعطاء أولياء الأمور ضمانات بأن مراهقيهم يعيشون تجارب آمنة ومناسبة لسنهم على منصة إنستجرام، مع آليات حماية مدمجة يتم تشغيلها تلقائيًا. وبالإضافة إلى ذلك، تم تطوير برنامج الشراكة المدرسية الجديد بدعم من منظمتي ISTE+ASCD بهدف مساعدة المدرسين في الإبلاغ عن مشكلات محتملة تهدد سلامة المراهقين، بما في ذلك التنمر، مباشرةً لنا من أجل مراجعتها وإزالتها بسرعة أكبر.

تم تصميم هذه التحديثات بالتوازي لتوفير إعدادات افتراضية وقائية للشباب يمكن لأولياء الأمور التحكم بها، بالإضافة إلى قناة يلجأ إليها المدرسوّن للإبلاغ وإدارة السلوكيات غير المرغوب فيها التي قد تبدأ في المدرسة لكنها تنتهي على الإنترنت.
ما الدافع الذي جعلك تشارك في برنامج تجريبي يركز على تحسين السلامة على الإنترنت؟
مارتن: كمدير لمدرسة متوسطة، أرى بأم عيني كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل الرقمي على طلابنا، سواء من حيث الإيجابيات أو السلبيات.
انضممت إلى البرنامج التجريبي للشراكة المدرسية لأنني أؤمن بأن المدارس لا تستطيع القيام بهذا العمل بمفردها. نحن بحاجة إلى شراكات فعلية مع شركات التكنولوجيا لتقديم تعليم أفضل ودعم وحماية أطفالنا في المساحات التي يتعاملون معها يوميًا. كنت ممتنًا عندما علمت بهذا المشروع، إذ كان هذا بالفعل موضوعًا نناقشه منذ سنين، ونرى أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تكون متورطة أكثر، مع السماح للمدارس بتقليل تلك المشتتات الإلكترونية المرهقة والتي قد تكون في بعض الأحيان غير آمنة.
ما المبادرات الرئيسية التي شاركتَ فيها والهادفة إلى دعم المدارس في التنقل في البيئات الرقمية؟
ديفيز: أطلقنا مجموعة تعليمية شاملة توفر دروسًا ومواد تستند إلى البحث لمساعدة الشباب على تطوير المهارات التي يحتاجونها ليصبحوا مواطنين رقميين مسؤولين. تتضمن هذه المواد أيضًا نصائح لأولياء الأمور مواد تطوير مهني للمدرسين.
وأخيرًا، تعاوننا مع منظمة متخصصة في سلامة الأطفال لتطوير منهج مجاني يساعد طلاب المرحلة المتوسطة على البقاء آمنين على الإنترنت، بما في ذلك كيفية اكتشاف الاستغلال الإلكتروني والسعي للحصول على المساعدة. ونحن أيضًا نعمل مع منظمة وطنية تهتم بالأسر والعائلات لعقد ورش عمل في جميع أنحاء البلاد، توفر نصائح عملية للتنقل الآمن في العالم الرقمي وتدعم الفعاليات المدرسية المحلية لنشر أدوات ومواد مفيدة مع العائلات.
كيف أثرت هذه الشراكة على مجتمع مدرستك؟
مارتن: قمنا بدمج مواد الشراكة في مجلس أولياء الأمور للتكنولوجيا، وشاركنا النصائح والأدوات مع الأهالي، إلى جانب تعليم الطلاب والموظفين والعائلات كيفية الإبلاغ السريع عن المشاركات الضارة. وقد ساعدنا الانتقال إلى مدرسة خالية من الهواتف ورفع مستوى الوعي بشأن التكنولوجيا في زيادة الانخراط لدى الطلاب، وتقليل التنمر الإلكتروني، وإحداث تحول إيجابي عام في بيئة المدرسة. أصبح لدى أولياء الأمور الآن موارد تساعدهم على فهم الحياة الرقمية لأطفالهم بشكل أفضل، وشعر الموظفون بأن لديهم القدرة الأكبر على معالجة المشكلات الإلكترونية. ساعدتنا هذه الشراكة على بناء ثقافة جماعية من الوعي والمسؤولية فيما يتعلق بالسلامة الرقمية.
عندما يشعر الطلاب بأنهم مدروون ويتمتعون بالدعم، فإنهم يتخذون اختيارات جريئة، وهذا بالضبط هو هدف هذا العمل. لا نقوم فقط بسحب الأدوات من أيديهم؛ بل نجعلها مناسبة لنموهم. في عدة مناسبات، قام الطلاب والعائلات بالإبلاغ عن منشورات، واستطعنا التصرف بسرعة حتى يبقى الطلاب مركزين على التعلّم.
ما الجوانب الأكثر قيمة في البرنامج التي دعمت المدرسين والطلاب؟
مارتن: أحد أهم الجوانب في هذا البرنامج هي إمكانية الوصول المباشر إلى أدوات وقنوات تسمح لنا بالإبلاغ بسرعة عن المشاركات الإلكترونية التي تسبب اضطرابات كبيرة داخل المدرسة. في الماضي، كنا نشعر في كثير من الأحيان بعدم القدرة عندما تُنشر محتويات ضارة أو مشتتة على الإنترنت، وننتظر أيامًا للحصول على رد.
من خلال هذه الشراكة، اكتسبنا القدرة على وضع علامات على المحتوى من أجل مراجعته بسرعة، مع مسارات أوضح لإزالته أو تعليق نشره عند الحاجة. لقد حقق هذا الاختلاف الحقيقي في قدرتنا على الحفاظ على بيئة تعليمية آمنة وممركزة، وأظهر للطلاب أن رفاهيتهم مهمة، سواء داخل المدرسة أو على الإنترنت.
ما أبرز التحديات التي تواجهها المدارس فيما يتعلق بالسلامة على الإنترنت؟
ديفيز: يخبرنا المدرسون أن التنمر لا يزال مصدر قلق كبير. يجعل هذا البرنامج الجديد من الأسهل على المدرسين الإبلاغ عن التنمر على إنستجرام الذي يشمل طلابهم، بحيث يمكننا تفضيل هذه البلاغات لمراجعتها والاستجابة لها وإزالتها عند الحاجة.
كما هناك طرق مبتكرة يمكن للتكنولوجيا أن تساهم من خلالها في الوقاية من المشكلات مثل التنمر، ومساعدة الشباب على تطوير عادات إيجابية على الإنترنت. على سبيل المثال، نستخدم الذكاء الاصطناعي للكشف متى يكون شخص ما على وشك نشر تعليق غير لائق، وتشجيعه على إعادة النظر قبل النشر. كما قمنا بإطلاق ميزات تساعد المراهقين على “إيقاف التشغيل” في الليل من خلال إيقاف الإشعارات وإرسال ردود آلية للرسائل التي تأتي في أوقات متأخرة.
يمكن أن تفتح الشراكات بين شركات التكنولوجيا والمدارس طرقًا جديدة لخلق تجارب تعليمية إيجابية وجذابة. يمكن للتكنولوجيا أن تكون أداة قوية لدعم النمو الأكاديمي. تتيح لنا هذه الشراكات سماع احتياجات وتحديات المدرسين مباشرة. وتعليقاتهم توجه كل ما نقوم به. نحن ملتزمون ببناء أدوات مع المدرسين، وليس فقط لهم، ونحرص على أن تكون أصواتهم جزءًا من العملية في كل خطوة.

ما النصيحة التي تقدمها للمدارس الأخرى التي تفكر في الانضمام إلى هذه المبادرة؟
مارتن: انضموا! العمل في وقته مهم، والدعم حقيقي. السلامة على الإنترنت ليست مجرد اقتراح — بل ضرورة. المشاركة في هذا البرنامج التجريبي توفر لكم أدوات وشبكة دعم ومنصة للدفاع عن احتياجات مدرستكم في الفضاء الرقمي. والأهم من ذلك، أنها توفر للطلاب أساسًا أقوى وأكثر أمانًا للنمو والتواصل.
لا يمكننا فقط حظر الهواتف المحمولة والاعتقاد بأن ذلك سيحل جميع المشكلات. علينا استخدام جميع الموارد معًا لوضع سياسات وإجراءات مناسبة لنمو الشباب وتساعد في فهمهم لتأثير العالم الرقمي. في الماضي، كان الشخص يستطيع كتابة رسالة وإلقائها بعيدًا كي لا تُرى مرة أخرى. أما اليوم، فإن منشورًا واحدًا يمكن أن يؤدي إلى عواقب تتجاوز بكثير ما يستطيع عقل مراهق إدراكه.
بقلم: أبي ميشا