للإجابة على سؤال من هو التابعي يجب أن نتطلع على المقصود بالتابعي في أصله اللغوي والمعروف العلمي، فالتابعون: جمع تابعي، أو تابع، والتابع: اسم فاعل من “تبعه” بمعنى مشى خلفه، وفي الاصلطلاح فالتابعي هو من لقي صحابيا مسلما، ومات على الإسلام، وقيل: هو من صحب الصحابي. والتابعي في مصطلح الحديث: من لقي الصحابي، ولا يشترط طول الصحبة على الصحيح، فكل من لقي الصحابة ومات مسلمًا فهو تابعي، وبعضهم أفضل من بعض.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (نخبة الفكر ) : “التابعِي: هو مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ
وفي كلام الحاكم ما يقتضي إطلاق التابعي على من لقي الصحابي وروى عنه وإن لم يصحبه”.
وقال الخطيب: هو من صحب صحابيا، ولا يكتفى فيه بمجرد اللقي يعني بل لا بد من طول الصحبة والرواية عنه، بخلاف الصحابي فإنه يكتفى فيه بمجرد اللقاء. والسر في هذه التفرقة شرف منزلة النبي -ﷺ- وقوة تأثيره فيمن يلقاه، فالاجتماع به يؤثر في النور القلبي، والانشراح الصدري، واستقامة السلوك أضعاف ما يؤثره الاجتماع الطويل بالصحابي وغيره من الأخيار.
يقول السيوطي: “قال ابن الصلاح: مطلق التابعي مخصوص بالتابعين بإحسان، وقد عقب العراقي فقال: “إن أراد بالإحسان الإسلام فواضح إلا أن الإحسان أمر زائد عليه، فإن أراد به الكمال في الإسلام والعدالة، فلم أر من اشترط ذلك في حد التابعين، بل من صنف في الطبقات أدخل فيهم الثقات وغيرهم.
وهنا يعلق أبو شهبة فيقول: والذي يظهر لي أن مراد ابن الصلاح التابعي الذي وردت في فضله الأحاديث الصحاح والحسان والمستحق لهذا الفضل، أما من لم يستقم على الإسلام الكامل، وأساء إلى الإسلام والمسلمين، فهو بمعزل عن أن يكون من التابعين بإحسان، وذلك كالحجاج بن يوسف الثقفي، وعمرو بن سعيد الذي كان يرسل الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير، فقد أساء إلى الحرم وإلى الكعبة وإلى أهل الحرم، فابن الصلاح على حق في هذا التعبير (الوسيط في علوم ومصطلح الحديث ص541). .
ولقد أثنى الله تعالى على التابعين فقال: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } (التوبة: 100)، قال قتادة في هذه الآية: «والذين اتبعوهم بإحسان: التابعون».
وقال عكرمة في قوله تبارك وتعالى: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم}: «هم التابعون»، وقال ابن عجيبة في تفسير هذه الآية: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}: هم التابعون بإحسان إلى يوم القيامة».
وقد أثنى رسول الله – ﷺ – على التابعين فقال فيما رواه عنه عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، وجاء نحو هذه الرواية عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قالت: «سأل رجل النبي ﷺ أي الناس خير؟ قال ﷺ: «القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث» رواه الإمام مسلم في صحيحه.
طبقات التابعين
اختلف في عدد طبقاتهم، فقسمهم لعلماء كلٌّ حسب وجهته.
أ- فجعلهم مسلم ثلاث طبقات، وقد نظر إلى تفاوتهم في الفضل وجعلهم طبقات، وجعلهم ابن سعد أربع طبقات، وجعلهم الحاكم خمس عشرة طبقة، الأولى منها: من أدرك العشرة من الصحابة.
ب – ومنهم من نظر إلى التابعين على أنهم الذين لقوا الصحابة جعلهم طبقة واحدة كما فعل ابن حبان.
1- فأعلى هذه الطبقات من روى عن العشرة المبشرين بالجنة وذكر منهم: سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وقيس بن عباد، وأبا عثمان النهدي، وأبا وائل وأبا رجاء العطاردي، وأبا ساسان حصين بن المنذر وغيرهم.
قال ابن الصلاح: “وعليه في بعض هؤلاء إنكار فإن سعيد بن المسيب ليس بهذه المثابة؛ لأنه ولد في خلافة عمر ولم يسمع من أكثر العشرة”.
2 – ومن هؤلاء التابعين من ولدوا في حياة النبي -ﷺ- من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة، وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وأبو إدريس الخولاني، قال البلقيني: والأولى أن يجعل هؤلاء قبل القسم الأول إذ كيف يجعل من ولد في حياة رسول الله يلي من ولد بعده؟
قال ابن كثير: أما عبد الله بن أبي طلحة فلما ولد ذهب به أخوه لأمه أنس بن مالك إلى رسول الله -ﷺ- فحنكه وبرك عليه، وسماه عبد الله، ومثل هذا ينبغي أن يعد من صغار الصحابة لمجرد الرؤية، ولقد عدوا فيهم محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما ولد له عند الشجرة وقت الإحرام بحجة الوداع فلم يدرك من حياته -ﷺ- إلا مائة يوم، ولم يذكروا أنه أحضر عند النبي -ﷺ- ولا رآه، فعبد الله بن أبي طلحة أولى أن يعد في صغار الصحابة من محمد بن أبي بكر.
3 – المخضرمون: وهم الذين أدركوا الجاهلية زمن النبي ﷺ وأسلموا ولم يروه، ولا صحبة لهم.
وقد عدهم الإمام مسلم نحو عشرين نفسا منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة3، وعمرو بن ميمون، وأبو عثمان النهدي، وأبو الحلال العتكي، وعبد خير الخيواني، وربيعة بن زرارة.
من هو أفضل التابعين؟
إن المشهور من أقوال العلماء أن أفضل التابعين هو سعيد بن المسيب، قاله أحمد بن حنبل وغيره.
وقال أهل البصرة: الحسن البصري.
وقال أهل الكوفة: علقمة بن قيس، والأسود، وقال بعضهم: أويس القرني.
وقال أهل مكة: عطاء بن أبي رباح.
قال العراقي: الصحيح بل الصواب ما ذهب إليه بعض أهل الكوفة لما روى مسلم في صحيحه بسنده عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: “إن خير التابعين رجل يقال له: أويس القرني، وله والدة وكان به بياض فمروه أن يستغفر لكم” ، وفي الرواية الأخرى أن الفاروق عمر صار يسأل عنه حتى لقيه، فقال له: أنت من مراد، ثم من قرن؟ قال: “نعم”، وفيها: “إن له والدة هو بار بها لو أقسم على الله لأبره”، فطلب منه عمر أن يستغفر له، فاستغفر له، فقال له أين تريد: قال: الكوفة، فقال له: أكتب لك إلى عاملها قال: لا، أكون في غبراء الناس وعامتهم”.
ثم قال العراقي: فهذا قاطع للنزاع قال: وأما تفضيل أحمد لابن المسيب فلعله لم يبلغه الحديث … أو أراد بالأفضلية في العلم لا الخيرية وقال البلقيني: والأحسن أنه يقال: “الأفضل من حيث الزهد والورع أويس، ومن حيث حفظ الخبر والأثر سعيد”، وقال أحمد: ليس أحد أكثر فتوى في التابعين من الحسن وعطاء، وكان عطاء مفتي مكة، والحسن مفتي البصرة”، وهذا الذي ذكره البلقيني هو ما أذهب إليه.
أما عن أفضل التابعيات، فقال أبو بكر بن أبي داود: “سيدتا التابعيات حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وتليهما أم الدرداء”.
من هم “الفقهاء السبعة” من التابعين؟
ومن أكابر التابعين وأعلمهم الفقهاء السبعة بالمدينة، وهم:
1- سعيد بن المسيب.
2- والقاسم بن محمد بن أبي بكر.
3- وعروة بن الزبير.
4- وخارجة بن زيد.
5- وسليمان بن يسار.
6- وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
7- وقد اختلفوا في السابع، فقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وقيل أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي.
ما أشهر مصنفات في تاريخ التابعين؟
ومن أشهر المصنفات في تاريخ التابعين وطبقاتهم: كتاب “معرفة التابعين” لأبي المطرف بن فطيس الأندلسي.
- كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ، وهو كتاب مسند مطبوع، وأكمله بتحقيق: علي بن محمد عمر
- كتاب الطبقات لخليفة بن خيّاط – شيخ البخاري.
- كتاب التاريخ الكبير وكتاب التاريخ الأوسط وكتاب التاريخ الصغير وثلاثتها للبخاري.
- كتاب الطبقات للإمام مسلم.
- كتاب تذكرة الحفاظ، وكتاب سير أعلام النبلاء، وكتاب تاريخ الإسلام، وكتاب ميزان الاعتدال في نقد الرجال وأربعتها للحافظ الذهبي.
مراجع :
تيسير مصطلح الحديث المؤلف: أبو حفص محمود بن أحمد بن محمود طحان النعيمي الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع الطبعة: الطبعة العاشرة 1425هـ-2004م
موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر