اصطفى الله سبحانه وتعالى من  أصحاب النبي الله صلى الله عليه وسلم عشرة  بشرهم بدخول الجنة  في حديث واحد الذي سيأتي ذكره، فمن هم هؤلاء العشرة المبشرون بالجنة ، أسماؤهم ونبذة عن سيرتهم ومنزلتهم في الإسلام حتى نالوا هذا الشرف العظيم بالبشارة في الحياة الدنيا.

العشرة المبشّرون بالجنّة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المذكورون في الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «‌أَبُو ‌بَكْرٍ ‌فِي ‌الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ.. » رواه الترمذي وأحمد بإسناد صحيح.

تعتبر هذه القائمة من أعظم الأسماء في تاريخ الإسلام والتي تشهد بتفانيهم وإخلاصهم للدين وشهدوا العديد من الأحداث الهامة في تاريخ المسلمين

1- أبوبكر الصديق

اسمه عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وينتهي نسبه إلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ويلتقي في نسبه مع النبي (صلى الله عليه وسلم) عند مرة بن كعب، وينسب إلى “تيم قريش“، فيقال: “التيمي”.

أبو بكر هو أفضل هذه الأمة بالإجماع، فقد جاء في الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كنا نقول ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – حي: أفضل أمة النبي – صلى الله عليه وسلم – بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان».

ويكفي في بيان فضله ومكانته في الإسلام أنه أحب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، رفقد جاء في الحديث الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر”. متفق على صحته

وكان أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال، ودخل الإسلام طواعية، قال عروة بن الزبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار. فقد اتجر إلى بصرى غير مرة، وأنه أنفق أمواله على النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر”.

اختاره المسلمون خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم وأميرا عليهم بالإجماع لأنه الأصلح لهذا المنصب أن يدير أمور المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذت له البيعة العامة في المسجد بعد اجتماع سقيفة بني ساعدة.

وكان أبوبكر أعدل سمتا وأقرب صفة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فكان رجلا عاقلا سديد الرأي وقد كان في بعض الأحيان شديد الحذر والحيطة في إدارته لكنه كان شريف الأغراض غير محب للذات، ساعيا للخير لا لمصلحته الذاتية فلم يبتغ من وراء حكمه مطامح دنيوية بل كان لا يهمه الغنى، زاهدا في الفخر، راغبا عن اللذات ولم يقبل أجرا على خدماته غير مبلغ زهيد يكفي لمعاش رجل عربي عادي ولم يكن له سوى جمل وعبد، وكان يوزع ما كان يرد إليه في كل يوم جمعة إلى المحتاجين، والفقراء، ويساعد المعوزين بماله الخاص[1].

أقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الخلافة سنتين وأربعة أشهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، سنة ثلاث عشرة، وعهد بالأمر بعده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتب له الأمر بذلك.

2- عمر بن الخطاب

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أمير المؤمنين ، أبو حفص القرشي العدوي ، الفاروق رضي الله عنه . استشهد في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.

اعتز المسلمون بإسلام عمر بن الخطاب، وقد وقع الإسلام في قلبه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: “اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب”.

قال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر.

وقال سعيد بن جبير: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين} [التحريم: 4] ، نزلت في عمر خاصة.

وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.

ولما أسلم عمر رضي الله عنه كبّر أهلُ الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، وقال: “يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حَيِينا؟ “، قال: “بلى، والذي نفسي بيده”، قال: “ففيمَ4 الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن”، قال عمر: “فأخرجناه في صَفَّين، حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كَدِيد ككديد الطَّحين، حتى دخل المسجدَ، فنظرت قريش إلى حمزة وعمر فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، قال: فسمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ الفاروق، وفرّق الله بي الحقّ والباطل[2].

كان عمر بن الخطاب موصوفا في القرآن الكريم بصالح المؤمنين، وكان أفضل هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر الصديق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (إذا سلكت فجاً سلك الشيطان فجاً غير فجك) رضي الله عنه وأرضاه، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان في الأمة ملهم لكان عمر بن الخطاب) رضي الله عنه وأرضاه، وهناك رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو كان نبي بعدي لكان عمر)، وهي رواية صحيحة، صححها الشيخ الألباني.

وقال علي -رضي الله عنه- بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد ابي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته.. وهذا القول متواتر عن علي[3].

ولي الخلافة عشر سنين ونصف، وكان أوّل كلام تكلم به عمر حين استلم الخلافة، صعد المنبر أن قال: “اللهم إني شديد فليّنّي، وإني ضعيف فقوّني، وإني بخيل فسخّني”.

استشهد سنة ثلاث وعشرين إثر طعنة طعنها عدو الله أبولؤلؤة المجوسي وكان غلاما يعمل عند المغيرة بن شعبة. قال عمر حين أخبر أن أبا لؤلؤة هو الذي طعنه: “الحمد لله الذي قتلني من لا يحاجني عند الله بصلاة صلاها”. وكان مجوسيّاً.

3- عثمان بن عفان

عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، أمير المؤمنين ، أبو عمرو ، وأبو عبد الله ، القرشي الأموي .

عثمان بن عفان رضي الله عنه هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، من السابقين إلى الإسلام، وثالث الخلفاء الراشدين، في عهده تم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد. لُقب “ذو النورين” لأنه تزوج أثنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم ( رقية وأم كلثوم). كان أول مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة.

وكان عثمان قد عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وأجازه. وعليه عرض عدد من التابعين منهم أبو عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش.

وعثمان أحد السابقين الأولين، وذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدم الجابية مع عمر. وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يكنى، وبابنه عمرو.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يشبه عثمان بن عفان بنبي الله إبراهيم عليه السلام، وسمي بذي النورين لزواجه بابنتي الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكان عثمان معطاءا ينفق جل ماله في سبيل الله، حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لعثمان. جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه، حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقلبها بيده ويقول: “ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم”.

عن أبي هريرة قال: اشترى عثمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة.

قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه محبوسا في بيته من قبل الثوار عليه الذين أتوا من خارج المدينة المنورة، وكان يختم القرآن كاملا في اليوم الواحد، قتل سنة 35 للهجرة النبوية صابرا محتسبا، وكان بيده مصحفا يقرأ منه، ثم ضربوه فجرى الدم على المصحف على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [البقرة: 137].

4- علي بن أبي طالب

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أبو الحسن القرشي رابع الخلفاء الراشدين، ابن عم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وزوج ابنته فاطمة، وأخو جعفر بن أبي طالب، وأبو الحسن والحسين، وأول من أسلم من الصبيان، وبطل غزوة خيبر، وفدائي رسول اللَّه ليلة الهجرة، وأحد الذين شهد بدر، وأحد الصحابة الذين بايعوا بيعة الرضوان تحت الشجرة.

عن محمد القرظي، قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال: وازر ابن عمك وانصره وأسلم علي قبل أبي بكر.

وكان علي صاحب لواء رسول الله صلى الله يوم بدر، وفي كل مشهد. قال أبو هريرة وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: “لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه”. قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ قال: فدعا عليا فدفعها إليه.

وهو أحد الصحابة من العشرة المبشرين بالجنة، فعن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نخيل امرأة من الأنصار، فقال: “يطلع عليكم رجل من أهل الجنة”. فطلع أبو بكر، فبشرناه، ثم قال: “يطلع عليكم رجل من أهل الجنة”. فطلع عمر فبشرناه، ثم قال: “يطلع عليكم رجل من أهل الجنة”، وجعل ينظر من النخل ويقول: “اللهم إن شئت جعلته عليا”. فطلع علي رضي الله عنه. قال الذهبي: حديث حسن.

وكان ممن بايع أبا بكر الصديق خليفة النبي، ولم ينازعه عليه خلافا لما ينشره بعض الفرق، بل بايع مرتين، جاء في البداية والنهاية: وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأننا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي.

قال ابن كثير معلقا: وهذا اللائق بعلي، رضي الله عنه، والذي تدل عليه الآثار: من شهوده معه الصلوات، وخروجه معه إلى ذي القصة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سنورده، وبذله له النصيحة والمشورة بين يديه، وأما ما يأتي من مبايعته إياه بعد موت فاطمة – وقد ماتت بعد أبيها، عليه الصلاة والسلام، بستة أشهر – فذلك محمول على أنها بيعة ثانية كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث[4].

وبايع المسلمون علي بن أبي طالب بالخلافة سنة خمس وثلاثين للهجرة بعد موت الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه شهيدا محتسبا، المهاجرين منهم والأنصار، وقد اجتمع أمر الأمة بخلافته ثم حدثت فتن واقعة الجمل وصفين.

استسهد علي رضي الله عنه بالكوفة وهو خارج لأداء صلاة الفجر، على رأس أربعين سنة للهجرة النبوية، بضربة من عبد الرحمن بن ملجم على الدماغ، وكان من الخوارج، ثم أمسكه الناس وعذبوه وقتلوه.  

5- طلحة بن عبيد الله

 طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد القرشي التيمي. من السابقين إلى الإسلام، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وطلب اختيار أحدهم للخلافة بعده.

صحب طلحة بن عبيد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسن صحبته حتى توفي وهو عنه راض له عدة أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وكان يعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض؛ لكثرة بره، وكثرة جوده. أسلم قديما على يدي أبي بكر الصديق. فكان نوفل بن خويلد بن العدوية يشدهما في حبل واحد، ولا تستطيع بنو تيم أن تمنعهما منه، ولذلك كان يقال لطلحة وأبي بكر: القرينان.

وقد هاجر وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي أيوب الأنصاري، وشهد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المشاهد كلها إلا بدرا، فإنه كان بالشام في تجارة.

كان طلحة بن عبيد الله ممن سبق إلى الإسلام، وأوذي في الله وصبر، ثم هاجر، فاتفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام، وتألم لغيبته، فضرب له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسهمه، وأجره.

وشلت يداه في غزوة أحد مما وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جابر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله)[5]. وكان الصديق إذا حدث عن يوم أحد يقول: ذاك يوم كان كله لطلحة.

فلما كانت قضية عثمان اعتزل عنه، فنسبه بعض الناس إلى تحامل عليه ; فلهذا لما حضر يوم الجمل واجتمع به علي فوعظه، تأخر فوقف في بعض الصفوف، فجاءه سهم غرب فوقع في ركبته، وانتظم السهم مع ساقه خاصرة الفرس، فجمح به حتى كاد يلقيه وجعل يقول: إلي عباد الله. فأدركه مولى له فركب وراءه وأدخله البصرة، فمات بدار فيها[6]. وتوفي سنة ست وثلاثين من الهجرة.

6- سعيد بن زيد

سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو الأعور، القرشي، العدوي.

أحد العشرة المبشرين والمشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الأولين البدريين، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه

شهد المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشهد حصار دمشق، وفتحها، فولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح، فهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الأمة.

وكان والده زيد بن عمرو ممن فر إلى الله من عبادة الأصنام، وساح في أرض الشام يتطلب الدين القيم، فرأى النصارى واليهود، فكره دينهم وقال: اللهم إني على دين إبراهيم، ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم -عليه السلام- كما ينبغي، ولا رأى من يوقفه عليها، وهو من أهل النجاة، فقد شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه: (يبعث أمة وحده)[7].

أسلم سعيد بن زيد بن عمرو قبل دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم، وشهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

قدم هو وطلحة بن عبيد الله بعد وقعة بدر الكبرى، وضرب لهما الرسول صلى الله عليه وسلم سهما وأجرا، لأنهما كانا بالشام يتجسسان خبر عير قريش، لكنهما رجعا إلى المدينة يوم الوقعة، لذلك أعطاهما النبي صلى الله عليه وسلم السهم.

ولم يكن سعيد بن زيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة، وإنما تركه عمر -رضي الله عنه- لئلا يبقى له فيه شائبة حظ، لأنه ختنه وابن عمه[8].

مات سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين من الهجرة بالعقيق، فغسله سعد بن أبي وقاص وكفنه، وخرج معه.

7- الزبير بن العوام

الزبير بن العوام (حواري الرسول صلى الله عليه وسلم)

الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. حواري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى.

والزبير بن العوام أول من سل سيفا في سبيل الله، وذلك بمكة حين بلغ الصحابة أن رسول الله قد قتل فجاء الزبير شاهرا سيفه حتى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشام سيفه

وكان لا يحدث بما سمع عن الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يتورع من أن يكذب على الرسول فينسب إليه قولا لم يقله.

كان أحد الفارسين يوم بدر، الذين خرجا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وكان الزبير على فرس، على الميمنة، والمقداد بن الأسود على فرس، على الميسرة.

كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزلت الملائكة كذلك.

ولما انصرف المشركون من أحد، وأصاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: (من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة؟) .

فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار المشركين، فسمعوا بهم، فانصرفوا. قال تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} [آل عمران: 174] لم يلقوا عدوا .

وقد ثبت في مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم يسميه حواريه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي حواري، وحواري الزبير) أي الناصر أو الخالص من كل شيء.

والزبير بن العوام من أحد شجعان العرب، قال الثوري: هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة حمزة، وعلي، والزبير.

وقال عروة بن الزبير: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.

وكان الزبير يعيل بعض أهالي الصحابة تنفيذا لوصاياهم قبل موتهم، قال عروة بن الزبير: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة، منهم: عثمان، وابن مسعود، وعبد الرحمن، فكان ينفق على الورثة من ماله، ويحفظ أموالهم.

وخرج مع الناس إلى الشام مجاهدا، فشهد اليرموك فتشرفوا بحضوره، وكانت له بها اليد البيضاء، والهمة العلياء، اخترق جيوش الروم وصفوفهم من بين الناس مرتين من أولهم إلى آخرهم.

وكان من جملة من دافع عن عثمان وجاحف عنه. فلما كان يوم الجمل ذكره علي بما ذكره به – كما تقدم – فرجع عن القتال، وكر راجعا إلى المدينة، فمر بقوم الأحنف بن قيس – وكانوا قد اعتزلوا الفريقين، فاتبعه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس، ونفيع في طائفة من غواة بني تميم، فيقال: إنهم لما أدركوه تعاونوا عليه حتى قتلوه.

مات الزبير بن العوام شهيدا وقد ترك مالا كثيرا جدا ومآثر كبيرة، وكان قتله يوم الخميس، سنة ست وثلاثين، وكان أسمر ربعة من الرجال، معتدل اللحم خفيف اللحية، رضي الله عنه.

8- أبو عبيدة بن الجراح

أبو عبيدة بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي، الفهري، المكي.

أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن عزم الصديق على توليته الخلافة، وأشار به يوم السقيفة؛ لكمال أهليته عند أبي بكر. يجتمع في النسب هو والنبي -صلى الله عليه وسلم- في فهر.

شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وسماه: أمين الأمة، ومناقبه شهيرة جمة، وغزا غزوات مشهودة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي عبيدة: «إن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» ثبت ذلك في ” الصحيحين “.

وثبت في ” الصحيحين ” أيضا أن الصديق قال يوم السقيفة: وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوه. يعني عمر بن الخطاب وأبا عبيدة.

وبعثه الصديق أميرا على ربع الجيش إلى الشام، ثم لما انتدب خالدا من العراق كان أميرا على أبي عبيدة وغيره، لعلمه بالحروب. فلما انتهت الخلافة إلى عمر عزل خالدا وولى أبا عبيدة بن الجراح، وأمره أن يستشير خالدا، فجمع للأمة بين أمانة أبي عبيدة وشجاعة خالد.

كان أبو عبيدة طوالا نحيفا، أجنأ معروق الوجه، خفيف اللحية، أهتم؛ وذلك لأنه لما انتزع الحلقتين من وجنتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم أحد خاف أن يؤلم رسول الله، صلى الله عليه وسلم،، فتحامل على ثنيتيه فسقطتا، فما رئي أحسن هتما منه.

توفي بالطاعون عام عمواس، كما تقدم سياقه في سنة سبع عشرة، عن سيف بن عمر – والصحيح أن عمواس كانت في هذه السنة سنة ثماني عشرة – بقرية فحل.

9- عبد الرحمن بن عوف

عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، أبو محمد القرشي الزهري.

هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، وآخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين سعد بن الربيع، وشهد بدرا وما بعدها، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بعثه إلى بني كلب، وأرخى له عذبة بين كتفيه؛ لتكون أمارة عليه للإمارة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى.

قال الزهري: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، بشطر ماله؛ أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفا، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة.

ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار – وكانوا مائة – فأخذوها حتى عثمان وعلي.

وقال علي: اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها، وسبقت رنقها. وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كثير حتى كانت عائشة تقول: سقاه الله من السلسبيل. وأعتق خلقا من مماليكه، ثم ترك بعد ذلك كله مالا جزيلا.

ومن أفضل أعمال عبد الرحمن بن عوف عزله نفسه من الأمر وقت الشورى، واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان، ولو كان محابيا فيها لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمه، وأقرب الجماعة إليه، سعد بن أبي وقاص[9].

وكان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وعمر، بما سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة رضي الله عنه وأرضاه.

10- سعد بن أبي وقاص

سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لأي، الأمير، أبو إسحاق القرشي، الزهري، المكي.

أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدرا، والحديبية، وأحد الستة أهل الشورى. قال سعد عن نفسه: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت، ولقد مكثت سبع ليال، وإني لثلث الإسلام.

سعد بن أبي وقاص هو الذي مصر الكوفة ونفى عنها الأعاجم، وكان مجاب الدعوة، وهاجر وشهد بدرا وما بعدها، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان فارسا شجاعا من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في أيام الصديق معظما جليل المقدار، وكذلك في أيام عمر، وقد استنابه على الكوفة، وهو الذي فتح المدائن وكانت بين يديه وقعة جلولاء وكان سيدا مطاعا، وعزله عمر عن الكوفة عن غير عجز ولا خيانة، ولكن لمصلحة ظهرت لعمر في ذلك، وقد ذكره في الستة أصحاب الشورى، ثم ولاه عثمان الكوفة بعدها، ثم عزله عنها[10].

قال سعد بن أبي وقاص: إني لأول رجل رمى بسهم في المشركين، وما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد قبلي، ولقد سمعته يقول: «ارم فداك أبي وأمي “.»

كان سعد بن أبي وقاص مم الساعين المصلحين في فتنة علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين.

ولما حضرت سعدا الوفاة دعا بخلق جبة فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت فيها المشركين يوم بدر، وإنما كنت أخبئها لهذا اليوم.

وكانت وفاة سعد بالعقيق خارج المدينة، فحمل إلى المدينة على أعناق الرجال، فصلى عليه مروان، وصلى بصلاته أمهات المؤمنين الباقيات الصالحات، ودفن بالبقيع، وكان ذلك سنة خمس وخمسين، وقد جاوز الثمانين، على الصحيح. وهو آخر العشرة وفاة. رضي الله عنه وعنهم أجمعين.