عندما يشعر الأطفال بأنهم يتعرضون لصف بالمشاعر القوية والصعبة، قد يشعرون بالعجز، وكأنّه لا سبيل لهم للخروج من هذه العاصفة. وكآباء، نعلم أن هناك استراتيجيات فعّالة، لكن معرفة أيٍّ منها نستخدم في اللحظة المناسبة قد يكون أمرًا مُربكًا.
في كتابه الجديد “Shift: Managing Your Emotions – So They Don’t Manage You”، “التحوّل: إدارة عواطفك حتى لا تُديرك”، يعرض عالم الأعصاب إيثان كروس أحدث الأبحاث حول تنظيم المشاعر. كما يقدم منظورًا لوظائف المشاعر وينصحنا بعدم قمع المشاعر الصعبة. وبدلًا من ذلك، يقول بدلاً من ذلك، يقول إن علينا أن ننتبه حين تصبح شدة هذه المشاعر أو مدّتها مُضرة لنا أو لأطفالنا، وأن نستمر في جمع مجموعة متنوعة من الأدوات لمنع هذه المشاعر من الوصول من بلوغ ذروتها..
ما يحتاج الأطفال معرفته عن المشاعر
قبل الشروع في أي حديث حول استراتيجيات التعامل مع المشاعر، يريد كروس أن يفهم الآباء والأطفال هذا الأمر: «كل المشاعر مفيدة بجرعاتها المناسبة». ليس هناك ما يخجل منه إن شعرت بالألم أو الحسد أو الخوف. ولدى الأطفال والمراهقين، “من المريح أن تعرف أنه إذا شعرت بالقلق أحيانًا – أو بالحزن أو الغضب أو أي شعور سلبي آخر – فأهلاً بك في التجربة الإنسانية”.

تؤدي المشاعر وظائف حيوية من خلال تزويدنا بمعلومات نافعة. فالخوف يوقظنا لمواجهة الخطر. والغضب قد يشير إلى شعورنا بظلم الوضع. والوحدة تدفعنا إلى السعي نحو التواصل الإنساني. ووصف كروس الحزن بأنه استجابة لتغيّر في طريقة تجربتنا للعالم:
“لنفترض أنك خسرت شخصًا تحبه أو رفضك أحدهم. لقد تغيّر عالمنا الآن، ونحتاج إلى إعادة فهم ما يحدث.”
“لذا يظهر هذا الاستجابة العاطفية التي تحثنا على الانسحاب، وتوجيه انتباهنا إلى داخلنا لمحاولة استيعاب المعنى من الموقف.”
علاوة على ذلك، تعبيرات الجسد المرتبطة بالحزن ترسل أيضًا إشارات للآخرين بأننا بحاجة إلى الدعم. وما إن تدرك الوظائف المختلفة للعواطف، كما يقول كروس، “سيصبح من الأسهل كثيرًا فهم الدور الذي تلعبه في حياتنا وحياة أطفالنا”.
يريد كروس أيضًا أن يعرف الأطفال أن “هناك جوانب من تجربتك العاطفية لا يمكنك التحكم بها، وجوانب يمكنك التحكم بها.” فمثلًا، لا يمكننا التحكم في الاستجابة العاطفية الفورية عندما نسمع صوتًا مفاجئًا. ولكن حينما تنشط هذه العاطفة، يمكننا “تحويل مسارها” — وهنا يكمن دورنا الفاعل.
يخبرني كروس أنه في بعض الأحيان يختار عدم تحويل عاطفة صعبة. فمثلًا، إذا كان أمامه موعد نهائي مهم، سيشعر ببعض القلق — لكنه لا يريد التخلص من هذا الشعور لأنه يساعده على التركيز.
“العاطفة تدفعني إلى الاستعداد. لا تريد أن تطفئها تمامًا، لكنك تريد خفض شدتها.”
شدّة ومدّة المشاعر
فمتى نستخدم أدوات تنظيم المشاعر أو نتدخل لمساعدة الأطفال على استخدامها؟
“عندما تصبح العاطفة كبيرة جدًا أو تدوم طويلًا” — هذان هما الدليلان الواضحان على أن عواطفك قد تحتاج إلى بعض التنظيم، كما يقول كروس.
ويعد هذا معيارًا مفيدًا للآباء أيضًا: لا نريد حجب المشاعر الصعبة عن الأطفال، لكننا نريد مراقبة شدتها ومدتها.
تحويل المشاعر لا يعني قمعها أو إنكارها، بل يعني أننا نستطيع اتخاذ خطوات لـ”تغيير مسارها” عندما تتداخل مشاعرنا مع أهدافنا أو رفاهيتنا.

وبحسب كروس، “لا توجد حلول جاهزة تناسب الجميع” لإدارة العواطف. غالبًا ما يلح الناس عليه ليسمي أفضل استراتيجيتين أو ثلاث، لكن أبحاثه وجدت تفاوتًا هائلًا في الأدوات التي تفيد الأشخاص. وحتى “شخص واحد” قد تختلف الأدوات التي يستفيد منها من يوم إلى آخر. لذا فإن امتلاك مجموعة متنوعة من الأدوات وتجربتها يعزز قدرتنا على عيش حياة عاطفية صحية.
استخدام الحواس للتنقل بين المشاعر
يصف كروس في كتابه عدة استراتيجيات قائمة على الأبحاث للتحوّل، ومنها نظامنا الحسي الذي لا يحظى بالاهتمام الكافي. يستخدم البشر حواسهم الخمس لتقييم بيئتهم بسرعة.
“هذا الأمر بدائي للغاية” — كما يقول كروس — “نحتاج إلى معرفة ما إذا كان ينبغي علينا الاقتراب أو التجنّب.”
وبسبب دور الحواس في حمايتنا، فهي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشبكات الدماغ العاطفية. فحين نشم رائحة عفنة، يتولد لدينا فورًا شعور بالاشمئزاز. وحين نسمع تغريد طائر جميل أو نرى غروب شمس، نشعر بالرهبة.
“حتى اللمس” — يضيف كروس — “فالأشياء الدافئة والناعمة تختلف عن الباردة والخشنة. كل هذه الأحاسيس تحرك عواطفك بسرعة فائقة.”
يرتبط ذلك ارتباطًا لا واعيًا بالمشاعر، ما يعني أنه يمكننا استخدام حواسنا بوعي لدعم صحتنا العاطفية.
“فكر في ملء منزلك بالروائح المناسبة وتشغيل الموسيقى الملائمة في الخلفية؛ هذه أشياء غير مجهدة يمكننا فعلها لتحويل المشاعر، وهي مورد لا يُستغل كفاية.”
بصفتك والدًا لمراهقين، يتقمص كروس دور الدي جي. فإذا أراد تحوّل المزاج، قد يشغل أغاني تايلور سويفت في السيارة، أو حتى يضيف لمسة مرحة بالغناء أو الرقص، ليُضفي على التجربة العاطفية بعدًا فكاهيًا. ومعلمو رياض الأطفال يدركون قوة “أغنية الاستراتيجية”، كأغنية الترتيب، التي تحوّل مهمة مملة إلى لحظة مرحة.
عندما يمر الأطفال بلحظة عاطفية قوية، قد تبدو بعض الاستراتيجيات المثبتة — كالتنفّس العميق أو التدوين — بعيدة المنال لهم، فهي تتطلب جهدًا أو اتباع خطوات. أما العمل مع النظام الحسي، فيمكن أن يكون طريقة أولية لتخفيف حدة العاطفة دون عناء كبير. وهكذا، تقدّم حواسنا “أدوات عرضية لإدارة المشاعر”.

يمكن للآباء استخدام الشبكة الحسية لدعم عواطف الأطفال بشكل خفي. فكر في إشعال شمعة معطرة مفضلة أثناء أداء الواجب، أو مدّ يدك لمسح ظهورهم أثناء الجلوس على الأريكة، أو خفض إضاءة الحمام خلال وقت الاستحمام، أو إحضار دمية ناعمة تحتضنها أثناء النوم.
لا توجد وصفة واحدة تناسب الجميع؛ فبعض الأطفال يفضلون الضغط الجسدي — كنقلة احتضان قوية أو بطانية ذات وزن — بينما يشعر آخرون بعدم ارتياحٍ للاتصال الجسدي ويجدون القفز على ترامبولين صغير أو التأرجح أكثر تهدئة.
يمكن للآباء إشراك أطفالهم ومراهقيهم في التفكير بأدوات حسية خاصة بهم: ما الأغاني التي يضيفونها إلى قائمة “أنا الآن أشعر بـ…”؟ ما الأحاسيس الجسدية التي ترفع من معنوياتهم؟ وما المشاهد والمذاقات والروائح التي يجدونها مريحة أو مجددة للنشاط؟ وبالطبع، الخروج إلى الطبيعة يُفعّل الحواس الخمس كلها، ومن هنا ترابط الوقت في الطبيعة مع الصحة النفسية.
نمذجة تنظيم المشاعر
كآباء، غالبًا ما نكون منبهرين باحتياجات أطفالنا لدرجة أننا ننسى أحيانًا أن “قيادة الآخرين تبدأ بقيادة الذات بفعالية”، كما يقول كروس.
“التركيز على كيفية إدارة عواطفك الخاصة هو، في رأيي، خطوة أولى مهمة لمساعدة أطفالك على إدارة عواطفهم.”
وهذا صحيح لسببين. أولًا، الأطفال يتعلّمون بالملاحظة؛ فإذا أبقينا عواطفنا في نسبها المناسبة في مختلف الظروف، سيتعلمون ضمنيًا “هذا هو الأسلوب الصحيح”، بدلاً من رؤية انفجارات انفعالية قد لا تكون بنّاءة. ثانيًا، عندما نتعلم كيفية التعامل مع عواطفنا، نصبح أكثر وعيًا وتريثًا عند مساعدة الأطفال على فعل الشيء نفسه. وتذكّر، كما يؤكد كروس، أن الهدف ليس التخلص من هذه المشاعر الصعبة، بل “العمل معها بمهارة أكبر”.
بقلم: ديبورا فارمر كريس5>