اقرأ أيضا:
و مثال ذلك العالمة فاطمة البطايحي التي درست الحديث في المسجد النبوي في القرن 15 و أجازت أئمة الرجال في عصرها، و فاطمة الحرازي التي عُرفت بمحدثة الحرمين و مسندة مكة و تولت التدريس بالحرم الشريف، و فاطمة السمرقندي التي مارست القضاء و الإفتاء في سمرقند.
و يضيف الدكتور الندوي أن وضع النساء و التعليم ما تدهور الا في عصور الإنحطاط و الاستعمار و هذه الدراسة العلمية تبدو متناقضة تماما مع بعض الأراء في عالمنا العربي عن عدم أهلية المراة لإعطاء الفتوى حتى لو كانت متخصصة في العلم الشرعي! و أن النساء قد يصلحن لتبوأ مراكز وظيفية في الجامعات و لكن هذا لا يعني انهن حصلن العلم الشرعي و لديهن القدرة على التدريس و الإفتاء.
يبدو طبيعيا أن يصدر خطاب الانتقاص و الذم هذا من الغرب و المستشرقين فليس بعد الكفر ذنب، و من يعاديك في الدين لن يرقب ذمة في الإناث و لا في الذكور، و لكن أن يصدر هذا عن بعض علمائنا و مشايخنا الأفاضل فهذا ما لا يمكن فهمه و لا قبوله و هم يعلمون أن الخطاب الرباني في التكليف و التشريف ما فرق بين أنثى أو ذكر، و إن كان جعل التقديم للذكر في بعض المواضع فهي مواضع مسؤولية و زيادة أعباء.
و قد قرنت الأية الكريمة في سورة الأحزاب بين الرجال و النساء في كل مواضع الإيمان و العمل فقال تعالى : ” إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما” ، و شهدت سيرة المعلم الأعظم صلى الله عليه و سلم تفرغه لتعليم النساء و ثناءه عليهن و قيامه باستفتائهن و الصحابة و الخلفاء من بعده والعمل برأيهن كما فعل مع أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية.
و كذلك فعل الصحابي عبد الرحمن بن عوف، المبشر بالجنة، في أمر الخلافة بعد عمر بن الخطاب إذ قال : ” و الله ما تركت ذا رأي من الرجال، و لا صاحبة فضل من النساء الا و أخذت رأيه و رأيها” ، و غيرها الكثير من الأمثلة التي تؤكد خصوصية فتاوى النساء و فقه النساء و أن استفتاء النساء للنساء أحفظ للحياء و أكثر تحقيقا للمصلحة.
و لعل الرد الأبلغ هو وصية الرسول صلى الله عليه و سلم للمسلمين رجالا و نساء بتعلم أمور دينهم من السيدة عائشة رضي الله عنها، و قد يحتج البعض بحصر هذه المنزلة على أم المؤمنين التي فاقت نساء الدنيا بكمالها كما جاء في الحديث، و أن نساء المسلمين لسن مثلها، و هذا صحيح و لكن الرسول ضرب المثال لتقتدي به النساء.
و من المعلوم أن القدوة و الأسوة تفوق دائما من يقتدي بها و ترفع سقف العلم و العمل و صحيح أن بعض النساء الدارسات للعلم الشرعي قد يفتين فيضللن و يُضللن، و لكن هذا ليس حكرا على النساء و لا يختص بجنس دون آخر، فالضلالة و الجهالة أمر إنساني يشترك في جرمه الرجال و النساء و كل من زاغ عن هدي الله و صراطه المستقيم و العلماء أدرى أن الشاذ من الأحوال لا يؤخذ عند التقعيد، و لا يُحكم على الصحيح بالخطأ، و لا يعمم على العالمات المسلمات بتقصير بعض من يدعين العلم.
و إرث الكمال لا تفسده فتاوى أو تصرفات من نقصت حقا في دينها و عقلها إن من يبخس المرأة أيا كان موضعها، فهو إنما يبخس الأم التي تخلق في رحمها، و الزوجة التي أحسنت صحبته و سكن إليها، و الابنة التي تتطلع إليه بعين القدوة و البر إننا و إن لم نملك جميع دلالات العلم الشرعي لنعلم و نفهم عن ربنا الذي كرمنا في أصل الخليقة فقال سبحانه : ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة” و ان أي وضع من قدرنا ما هو الا اجتهاد بشري لم يستنر بنور الله و لا بهدي رسوله.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين