للقلب في الإسلام منزلة عظيمة فهو محل نظر الله تعالى، كما جاء في بعض أحاديث الرسول ﷺ «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ»[1] وبصلاحه تصلح دنيا الإنسان وأخراه وحياته الخاصة والعامة ويستطيع القيام بالواجبات المكلف بها، وبفساد القلب يفسد السلوك الإنساني وتتحول الحياة إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف ويفقد الإنسان إنسانيته، ولذلك اعتنى العلماء والمربون بأحوال القلب وصحته وأمراضه؛ ومن هذه الأمراض المؤذية: قسوة القلب، فما حقيقتها؟ وماذا قال رسول الله عن قسوة القلب؟
ما مفهوم قسوة القلب؟
القاف والسين والواو تدل على الشدة والصلابة، وفي القرآن الكريم {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [البقرة: 74]
وقسوة القلوب: تلك التي لا تستجيب لأمر الله عز وجل ولا تعود إليه سبحانه بالتوبة والإنابة، وهي القلوب التي لا تدرك الخير وإذا أدركته لا تفعله، ليس فيها لين ولا رحمة ولا خشوع، كما أنها لا تتأثر بما يصيب الغير من أذى وألم ،قال الشوكاني قسوة الْقلب وَهِي غلظته حَتَّى لَا يقبل الموعظة وَلَا يخَاف الْعقُوبَة وَلَا يرحم من يسْتَحق الرَّحْمَة[2]
ما هي علامات قسوة القلب؟
لقسوة القلوب علامات تظهر على الألسنة وفي التصرفات ومن هذه العلامات:
- الانهماك في حب الدنيا وطلبها من حلال أو من حرام.
- عدم المبالاة بآلام الآخرين، حتى لو كانوا أقرب الناس له دع عنك شعوره بالجسد الإسلامي الواحد مهما تباعدت أطرافه، فذاك لا يخطر له على بال مهما كانت المصائب والأحزان.
- عدم التمييز بين الحق والباطل.
- عدم الاعتبار بما يحدث له أو لغيره من مصائب، بل يرد ذلك إلى الأسباب وحدها ولا يحاول العودة لقلبه والنظر فيه فإن هذه الابتلاءات رسائل من الله تعالى لكي يعود الخلق إليه سبحانه {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21]
- ترك التّضرّع عند نزول المصيبة { فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 43] وقد يطلق استغاثات في كل اتجاه دون أن يلجأ إلى الحي القيوم.
- عدم الانتفاع بالعلم فمهما حصّل من العلوم والمعارف وكان صاحب لسان وبيان إلا أنك تجد علمه في ناحية وتصرفاته في ناحية أخرى فالعلم في عقله وليس في قلبه، سئل ذو النون: ما أساس قسوة القلب للمريد؟ فقال: ببحثه عن علوم رضّى نفسه بتعليمها دون استعمالها والوصول إلى حقائقها[3].
- عدم التأثر بمشاهدة المحتضرين وزيارة القبور وتوديع الأحباب، بل ربما حمل الجنازة بنفسه وواراها بالتراب، ومع ذلك لا يتحرك قلبه إلى الله تعالى ولا تدمع عينه،”وَمَتَى أَقْحَطَتِ الْعَيْنُ مِن الْبُكَاء مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى فَاعْلَمْ أَنَّ قُحْطَهَا مِن قَسْوَةِ الْقَلْب”[4].
- عقوق الوالدين فلا يستطيع أن يعمل بقوله تعالى {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23، 24]
- “علامة قسوة القلب أن لا تعمل فيه الموعظة، ولا تؤثر فيه النصيحة، ولا تظهر فيه بركة مجالسة الصالحين[5]
أسباب قسوة القلب
هناك أسباب كثيرة لقسوة القلب منها:
- عدم التنشئة داخل الأسرة وفي المحاضن التربوية على الرحمة مع الأخوة والوالدين والحيوانات ومن نعرف ومن لا نعرف.
- قَسْوَةُ الْقَلْبِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا: بَطْنٌ مُمْتَلِئ، وَالثَّانِي: صُحْبَةُ صَاحِبِ السُّوءِ، وَالثَّالِثُ: نِسْيَانُ الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ، وَالرَّابِعُ: طُولُ الْأَمَلِ[6]. وقال ابن القيم: قَسْوَةُ القَلْبِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ إِذا جَاوَزَت قَدْرَ الحَاجَةِ: الأَكلُ وَالنَّومُ وَالكَلامُ وَالمخَالَطَةُ[7]
- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإنّ أبعد النّاس من الله القلب القاسي»[8]
- المعاصي “وقد تترادف خواطر الشر من النفس والهوى فلا يتعاقبها خاطر خير من الملك وهذا علامة البعد ونهاية قسوة القلب”[9]
- نقض العهود والموثيق {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } [المائدة: 13]
- كثرة الضحك: قال العلماء: المزاحُ المنهيُّ عنه، هو الذي فيه إفراط ويُدَاوم عليه، فإنه يُورث الضحك وقسوةَ القلب، ويُشغل عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين، ويؤولُ في كثير من الأوقات إلى الإِيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقطُ المهابةَ والوقارَ. فأما ما سَلِمَ من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يفعله»[10].
- عدم الاستماع للقرآن سماع تدبر {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23]
- أكل الحرام فإنه يترك آثاره السيئة على قلب العبد ودينه ودنياه.
- هجران مجالس الوعظ التي ترقق القلوب وتذكر بالله تعالى.
- عدم الخلوة بالنفس ومحاسبتها فتتراكم الذنوب حتى تغطي على القلب وتحول بينه وبين استشعار الرحمة.
- الغفلة عن ذكر الآخرة ولقاء الله ،قَالَ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ: مَصْلَحَةُ الْقَلْبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ، يَطْرُدُ فُضُولَ الْأَمَلِ، وَيَكُفُّ غَرَبَ التَّمَنِّي وَيُهَوِّنُ الْمَصَائِبَ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالطُّغْيَانِ[11]
- عدم زيارة القبور،” كانت عجوز متعبدة من عبد القيس تكثر زيارة القبور فعوتبت في ذلك فقالت: إن القلب القاسي إذا جفا لم يلينه إلا رسوم البلى، وإني لآتي القبور وكأني أنظر إليهم وقد خرجوا من بين أطباقها وكأني أنظر إلى تلك الوجوه المتعفرة وإلى تلك الأجسام المتغيرة”[12].
- عدم الاعتبار بديار الهالكين وما كان فيها من نعم وخيرات ثم ما آلت إليه من خراب أو بقاء دون أهلها.
هل قسوة القلب عقاب أو ابتلاء
ومن أحاديث عن قسوة القلب ما أخرج الإمام مسلم بسنده قال :”بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ، فَاتْلُوهُ، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ، كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ”.فإهمال أهل القرآن لتلاوته سبب للعقوبة بقسوة القلب.
وفي الزهد لأحمد بن حنبل (قال مالك: ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضب الله على قوم إلّا نزع الرّحمة من قلوبهم)
ماذا قال الرسول عن القلب والحب؟
وبقي هذا الحب في قلبه ﷺ بعد وفاة السيدة خديجة بسنوات طويلة عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ لِخَدِيجَةَ، أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا[تزوجها]. قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: ” إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، فَافْعَلُوا ” فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا[14]
انظر إلى تأثر النبي ﷺ ورقة قلبه لذكرى خديجة – رضي الله عنها – حين حركت القلادة ما قلبه من حب وود لهذه المرأة الكريمة.
5 أحاديث عن قسوة القلب
ثبت من السنة النبوية والهدي النبوي أحاديث متنوعة تؤكد على أهمية الإحسان والإشفاق بالناس، وينهى عن كل ما يسبب قسوة القلب وهذه الأحاديث مما قال رسول الله عن قسوة القلب.
- عن بريدة بن الحصيب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رسول اللَّه ـ ﷺ ـ يخطبُنا إذ جاء الحسنُ والحُسَيْنُ عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثُران، فنزل رسول اللَّه ـ ﷺ ـ منَ المنبرِ فحملَهُما ووضعَهُما بينَ يديه، ثمَّ قال: صدقَ اللَّهُ: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } ( التغابن من الآية: 15)، نظرتُ إلى هذينِ الصَّبيَّينِ يمشيانِ ويعثُرانِ فلم أصبِر حتَّى قطعتُ حديثي ورفعتُهُما ) رواه الترمذي وصححه الألباني
وذكر ابن حجر: ” أن عبد الله بن الزبير رأى الحسن بن علي يجيء والنبي ساجد فيركب رقبته، أو قال ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الاخر، وذكر أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم: أن دعوهما.
ومثله رحمة النبي ﷺ وشفقته بابنته فاطمة رضي الله عنها كان ـ ﷺ ـ إذا دخلت عليه ابنته فاطمة ـ رضي الله عنه ـ يقوم لها ويقبلها ويقول لها: ( مرحبا بابنتي ) رواه البخاري ومسلم.
- وعن عائشة ـ رضي الله عنه ـ قالت: ( جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ ـ ﷺ ـ فقال: تُقَبِّلونَ الصِّبيان؟، فما نُقَبِّلُهم، فقال النبيُّ ـ ﷺ ـ: أوَ أملِكُ لك أن نزَعَ اللهُ من قلبِك الرحمة ) رواه البخاري .
قال ابن بطال معلقا على هذا الحديث: الولد الصغير وحمله والتحفى به مما يستحق به رحمة الله، ألا ترى حمل النبى عليه السلام أمامه ابنه أبى العاص على هنقه فى الصلاة، والصلاة أفضل الأعمال عند الله، وقد أمر عليه السلام بلزوم الخشوع فيها ولإقبال عليها، ولم يكن حمله لها مما يضاد الخشوع المأمور به فيها، وكره أن يشق عليها لو تركها ولم يحملها فى الصلاة وفى فعله عليه السلام ذلك أعظم السوة لنا فينبغى الاقتداء به فى رحمته صغار الولد وكبارهم والرفق بهم، ويجوز تقبيل الولد الصغير فى سائر جسده.
- وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: ( أن الأقرع بن حابس ـ رضي الله عنه ـ أبصر النبي ـ ﷺ ـ يقبل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله ـ ﷺ: إنه من لا يَرحم لا يُرْحم ) رواه الترمذي .
قال المناوي في فيض القدير: ” لأنَّ الرحمة تتخطى إلى الإحسان إلى الغير، وكل من رحمته رقَّ قلبك له فأحسنتَ إليه، ومن لم يعط حظه من الرحمة غلظ قلبه وصار فظًّا، لا يرقُّ لأحد ولا لنفسه، فالشديد يشدُّ على نفسه ويعسر ويضيق، فهو من نفسه في تعب، والخلق منه في نصب، مكدوح الروح، مظلم الصدر، عابس الوجه، منكر الطلعة، ذاهبًا بنفسه، تيهًا وعظمةً، سمين الكلام، عظيم النفاق، قليل الذكر لله وللدار الآخرة، فهو أهل لأن يسخط عليه، ويغاضبه ليعاقبه ” .
- وكان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذا دخل في الصلاة وهو ينوي الإطالة، يقصر ويخفف فيها إن سمع بكاء الطفل الصغير، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال: ( إنِّي لأدخُلُ في الصلاة، وأنا أُريدُ إِطالتها، فأسمع بكاء الصبيّ فأتجوَّزُ في صلاتي، ممَّا أعلمُ من شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ من بكائه ) رواه البخاري .
- وبكى ـ ﷺ ـ لدى موت طفله الصغير إبراهيم، حتى تعجب عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ من ذلك، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( دخلنا مع رسول الله ـ ﷺ ـ على أبي سيْفٍ القَيْنِ، وكان ظِئْرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ إبراهيمَ فقبَّلَهُ وشمَّهُ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يَجُودُ بنفسه ، فجعلتْ عَيْنَا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: وأنتَ يا رسول الله؟، فقال: يا ابنَ عوف، إنَّها رحمة ) رواه البخاري .
من مضار قسوة القلب
- الإصرار على المعصية.
- حبوط العمل.
- نفور الناس من صاحب القلب القاسي.
قَالَ الصَّرْصَرِيُّ:
يَا قَسْوَةَ الْقَلْبِ مَا لِي حِيلَةٌ فِيكِ ... مَلَكْتِ قَلْبِي فَأَضْحَى شَرَّ مَمْلُوكِ
حَجَبْتِ عَنِّي إفَادَاتِ الْخُشُوعِ فَلَا ... يَشْفِيك ذِكْرٌ وَلَا وَعْظٌ يُدَاوِيك
وَمَا تَمَادِيكِ مِنْ كَنْفِ الذُّنُوبِ وَلَ ... كِنَّ الذُّنُوبَ أَرَاهَا مِنْ تَمَادِيكِ
لَكِنْ تَمَادِيكِ مِنْ أَصْلٍ نَشَأْتِ بِهِ ... طَعَامُ سُوءٍ عَلَى ضَعْفٍ يُقَوِّيكِ
وَأَنْتِ يَا نَفْسُ مَأْوَى كُلِّ مُعْضِلَةٍ ... وَكُلُّ دَاءٍ بِقَلْبِي مِنْ عَوَادِيك
أَنْتِ الطَّلِيعَةُ لِلشَّيْطَانِ فِي جَسَدِي ... فَلَيْسَ يَدْخُلُ إلَّا مِنْ نَوَاحِيكِ
لَمَّا فَسَحْتِ بِتَوْفِيرِ الْحُظُوظِ لَهُ ... أَضْحَى مَعَ الدَّمِ يَجْرِي فِي مَجَارِيك
وَالَيْتِهِ بِقَبُولِ الزُّورِ مِنْكِ فَلَنْ ... يُوَالِيَ اللَّهُ إلَّا مَنْ يُعَادِيكِ
مَا زِلْتِ فِي أَسْرِهِ تَهْوِينَ مُوثَقَةً ... حَتَّى تَلِفْت فَأَعْيَانِي تَلَافِيك[15].