يبلغ متن الدراسة التي كتبها محمد بوسلام وأصدرها عام 2017 في 373 صفحة (الى جانب مقدمة وخاتمة وفهارس للكتاب)،وقام بتقسيمها على النحو التالي: 205 صفحات من تأليف الكاتب ، و 117 صفحة هي نصوص منقولة حرفيا وبشكل كامل من كتب أخرى اعتبرها الباحث نماذح للكتابة الجيدة والمبدعة في رأيه ،وتنقسم هذه النماذج الى نماذج عربية( 31 صفحة في الجزء الاول منها و 27 صفحة في الجزء الثاني ) ونماذج فرنسية (لكتاب عرب وغير عرب وتضم 30 صفحة في الجزء الاول و 29 صفحة في الجزء الثاني).
يتناول الكتاب في جزئه الاول جدوى الكتابة ومجالاتها في اطار الاجابة على سؤال هو : لمن نكتب؟ يتناول اهمية الكتابة وتطورها ومقتضياتها وموضوعاتها ومناقشة الكتابة الذاتية والموضوعية والكتابة الجريئة والمتوجسة والمنافقة وتلك التي لا تتبنى قضية معتبرا ان الكاتب الحقيقي هو من يكتب باسم الانسانية.
وفي فصله الثاني وبعد نقد للكتب الرديئة واصحابها والسخرية من بعض اساليبهم (ويعطي نموذجا على ذلك) يدعو الى الوضوح والعقلانية في الكتابة لا سيما في ظل تسارع التطور التكنولوجي الذي كشف كل الاسرار، ثم يركز على الموضوعات التي تستحق الكتابة عنها، مثل قضايا الشعوب، المستقبل، وهموم الانسان والديمقراطية داعيا الامم المتحدة لوضع معايير لرصد ومراقبة هذه القضايا في كل الدول( ويقدم نموذجا لهذه المسالة هي لرئيس الأورغواي خوسيه موخيكا الذي يرى انه يمثل النموذج الذي يجب ان يكونوا موضوعا للكتابة) ، كما يضيف للموضوعات الكبرى التي تستحق الكتابة موضوع التوزيع العادل للثروات، ويطلق حكما في هذا الجانب بأن جميع الأنظمة فشلت في تحقيق هذا المطلب ، داعيا لتقليص نفقات الدفاع او حل الجيوش وتحويل النفقات للتعليم والثقافة ونشر ثقافة الامن والسلم والسلام ناقدا اغلب ما يكتب عربيا في كل هذه المجالات.
ويتحدث في الفصل الثالث عن ضعف نصيب الكتابة والكتاب في ميزانيات الدول العربية وغلبة السعي نحو الكسب المادي لدى النخب ، ثم يعود لأزمة القراءة متمثلة في العزوف عن الدراسة والتعليم والثقافة في المغرب ونقص الكتب المطبوعة داعيا نواب الامة للعناية بهذه المسألة.
ثم يتناول في الفصل الذي يليه(وساعود لهذه النقطة لاحقا) لاصناف القراءة ومعيقاتها مثل الواقع الاجتماعي،وعدم شمول الحركة العمرانية بناء المكتبات وارتفاع نسبة الامية التي يقدرها في المغرب ب 48% وضعف التربية الحقيقية في المدارس بخاصة لأن المناهج قديمة ، ويضيف لكل هذه العوامل سيطرة الثقافة الشفوية وغياب تقاليد القراءة وهيمنة الاعلام السمعي والبصري وقضاء اغلب الاوقات في الملاهي وسوء تدبير الوقت واستثماره مبينا ذلك من خلال حكايات شفوية نقلت للكاتب او من خلال حكايات سمعها من اصدقائه. ولمواجهة كل ما سبق يدعو الباحث
في الفصل الثالث المؤسسات للعب دورها في هذا المجال-أي تكريس الرغبة في القراءة-، ويقصد بالمؤسسات : الاسرة والمؤسسات التعليمية ودور النشر والتوزيع ، وعمل على تناول الدور التفصيلي لهذه المؤسسات في تكريس فكرة القراءة ، ثم يقارن بين انتاج الكتب في العالم العربي والدول الاجنبية (ويسرد حكايات عن هذه النتائج وبطريقة صحفية تماما) ليصل بعد كل ذلك الى دور المناهج المدرسية ونمط العلاقة بين طرفي العملية التعليمية وهما المدرس والطالب، لينتقل لدور وسائل الاعلام ليصل للدعوة لوضع ميثاق ثقافي وطني لتحديد الأولويات الاعلامية مع زيادة المكتبات ودور الشباب ومراكز الطفولة والاندية الثقافية مع توظيف التكنولوحيا الحديثة، بعد ذلك ينتقل لما يشبه الملاحق بوضع نصوص مختارة باللغتين العربية والفرنسية،مبررا ذلك بمزايا في هذه النصوص مثل راهنيتها وجودتها وابداعها،وتشمل هذه النصوص مقاطع من روايات أدبية او سرد وصف لوقائع او سير ذاتية أو كتابات عن شخصيات مشهورة ( جيفارا او كاسترو او صدام حسين..الخ) او وقائع تاريخية( سقوط بغداد 2003) او عرض سياسة المغرب حول قضايا معينة (شروط المصالحة مع السياسة في المغرب..او بعض الحوادث الارهابية التي وقعت في المغرب في قترة 2003، او مقالات فكرية حول بعض الحركات الدينية مثل الحركة السلفية)، ليعود في خاتمة الكتاب للتأكيد مرة اخرى على اهمية الكتاب والقراءة.
قد يكون تصنيف هذه الدراسة –تجاوزا- بأنها علم اجتماع ثقافي فيه بعض المبالغة ، فنحن امام ” خواطر” يبدو انها كتبت في معظمها خلال العشرين سنة الماضية(وهو ما سأدلل عليه في بند المنهجية)، فالدراسة تحاول ان ترصد علاقة المجتمع العربي بالكتاب قراءة وكتابة من خلال عرض الأطراف المعنية بهذه المسألة (القارئ والكاتب والوسيط بينهما من مؤسسات ومكتبات ودور نشر…الخ)، كما تتناول الموضوعات التي تغطيها الكتابة في كل من المغرب بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام ، ثم يحاول وعبر دعوات معيارية (ينبغيات) الخروج من حالة السوء التي يراها للعلاقة العربية مع الكتاب بعرض عدد من التوصيات التي أظنها متداولة في كل كتاب او مقال حول هذا الموضوع.
ورغم أن الجزء الأكبر من هذه الدراسة تكرس لنقد حالة القراءة والكتابة في المغرب والدول العربية،الا أنني ارى ان كل نقد ورد في هذه الدراسة ينطبق على هذه الدراسة ذاتها ،وأزعم ان القارئ المبتدئ مُلِمٌ بكل ما ورد في هذه الدراسة لا سيما أنها لم تتجاوز سطح الظاهرة ، بقيت الدراسة تدور في حلقات من النقد للكتاب واساتذة الجامعات ولتفاهة المكتوب ولانتشار الامية ولثقافة التملق ولنقص المكتبات وضعف دور النشر وميزانيات التعليم والكتاب ومزاحمة وسائل الاتصال الحديثة للكتاب…الخ من المظاهر التي يعرفها القاصي والداني.
نحن امام ” بكائية جديدة ” من بكائيات العرب، يُتبِعُها الكاتب بمختارات تضم 117 صفحة مما قرأه من نصوص ادبية في معظمها او سير ذاتية باللغتين العربية والفرنسية ، وقدم لنا هذه النصوص ” كنماذج للنصوص الراقية والابداعية”، وهي مسألة خلافية لأني شعرت بأن الكاتب مأخوذ بجماليات النص(وهو امر مهم) لكني لم اجد نصوصا تشكل نقلة في منهجية التفكير او تقدم مادة علمية جديدة في بياناتها او مضامينها أو لطرائق التحليل فيها، بل هي اقرب ما تكون الى الخواطر الصحفية ( وصف شخصية كاسترو او جيفارا او الحياة السرية لصدام حسين…او لوقائع سياسية محددة..الخ).
أعتقد ان هذه الدراسة لا تنتمي في تنظيمها(وسأبين الخلل الكبير في المنهجية في البند الخاص بذلك) أو في مضمونها او في فرضياتها او حداثتها الى ما يمكن تسميته ” دراسات علمية ” ، فهي بكائية لا أكثر ولا أقل، وهو ما سيتضح في عرض بنود التقييم الاخرى بشكل كبير.
أفترض بداية ان الكاتب الحريص على الكتابة وجديتها ان يراجع كتابه قبل عرضه على الجمهور ، ففي كتابنا هذا :
أولا: فوضى الكتاب: غياب صفحات وتكرار صفحات :
1-غياب 33 صفحة تمتد من صفحة 64 الى 97، أي ان القارئ يتفاجأ بان ما بين 64-97 غير موجود وهو ما يجعل القارئ ينقطع تماما عن تتابع الفصول والابواب في الدراسة، وترتب على ذلك ان الفصل الثالث(صفحة 63) يأتي بعده الفصل الثاني(صفحة 119)،وهذا يعني بناء على فهرس الدراسة ان مقدمة الفصل الاول من الباب الثاني من صفحة 95-97 هي ايضا غير موجودة.
2- بناء على الفهرس ايضا سقطت الموضوعات التالية من الكتاب:
أ- وضعية الكتاب متردية(صفحة 63)
ب- أزمة الكتابة شاملة(63-71)
ت- كساد سوق الكتاب(71-73)
ث- مجتمع نصفه أمي والباقي لا يقرأ(73-78)
ج- المثال المرتقب مستقبلا للكتابة والكتاب واعادة هيكلة ميدان الكتابة( 78-82)
ح- تصحيح علاقة الناشرين بالكتاب(82-88)
خ- تنظيم قطاع التوزيع (88-94)
د- الباب الثاني: لماذا لا يقرأون(95-97)
3- الصفحات من 97-128 تتكرر كاملة (31 صفحة) فمن صفحة 63 ننتقل الى 97 مباشرة ، ومن 128 نعود ثانية الى صفحة 97.
ثانيا: أزعم ان الكتاب مكتوب في معظم اجزائه بين عامي 1996 و 2003، فالمؤشرات الكمية التي ترد في الكتاب لا تتجاوز هذه الفترة التي تعود الى ما بين 16-25 سنة) ،( ففي صفحة 132 السطر الاول يقول” يعاني 48 % من السكان حاليا( والحقيقة ان حاليا هنا تعني عام 1996،وفي صفحة 133 الفقرة الاخيرة (السحب الاجمالي للصحف) يعود الرقم لعام 1998..وفي صفحة 189 الخاصة بعدد النساء العاملات في المكتبات تعود الارقام لثلاثين سنة خلت…وفي صفحة 188 (الجدول) لا نجد سنة لهذه الارقام ولا مصدرا لها..ويكفي المقارنة بين ارقام اليونسكو عام 2016 وارقام الكتاب لنسبة الامية ، فاليونسكو تضع الرقم عند 27.6% طبقا لاحصاء 2018.
هذا كتاب لا يستند على منهجية علمية في تحليل ظاهرة القراءة والكتابة(لاحظ الفقرة الاولى من المدخل صفحة 7) ، بل هو خواطر صحفية لا اظن ان الجهد الفكري والعضلي لاعدادها يحتاج لاكثر من ساعات قليلة، وعليه لا أرى منهجية يمكن الزعم بانها متطابقة او غير متطابقة مع المضمون.