يعتبر التكامل الاقتصادي أحد أهم الاستراتيجيات المعاصرة التى تنتهجها الدول التي يربطها المحيط الجغرافي ،استطاعت دول شرق آسيا تحقيق نجاحات اقتصادية كبيرة من خلال سياسات التكامل التى انتهجتها هذه الدول. فاليابان ، وكوريا والصين اقتصادات يعتمد بعضها على بعض بشكل كبير.

 

وقد أظهرت الدراسات التى أجريت في هذا المجال أن هذه التكامل أعطى نتائج إيجابية مهمة وساهم في صعود اقتصاداتها، وذلك نتيجة لتوحيد جهودها في ما يتعلق بتطوير أنظمتها المالية والصناعية والتبادل التجاري و تنظيم أسواقها، وشكل هذا التكامل قوة صلبة في مواجهة المنافسة الشرسة التى تستهدف الأسواق الآسيوية.

هذا التكامل الذي عرفته دول شرق آسيا توسع وأزداد تماسكا بعد أزمة 1997 المالية التى عصفت بالاقتصادات الآسيوية وأورثتها الكثير من الضعف والتخبط في نهاية التسعينات.  تشترك اقتصادات اليابان ، الصين ، كوريا في سمات مشتركة ساهمت في تحقيق وتوطيد هذ التكامل.

فهذه الاقتصادات تتطلع جميعها إلى الخارج، وتعتمد على النمو في علاقاتها الاقتصادية مع الاقتصادات الأخرى. كما أنها اقتصادات موجهة نحو التصدير ،إضافة لهذه المشتركات تعد اليابان مصدرًا رئيسيًا لرأس المال ، وكوريا الجنوبية تسير على نفس المنوال ، بينما  تشكل الصين الواجهة النشطة في المنطقة لرأس المال الأجنبي ، كونها أكبر متلق للاستثمار الأجنبي المباشر بين جميع البلدان النامية.  تركز هذه المقالة على الخطوات التى انتهجتها دول شرق آسيا في مسيرة التكامل الاقتصادي.

الإرادة السياسية بداية الطريق نحو التكامل  

ساهمت الإرادة السياسية القوية التى تمتلكها حكومات دول شرق آسيا في صياغة التكامل الاقتصادي بين هذه الدول ، فبالرغم من الحساسيات التاريخية بين بعض هذه الدول التى شهدت حروبا في مابينها في لحظة من التاريخ إلا أن ذلك لم يمنع هذه الدول من وضع سياسات واستراتيجيات توحدها و تسهم في نهوض اقتصاداتها ومواجهة الحملة التنافسية القومية من التكتلات الاقتصاددية الأخرى كالاتحاد الأوربي ، والولايات المتحدة الأمريكية، ومجموعة الآسيان.

إن فهم النظام العالمي الجديد وما أفرزه هذا النظام من تنافسية متوحشة تبتلع الدول المنعزلة، جعل دول شرق آسيا تجتمع لتناقش مستقبلها في ظل عالم لا يعترف إلا بالتكتلات الاقتصادية حيث تشكل هذه التكتلات قوة صلبة للمواجهة وحماية السوق. إن استشعار هذه التحديات والبحث عن حلول لها ومحاولة تطويقها يعتبر الخطوة الأولى نحو صياغة التكامل الاقتصادي بين الدول.

يرافق هذا التوجه إرادة سياسية قوية تنطلق من المصلحة الإقليمية على حساب المصلحة العابرة للقارات ، حيث أن صناعة قوة إقليمية يعتبر أساس نجاح الدول في ظل التنافس الشديد ، و التجارة العابرة للقارات التى بدأت تغزوا مختلف أسواق العالم وتؤثر على اقتصاد الدول تأثيرا يجعل هذه الاقتصادات مجرد آلة للدول القوية.

مناطق للتجارة الحرة واتفاقيات اقتصادية

مع الاهتمام المتزايد بالتكامل الاقتصادي الإقليمي بين العديد من الاقتصادات الآسيوية ، قطعت كل من الصين وكوريا الجنوبية واليابان جهودا كبيرة في توطيد العلاقات الاقتصادية والتعاون في ما بينها في إطار استراتيجية التكامل الاقتصادي ، و من ضمن الخيارات التي درستها هذه الدول ،سواء بشكل فردي أو بشكل مشترك ، إنشاء منطقة تجارة حرة (FTAs) ، بالاضافة إلى اتفاقيات التجارة الحرة مع أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) .

كما قامت هذه الدول ضمن استراتيجية التكامل بدراسة آثار وإيجابيات تشكيل مناطق التجارة الحرة فيما بينها ، وتشمل سياسة التكامل (كوريا واليابان وكوريا والصين واليابان والصين)، فمن الواضح أن اتفاقيات التجارة الحرة ستسمح بتحركات أكثر حرية لمعظم السلع (ورأس المال أيضًا) بين الدول الأعضاء، نظرًا لحجم هذه الاقتصاديات الثلاثة وحجم تجارتها ، فإن اتفاقية التجارة الحرة بين هذه الدول ستخلق اقتصادًا كبيرًا كما ستؤثر بشكل كبير على اقتصاداتها واقتصادات الدول المجاورة لها.

اندمجت دول شرق آسيا في النظام الاقتصادي العالمي وأصبحت مرتبطة ببعضها البعض من خلال اقتصاد السوق لكنها نجحت في تخفيف تداعيات السوق المفتوحة من خلال نجاحها في تثبيت سياسة التكامل الاقتصادي بين دولها ، حيث تعتبر دول شرق آسيا هي من بين المناطق الأكثر تكاملاً اقتصاديًا إلى جانب كل من أوروبا وأمريكا الشمالية. ففي  احصائيات عام 2014 ، بلغت حصة التجارة بين دول شرق آسيا (الآسيان + 3) 45 في المائة ، وهي نسبة أكبر بكثير من 26 في المائة في أمريكا الشمالية و 18 في المائة في أمريكا اللاتينية ، وأقل من 65 في المائة في الاتحاد الأوروبي.

نتائج إيجابية مثمرة للتكامل الآسيوي

حققت دول شرق آسيا مجموعة من الأهداف المهمة ، في طليعتها الاستقرار الاقتصادي لأسواق هذه الدول ، حيث شكل هذا التكامل صمام أمان لأسواق هذه الدول ضد الأزمات وضد الاستهداف المنظم الموجه أسواق هذه الدول تحت مسمى المنافسة الأمريكية والأوربية.

كما ساهم هذا التكامل في استفادة هذه الدول من بعضها البعض من خلال تبادل الخبرات والمهارات و وحتى الاستراتيجيات الصناعية حيث مكن التبادل هذه الدول من استفادة كل دولة من خبرة الدولة الأخرى. كما كان لهذا التكامل نتائج ايجابية قوية على الرؤية السياسية لهذه الدول وأصبحت قادرة على صياغة قراراتها ورؤيتها وفقا لمصالحها الداخلية والإقليمية بعيدا عن ابتزازات الدول الأخرى.

إن نجاح هذه التجربة يشكل درسا مهما للدول الطامحة إلى الاستفادة من سياسات التكامل الاقتصادي فدول عديدة في عالمنا العربي والإسلامي تجمعها الجغرافيا و الثاقافة واللغة وتمتلك مقوات ديمغرافية وطبيعية تحتاج إلى تفعيل استراتيجية التكامل الاقتصادي لحماية أسواقها وصيانة اقتصادها حتى لا تظل عرضة لصراع القوى العظمي.