(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران 165.
أولمّا: الهمزة (أو الألف) للاستفهام. والاستفهام هنا إنكاري. لعل التقدير: أولمّا أصابتكم مصيبة في أحُد قلتم أنّى هذا؟ مع أنكم قد أصبتم مثليها في بدر! لماذا تنظرون إلى ما أُصبتم به، ولا تنظرون إلى ما أَصبتم؟! ألا تعتبرون؟
أنّى هذا: – من أين هذا؟ – كيف هذا؟ أي: كيف ينصرهم علينا، ونحن مسلمون، وهم مشركون؟
من عند أنفسكم: أي أنتم السبب في الهزيمة، خالفتم تعليمات الرسول ﷺ، حيث ترك الرماة مواقعهم وحرصوا على العنائم!
قدير: يهزمكم عند المخالفة. وينصركم عند الموافقة. وقد يكون النصر بمثلين أو أكثر.
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا: أين المِثْلان؟
مصيبة: يوم أحُد. حيث قُتل من المسلمين سبعون.
أصبتم مثليها: يوم بدر، حيث قُتل من المشركين سبعون، وأُسر منهم سبعون.
قال القرطبي: “والأسير في حكم المقتول، لأن الآسر يقتل أسيره إن أراد.
وقال أبو حيان: “ملخص ذلك: هل المثليّة في الإصابة من قتل وأسر، أو من قتل، أو من هزيمة؟ ثلاثة أقوال، والأظهر الأول. لأن قوله: قد أصبتم مثليها هو على طريق التفضل منه تعالى على المؤمنين بإدالتهم على الكفار، والتسلية لهم على ما أصابهم، فيكون ذلك بالأبلغ في التسلية. وتنبيههم على أنهم قتلوا منهم سبعين، وأسروا سبعين أبلغ في المنّة وفي التسلية، وأدعى إلى أن يذكروا نعم الله عليهم السابقة، وأن يتناسوا ما جرى عليهم يوم أحد”.
وقال الألوسي: “وقيل: المراد بالمثْلين المثْلان في الهزيمة، لا في عدد القتلى، وذلك لأن المسلمين هزموا الكفار يوم بدر، وهزموهم أيضًا يوم أحد أول الأمر. وعليه يكون المراد بالمصيبة هزيمة الكفار للمسلمين بعد أن فارقوا المركز”.
وقال ابن عاشور: “والمراد بمثليها المساويان في الجنس أو القيمة باعتبار جهة المماثلة، أي: إنَّكم قد نلتم مثلي ما أصابكم، والمماثلة هنا مماثلة في القدر والقيمة، لا في الجنس، فإنّ رزايا الحرب أجناس: قَتل، وأسر، وغَنيمة، وأسلاب. فالمسلمون أصابهم يوم أحُد القتل إذ قُتِل منهم سبعون، وكانوا قد قَتَلوا من المشركين يومَ بدر سبعين، فهذا أحد المِثلين.
ثم إنّهم أصابوا من المشركين أسرى يوم بدر، فذلك مِثْل آخر في المقدار، إذ الأسير كالقتيل، أو أريد أنّهم يومَ أحُد أصابوا قتلَى إلاّ أنّ عددهم أقلّ، فهو مِثل في الجنس، لا في المقدار والقيمة”.