يقدم أحمد بسام ساعي في كتابه الفريد وغير المسبوق في بابه (إدارة الصلاة) الصادر العام 2015 عن دار الفكر ،توطئة جميلة وثرية  سماها (موعد مع الله ) وفي هذه التوطئة ذكر قصة موحية ومعبرة تختزل فكرة الكتاب ورسالته ، يستحسن أن نبدأ بها عملية القراءة السريعة في ثنايا هذا الكتاب الذي بدأ يثير انتباه العديد من الأوساط التربوية والدعوية.

كتب المؤلف يقول : “حدث في يوم رمضاني أن دعاني بعض الإخوة من الطلبة السعوديين الدارسين في أوكسفورد لإلقاء محاضرة في ناديهم قبيل الإفطار ،فاخترت أن يكون حديثي لهم عن (إدارة الصلاة).وفي الموعد المحدد تقدمت إلى المنبر ،وبيدي ورقة خططت عليها بضعة أسطر. ألقيت السلام المعتاد ،ثم فتحت الورقة،ورحت أقرأ أسطرها القليلة بسرعة فائقة، لايكادون يفقهون معها ما أقول. في دقيقة واحدة كنت قد انتهيت من قراءة الورقة ،فطويتها على عجل ،وبادرت بالمغادرة، وأنا أقول : عفوا لتسرعي ،ولكني مضطر لمفارقتكم الآن، فأنا على موعد مع أناس أكثر أهمية منكم بكثير …السلام عليكم وتناولت حقيبتي مندفعا إلى الباب ،وأنا ألمح بطرف عيني معالم الدهشة وقد عقدت ألسنتهم ،وعلى وجهوهم خليط من الاحتجاج والاستغراب وعدم التصديق ،بل ربما الاستنكار والاستهجان.

هكذا كانت ردة فعل البشر التلقائية إزاء تصرف غير مؤدب ،كتصرفي تجاه من واعدتهم للقاء، فكيف تتصورون أن يكون الرد فيما لو فعلنا ذلك مع الله جل جلاله؟ عدت إلى الطلبة خلال ثوان لأعتذر عما بدر مني قائلا : هل أنتم غاضبون مني ؟حسنا ،لقد فعلت هذا معكم مرة واحدة ،وها قد عدت معتذرا ،ولكننا نفعل ذلك مع الله خمس مرات كل يوم ،ثم لانعود إليه أبدا معتذرين تائبين.”

يشرع المؤلف في سرد خلاصات رحلته الروحية والتأملية مع الصلاة “لقد ظللت أصلي خمسين عاما قبل أن أكتشف أنني أمتلك بالصلاة  أكبر مشروع تجاري وحضاري وضع تعالى رصيد ميزانيته في حسابي المصرفي لأقوم باستثماره، وأن علي أن أجتهد في اكتشاف الطريقة المثلى لإدارته وتشغيله بحيث أخرج منه أكبر حصاد”.وهو ما يحتاج وفق المؤلف إلى استثمار الحقول المختلفة في علم الإدارة  من أجل  أن يعود العمل المستثمر على صاحبه بأعلى ربح وأفضل إنتاج كمّا ونوعا. فالاستثمار في العبادات خيرٌ من كل المشاريع الدنيوية، وأكثر فائدة، وأطول دواما، وأضمن حصيلة، وأعم نفعا للدنيا والآخرة معا.

لقد وضع الله تعالى بين أيدينا من هذه العبادات ما يمكن أن يكون لنا منها مشروعات ربحية لا حدود لآفاقها، نستثمر فيها طاقاتنا للحصول على أعظم الثمار في الدنيا، ثم أعظمها في الحصاد الأخروي،  وهو حصاد لا يعدله أي جهد في ضخامته ونوعيته وديمومته، وفي ضمان الحصول عليه سليما كاملا من غير لبس ولا بخس ولا تأخير ولا مماطلة.والصلاة هي القمة في قائمة هذه العبادات أو الاستثمارات، إنها تبعا لتأكيدات الرسول لنا، بعد الشهادتين، ويأتي بعدها في الأهمية بر الوالدين، ثم يأتي بعد بعدها الجهاد في سبيل الله.

ليس للكتاب قوائم طويلة للمراجع والمصادر ،فكتاب “إدارة الصلاة” ليس كتابا علميا أكاديميا ،ويصرح مؤلفه بأنه لم يعتمد غير القرآن والسنة النبوية وتأملاته الذاتية في أسرار الصلاة المبثوثة في هذين المصدرين،وهو ليس كتابا في أحكام الصلاة ولا في الخلافات الفقهية بين المذاهب حول هذه الأحكام، لقد سعى المؤلف إلى الوصول بالقارئ من أقصر الطرق ،إلى الهدف الرئيسي للكتاب :إعادة اكتشاف هذا الركن الثاني العظيم من أركان الإسلام.

وقد سعى المؤلف إلى أن تكون للكتاب خصوصيته المميزة ،ليس على مستوى الموضوع أو العنوان فحسب،بل في التبويب أيضا.ولذلك عمد إلى تصنيف مقالات الكتاب وكأنه يلقيها على جمهور المصلين تحت قباب المساجد ،وفوق منابرها ،وفي حلقات اجتماعاتها وذكرها ودروسها،فقسم البحث تبعا لذلك إلى قباب ،ثم إلى منابر تحت هذه القباب ،ثم إلى حلقات حول هذه المنابر وهو ما يعتقد المؤلف بأنه يتماشى مع الخصوصية العالية لهذا البحث،إلى جانب الطابع التجديدي له المتمرد على أسر الجمود المنهجي.

قباب رئيسية ومنابر فرعية.

تحت القبة الأولى: لما ذا الصلاة؟ المنبر الأول: الصلاة: الواجب والحق ،المنبر الثاني: الصلاة والحياة ،المنبر الثالث: تنوع صلاتنا: الدرس الأول في الحضارة ،المنبر الرابع: الاستعداد للرحلة الكبيرة.

تحت القبة الثانية: أسرار الصلاة ،المنبر الأول: أسرار الجمعة والجماعة ،المنبر الثاني: المعراج إلى الله ،المنبر الثالث: لوحة القيادة والصعود ،المنبر الرابع: أسرار لغة الصلاة

المنبر الخامس: أسرار الفاتحة والقراءة ،المنبر السادس: أسرار الجلوس الأخير.

تحت القبة الثالثة: الحصاد  ويضم مجموعة منابر هي : المبنر الأول: العودة إلى الأرض ،المنبر الثاني: الرصيد ،المنبر الثالث: سلم الدرجات.

وخاتمة سماها ،مآل الكتاب،وجعل غايتها : لتكن حياتك كلها صلاة..وفي هذه الخاتمة يطلق المؤلف دعوة حارة إلى كل متصفح لكتابه إلى أن يجعل من هذه القباب والمنابر مفاتيح صغيرة يمسكها بيديه فيفتح بها خزائن فكره ويحلق بها في عوالم خياله مع الله ويخوض بها بحار اكتشافاته مع خلق الله ،بحيث يكون له في كل منها كتابه الخاص لإدارة صلاته وإدارة حياته.