يعود تواجد المسلمين بهذه المنطقة، التي تضم دولة الكونغو الديمقراطية حاليا، إلي منصف القرن الثامن عشر ميلادي، حيث كانوا يتمركزون في  إقليم كاصونغو ، و كانوا يمارسون تجارة العاج و الرقيق التي كان يحتكرها بعض أكبر تجار المسلمين من أمثال حمد بن محمد بن رجب المعروف ب”تيبو تيب”، و كان لهؤلاء التجار دورا محوريا في نشر الإسلام و تعريف شعوب المنطقة به.

 

كان الإسلام أول دين سماوي عرفته المنطقة قبل وصول الإرساليات التنصيرية للمنطقة متدثرة تحت عباءة الحركة الاستكشافية حيث ظلت منطقة البحيرات الكبرى لغاية القرن التاسع ميلادي احدي المناطق المهملة من طرف مسار الرحلات البرتغالية و الهولندية المتجهة صوب الهند، في عام 1850 بدأت المنطقة تثير اهتمام هذه بحثا عن الثروات من مواد أولوية.

جهود تنصيرية كبيرة

 بدأت  البعثات التنصيرية عندما اكتشفت تواجد المسلمين بالمنطقة بحركة قوية و نشطة و رصدت لها وسائل ضخمة للتأثير في سكان المنطقة، التي شهدت بناء أول كاتدرائية في المنطقة.

عمل الاحتلال على محاربة الإسلام والتمكين للمسيحية، والتي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الدخول للكونغو بعد الإسلام، ولكنها سرعان ما انتشرت بفضل دعمها بالإمكانيات من قِبَل الكنيسة والدول الغربية، وبخاصة بلجيكيا و (الفاتيكان)، والتي تمّ توظيفها في بناء الكنائس والمدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والأندية والجامعات، وغيرها من المؤسسات التي تمّ طبعها بالطابع النصراني.

و قد قام الاستعمار البلجيكي بمحاربة شرسة للتواجد الإسلامي بالمنطقة تحت ذريعة رعاية بعض التجار المسلمين للبيع الرقيق، و تمثلت شراسة حرب البلجيكيين على الإسلام في منع بناء المساجد و تجريم إنشاء المدارس القرآنية، و قد أدي هذا الأمر إلي إضعاف شوكة المسلمين في ظل الحقبة الاستعمارية، لذا كان المسلمين من أوائل القوي الوطنية التي وقفت خلف الزعيم التحرري باتريس لومبامبا المعروف بتوجهاته الوطنية المناهضة للاستعمار.

و قد جري الاعتراف الرسمي بالمسلمين مكون من مكونات الكونغولية في عام 1972، حيث سمحت لهم السلطات بترخيص هيئة تعني بتدبير شؤونهم.

مضايقات و حملات تشويه

و تعتبر منطقة كوما بعد كينشاسا احدي أهم مناطق انتشار الإسلام إذ يقدر إعداد المسلمين فيها بحوالي 45 ألف مسلم كما يوجد فيها حوالي 30 مسجد.

و تتضارب الأرقام حول الأعداد الحقيقية للمسلمين في ظل غياب إحصائية رسمية موثوقة، ففي الوقت الذي يري فيه المكتب الرسمي لمسلمي الكونغو أن أعداد المسلمين تتراوح ما بين 10% و 12% من الساكنة، يري مركز دراسات “بيو” أن الرقم في حدود 1.5%.

و يتميز المسلمون بضعف الحضور السياسي و الإعلامي و ضعف الفاعلية في المجتمع المدني، في الوقت الذي  تتمتع فيه الكنيسة الكاثوليكية بتأثير كبير في الكونغو الديمقراطية ، فهي تؤطر حوالي نصف سكان البلد، الذي تقارب ساكنته حوالي 80  مليون نسمة.

وتعود علاقة الكنسية بالسلطة في الكونغو الديمقراطية إلي الفترة الاستعمارية، حين كان الحاكم بلجيكي الليوبورد الثاني يستعين بالكنائس الكاثوليكية في عموم البلاد لإدارة البلاد مما أعطي هذه الكنائس نفوذا سياسياً و اقتصاديا, وبالتالي أصبحت الكنيسة الكاثوليكية الكونغولية تمتلك الإدارة و الاقتصاد وتعمل بصفة رئيسية في مجال التعليم وبناء المدارس وفي مجال الصحة.

و تعتمد  الكنيسة الكاثوليكية، في نشرها للنصرانية في على العديد من الخدمات التي تقدّمها في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة، وإنشاء المراكز التنصيرية؛ حيث تمتلك الآلاف من المدارس والمستشفيات وعشرات الجامعات وكليات اللاهوت، إضافة إلى المراكز الصحية وملاجئ العجزة والمعوقين، ومعسكرات مرض الجذام، كما لها منظمات للشباب وتدريبهم، ودور للمرأة، ومعاهد فنية، ومعسكرات ومراكز تدريب متخصّصة في مجالات عديدة .

و يواجه المسلمون في السنوات الأخيرة حملة شيطنة كبيرة برعاية من الكنيسة و القوي المناصرة لها، و توجه لهم تهم “التطرف و دعم الجماعات المنشقة”، التي تشن هجمات وانتهاكات تشهدها العديد من القرى والمدن، منذ أكثر من عقدين من الزمن.

لكن دراسة بحثية أعدها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية نفي عن المسلمين هذه الصفة، و ارجع أسباب توجيهها لهم إلي الخوف من احتمال إقبال الناس عليه.