” .. أنـا لا أريـد أن أعيـش. أنا لسـت إنـساناً… أنـا لا شـيء! أبـي يـعذبـني، لا يـعامـلني كـكائن حـي.. لا يـعتبرني بشـراً. يأتي إلى البيت سكراناً.. يعامل أمي بقسوة.. يصرخ بها، يهـينها و يزدريها. كم من مـرة طـلبتُ من أمي و رجوتها أن نغادر البيت و نتخلص منه.. كم من مرة فكرت بالهروب.. و لكن.. إلى أين؟! آآآه، كم أنّ حالتي تعيسة.. أنا لا أرى لنفسي أي مستقبل.. غدي مظلم.. أما يومي فكابوس بشع.. “
هذه السطور كتبتها فتاة روسية مراهقة. منظرها الخارجي عادي جداً، فتاة جميلة و خلوقة، لكنك تستطيع أن تقرأ في عينيها حزناً عميقاً.
في عمر الـ 15 سنة حاولتْ عدة مرات الرحيل عن هذه الحياة. في آخر محاولة لها قامت بابتلاع كمية كبيرة من الحبوب المسكّنة، إلا أن أطباء وحدة الإنعاش استطاعوا إنقاذها بأعجوبة.
تشير الإحصائيات و الدراسات الاجتماعية إلى أن نسبة الانتحار بين المراهقين و المراهقات في المجتمعات الغربية تبقى عالية، و يعزي علماء النفس سبب ذلك إلى التقلبات النفسية و العاطفية الحادة التي تطرأ على الإنسان في هذه المرحلة المتوسطة بين الطفولة و النضوج، وهي فترة عمرية حساسة للغاية. فالشيء الذي ينظر إليه الإنسان الناضج على أنه فشل مرحلي يمكن علاجه، قد يكبر و يتضخم في عيون المراهق حتى يُخيّل له أنه كارثة حقيقية لا مخرج منها البتّة.
أسباب إقدام المراهقين على الإنتحار متعددة. أحد هذه الأسباب، و ربما أكثرها انتشاراً في هذه البلاد (أوكرانيا و روسيا)، هو ما يسميه الشعب هنا “الحب البائس” أو الفاشل، أو إن شئت فسمِّه الحب “الوهم”.
بعض الإستطلاعات الإجتماعية تشير إلى أن 68% من المراهقين و المراهقات عادة أو حتى دائماً تقريباً يعانون من الشعور بالوحدة، و 53% من هؤلاء يحاولون التخلص من هذا الشعور عن طريق اللجوء إلى رفاق السوء و تعاطي الكحول و المخدرات و التورط في أعمال مخالفة للقانون. و من هذه الشريحة هناك 30% من الإنـاث و 23% من الذكـور راودتـهم فكـرة الانتـحار و 10% منهـم حاولوا عمـلياً حرمان أنفســهم من الحيـاة.
و حسب منظمة الصحة العالمية فإن هناك مليون شخص يلقون حتفهم سنوياً جراء الانتحار بمعدل منتحر كل 40 ثانية. و توضح المنظمة أن كل محاولة ناجحة للانتحار تسبقها 20 محاولة فاشلة.
أما بالنسبة لروسيا الاتحادية فتذكر احدى المؤسسات المتخصصة بشـؤون التحليل النفـسي الاجتماعي والقضائي أن 60 ألف شخص يُقدمون على الانتحار سنوياً فى روسيا، أي أن معدل الانتحار يبلغ 34.9 لكل 100 الف من سكان روسيا التى أصبحت بذلك من الدول الرئيسية المتصدرة في معدلات الانتحار عالمياً.. و حسب التقارير الروسية فإن عدد صغار السن – ذكوراً و إناثاً – الذين أنهوا حياتهم بالإنتحار فعلاً على مدى خمس سنوات في روسيا الإتحادية هو 251 ألف شخص!
و لعله من المناسب هنا أن نذكر أن الإنتحار يدخل ضمن قائمة الأسباب الثلاثة الأولى لموت المراهقين في الولايات المتحدة الأمريكية فضلاً عن كونه سبباً رئيسياً من أهم أسباب ما يُسمى بالموت “القسري” (الغير طبيعي) في كل شرائح المجتمع الأمريكي.
زيادة على ذلك، و حسب الأبحاث الأمريكية، فإن عدد المنتحرين الأمريكيين في العقود الأخيرة شهد إزدياداً ملحوظاً. و بعض هذه الأبحاث تشير إلى أن حوالي 90% من المراهقين الذين أنهوا حياتهم بالإنتحار كانت لديهم حالات عصبية و مشاكل نفسية.
و قد حصر المتخصصون الأمريكيون ـ حسب دراساتهم ـ الأسباب الدافعة لمحاولات الإنتحار عموماً في عدة أسباب منها:
1 ) عدم القدرة على تحمل ألم بدني.
2) محاولة الـهروب من وضع صـعب.
3) إظهار الإحباط و خيبة الأمل للآخرين.
4) محاولة دفع الآخرين إلى الشـعور بالندم على طريقة معاملتهم.
5) إختيار الموت كدليل على حب شخص ما.
6) إختيار الموت كطريقة لكسب المحبة و الشفقة من الآخرين.
و لعل السببان الأخيران متعلقان مباشرة بالحب الفاشل أو الحب الوهم الذي ذكرته آنفاً و الذي يكثر عادة في فصل الربيع!
لينا فتاة روسية ريفية قدمت إلى المدينة بهدف الدراسة.. كما تعلمون، الحياة في المدينة الصاخبة تختلف عن تلك في الريف الهادئ المتواضع. هنا ـ في المدينة ـ “حرية” غير محدودة و حياة مُزينة و مزدانة مزركشة.. زينة و أضواء و مجالات واسعة “للفرفشة” و الترويح.. ملاهي و نوادي ليلية.. فوضى جنسية و عبث أخلاقي.. هذه هي الحياة التي زينها الشيطان للشباب من أهل هذه البلاد هنا، و لذلك يسمونها “الحياة المرحة”. بل إن هذه الحياة هي التي وجد فيها العديد من شبابنا العربي المسلم – مع الأسف – ضالة غريزته البهيمية المضطربة.
لا أدري بالضبط ما الذي دفع لينا إلى الغرق في هذا المستنقع لدرجة أنها أصبحت تتاجر بجسدها.. هل إنها كانت نفسياً مهيأة لذلك؟ هل إنها “أيضاً” وجدت ضالتها المنشودة؟ هل أرادت أن تكسر عقدة مختبئة في مكنون نفسها: عقدة المدينة المتقدمة التي تتحدى ريفها المتخلف نسبياً، حتى انغمست في هذا “التقدم” إلى درجة التخبط العشوائي لإشباع رغباتها و إثبات عدم “رجعيتها”؟! ربما.. حالها في ذلك كحال بعض الشباب العربي المسلم الذي يعقد مقارنة بين هذه البلدان و بلاد العـرب و المـسلمين فيكون نصيب تلك الأخـيرة التـخلف و الرجعيـة.. و أنا قد أوافقهم الرأي على مستوى التقدم المدني و بعض الحريات في هذه البلدان.. لكن هؤلاء الشباب ـ واقعياً ـ لا ينهلون من هذا التقدم المزعوم شيئاً يُذكر، و إنما يستعيضون عن ذلك بالكلام الفارغ و النقد الهش و طبعاً بالخوض في ذلك المستنقع المظلم نفسه.. مستنقع “الحياة المرحة”.
الحياة المرحة هذه أهدت تلك الفتاة الشابة لينا هديتان قيمتان.. مرضان جنسيان كان أحدهما.. الإيدز. و في رائعة صباح أحد الأيام وُجدت لينا مُعلّقة بحبل في إحدى الزوايا المعتمة بمسكن الطلبة الذي كانت تعيش في إحدى غرفه.
ـــ دعوني منها.. أنا لا أشفق عليها، و لكنني أشفق على والديها.. أرسلاها الى هنا مصحوبة بأحلام وردية.. أناس فلاحون بسطاء و ابنة ينتظرها مستقبلاً زاهراً!!
الكثير ممن يقدمون على محاولات الإنتحار يتم إنقاذهم كما تعلمون. ينقذهم عادة أطباء وحدة الإنعاش إذا تيسرت عملية نقل المغامرين الفاشلين إلى المستشفى قبل فوات الأوان.
أحد هؤلاء الأطباء يقول بنبرة لا تخلو من حسرة و سخرية في آن معاً: “اليوم أنقذنا شاباً أراد الذهاب إلى هناك.. إلى العالم الآخر بدون أخذ الإذن! و لكن لم يحالفه الحظ!! أراد أن يقتل نفسه.. لقد استطعنا إنقاذ حياته و لكنه أصاب نفسه إصابات بالغة في العمود الفقري مما سبب لديه مشاكل خطيرة في جهازه العصبي، و نخشى أنه لن يكون قادراً على المشي بعد الآن”.
الشيء المثير للإهتمام أن علماء النفس يؤكدون على وجود علاقة مباشرة بين الكثير من محاولات قتل النفس مع “دعاية” الموت – إذا صحّ التعبير- و التي تروّج لها وسائل الإعلام و تعرضها الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية بطريقة أو بأخرى. فمثلاً ما أن تنشر وسائل الإعلام أخباراً عن حوادث أو نكبات طارئة أو موت شخصية شهيرة و ما إلى ذلك، حتى تُسجّل في الأيام التالية لنشر الخبر موجة من حالات و محاولات الإنتحار.
و يفسر علماء النفس هذه الظاهرة الغريبة بكل بساطة، فيقولون أن المعلومة السلبية الواحدة التي تصل إلينا ـ أنا و أنت ـ عبر وسائل الإعلام فلا تؤثر بنا الشيء الكثير، هذه المعلومة قد تكون لبعض الأفراد بمنزلة الشعرة التي تقصم ظهر البعير، و نقطة اليأس الأخيرة التي تفيض بكأس معاناتهم فتهوي بهم إلى هاوية الإنتحار.
إذاً، الإنسان شديد الحب و التعلق و العشق بهذه الدنيا، و العطش إلى ما فيها من ملذات.. هذا الإنسان هو من قد نسمع عن قتله لنفسه في ظروف نفسية معينة.
قد يحدث أن إنساناً ما يزهد في حياة الواقع فيعتزل الناس و يلتجئ إلى مكان بعيد منعزل يعيش فيه منفرداً وحيدأً وحدة مطلقة.. و قد يكون سبب ذلك رغبة لدى هذا الشخص في الوصول إلى حقيقة ما أو في كشف سر ما أو نشوداً للحرية أو غير ذلك.. بيد أن رغبته هذه التي دفعته إلى هذا النوع من الهروب و حالة عدم الرضا التي تملكته في السابق و شوقه إلى إكتشاف ذلك المجهول الذي هرب من أجله، أو تحقيق هدفه السابق عموماً.. كل ذلك يبقى معه و يعيش في وجدانه حتى في البيئة الجديدة التي أوجد نفسه فيها. و هذا يعني بقاء ما عانى منه سابقاً من توتر عصبي و ألم عاطفي و معاناة نفسية و هو في وحدته المطلقة!
إن “الأنا” لا تستطيع أن تعيش طويلاً في العزلة و الإنفراد. و إذا لم يكن أمام هذه “الأنا” وسيلة أو فرصة لإثبات نفسها فإنها قد تلجأ إلى خيار الإنتحار الشاذ من أجل تحقيق الذات. لذلك نرى أن أغلب من يقدمون على قتل أنفسهم هم أنانيون بالأصل مهما حاولوا تبرير ما يقومون به على أنه مُنطلق من دافع محبتهم للآخرين.
بالطبع لسنا الآن بصدد محاكمة المنتحرين أو تقريعهم و الإستهزاء بهم، لكن السؤال الذي ينبغي أن يجيب كل منا عليه هو: هل هناك فعلاً مشكلة بلا حل؟!
و قد يأتي الجواب تلقائياً و بدون أدنى تفكير: كلا!
غير أن الكثير منا قد يجد نفسه في مواجهة مشكلة مستعصية العلاج فعلاً.. و هنا يبرز سؤال آخر تنبغي الإجابة عليه:
أيهما أفضل: الإنكسار و التقهقر و الهروب من هذه المشكلة و تناسيها، أم الوقوف في مواجهتها بشجاعة و صبر، و محاولة إيجاد مخرج ما منها قد يكون البارحة عسيراً و يضحي اليوم ممكناً؟
أليست الأيام حُبلى بالجديد؟ و هل يأتي الصباح المنير إلا بعد ليل مظلم؟!
إن اليأس المفرط و القنوط لا مكان له في العقيدة الإسلامية عموماً. و لقد إهتم علماء الطب النفسي بتأثير الإيمان باللّه عزّ و جل في مواجهة المصائب و التخفيف من تأثير الصدمات النفسية و الإحباط المرحلي. و لهم حول هذا الموضوع عدد من الملاحظات يمكن تلخيصها في نقاط أربع:
1) القلق و الخوف و اليأس كمشاعر بشرية أساسية يمكن للدين أن يضبطها أو يخفف منها من خلال الإيمان بالله و اللجوء إليه، ومن خلال الذكر و الإستغفار و التوبة و غير ذلك.
2) الإلتزام الديني يضبط شرور النفس و يهذبها و يبعدها عن الوقوع في الإثم و الإضرار بالذات و بالآخرين.
3) الشعائر التعبدية مثل الوضوء و الصلاة و الصوم و الحج و غيرها تريح النفس و تخفف القلق و تعين الإنسان على مواجهة الحياة و متاعبها.
4) الشريعة و توجيهاتها في مجال الحياة اليومية و المعاملات تضمن معرفة الإنسان لحقوقه و واجباته و تنظم الحياة بما يضمن التعاون و التكافل و حل النزاعات و الصراعات و ضمان الحقوق كافة.
و الشيء المثير للإهتمام أن علماء النفس يؤكدون على حقيقة أن ضعف الوازع الديني سببٌ أساسي في بعض الإضطرابات النفسية و السلوكية مثل الإدمان على الكحول و المخدرات، و إضطراب الشخصية المنحرفة المضادة للمجتمع و التي يقوم صاحبها بأنواع من السلوك الإجرامي مثل الكذب و الغش و النفاق و السرقة و الإختلاس و الإغتصاب.. و أن الذين يفكرون بقتل أنفسهم هم أصلاً أناس بعيدون عن الجو الديني بمفهومه الـصـحـيـح، ناهيك عن الملحدين واللاأدريين الذين يسهل سقوطهم لكونهم لا يستندون إلى ركنٍ شديد!
إنه من المعروف لدينا جميعاً أن الذي يُقدم على الإنتحار يخالف أمر الله تعالى و يُعرّض نفسه لعقاب أليم. يقول الله عزّ وجل:
“ولا تقتُلوا أنفسكم إنّ الله كان بكُم رحيماً، و من يفعل ذلك عُدواناً و ظُلماً فسوف نُصليه ناراً” (سورة النساء: 29-30).
و يقول الرسول، صلى الله عليه و سلم: “من تردّى من جبل فقتل نفسهُ فهو في نار جهنم يتردّى فيه خالداً مُخلّداً فيها أبداً، و من تحسّى سُماً فقتل نفسهُ فسُمّهُ في يده يتحسّاهُ في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدأً، و من قتل نفسه بحديدة فحديدتُهُ في يده يجأُ ـ يطعن ـ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً” (رواه البخاري).
فالروح التي بها حياة الأبدان ليست ملكنا و إنما هي ملك خالقها جلّ و علا. و المسلم ممنوع شرعاً من مجرد المجازفة بحياته من دون سبب وجيه، ناهيك عن إنهاء هذه الحياة. لذلك نرى أن هناك أنواع من ما يُسمى بالرياضة مثلاً قد ينظر إليها الإسلام نظرة تحريمية و يحظرها لما تنطوي عليها من مخاطر هلاك النفس: “و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” (سورة البقرة 195).
فالإنسان يمضي إلى سباق سيارات مثلاً أو إلى قفز من مرتفع شاهق أو إلى نوع من أنواع المصارعة و ما إلى ذلك، و هو يعلم مسبقاً أن ما يقوم به قد ينهي حياته و يتسبب في هلاكه دونما فائدة حقيقية يجنيها لمجتمعه و لأمته. فما هو الهدف الذي من أجله يُقحم نفسه في الخطر و يجازف بها على هاوية الموت؟ أهو دفاع عن عِرض أو وطن؟ أهو إحقاق حق و إبطال باطل؟! كلا.. الهدف هو الشهرة و المال و إرضاء غرور نفسه وحسب.
من ناحية أخرى، قد يتوجه الإنسان إلى موت محقق أو إلى خطر عظيم قد يودي بحياته، يدفعه إلى ذلك إيمانه بالله و حبه لدينه و وطنه رجاء إعزازهما، كأن يفجّر نفسه في العدو أو يجابه بمفرده مجموعة كبيرة معادية أو غير ذلك.. هذه الحالات لا تنطبق عليها مفاهيم قتل النفس المحرّم و لا يمكن إعتبارها ضرباً من ضروب الإنتحار لأن الأعمال بالنيّات. فشتّان بين من يقتل نفسه ليهرب من حياة مؤلمة صعبة، و من يفجّر نفسه وسط جموع الأعداء بِنيّة التنكيل بهم و صدِّ عدوانهم، و رفعاً لراية دينه و إعلاءً لكلمة الحق.
و إذا كان المنتحر ـ كما اتفقنا سابقاً ـ أنانياً مضطرب النفس، مصدوم العاطفة، بعيداً عن جوهر الدين، ضعيف الإيمان أو حتى عديمه، متقوقعاً على نفسه، يائساً متوحداً يعشق الحياة و يلهث وراء ملذاتها.. أقول إذا كان هذا هو وصف كلّي أو جزئي لحالة من يُقدم على قتل نفسه من أجل هدف تافه، فإن المسلم الذي يُقدم بكل شجاعة على الموت فيقتحمه إقتحاماً ليُنزل ضربة موجعة في عدو الله و عدوه لَيَسمو بصفات عظيمة مناقضة تماماً لتلك التي قيلت في حق المنتحر.
إن للحياة معادلة دقيقة معقدة لا يستطيع أي عالم كيمياء أو رياضيات حلها. فحياة كل واحد منا غالية جداً و لا تُقدَّر بثمن، و لا يُعقل أن تدعنا أي مشكلة ـ مهما صعبت ـ إلى التخلي عن هذه الحياة الغالية.
إن الإنسان قادر على تجاوز الصعوبات و العراقيل و حل مشكلته أو مشاكله العويصة عاجلاً أم آجلاً. فالحياة كما يُقال مّخططة بخطوط بيضاء و سوداء، و كل خط أسود مهما كان ثخيناً و طويلاً لا بد و أن يتبعه خط آخر أبيض: “إنّ مع العُسر يُسراً” (سورة الشرح: 6).
إذاً، دعونا نتفق على أن المسلم الحق لا يمكن بحال من الأحوال أن يُقدم على الإنتحار، لأنه في كل أوقاته و تحت ضغوط الواقع و أعباء الحياة و مشاكلها و في كل لحظاته و سكناته يتّكل على خالقه، و يستقبل المشكلة أو المصيبة على أنها إبتلاء من الله سبحانه و تعالى لتمحيص إيمانه و إظهار صبره و رضاءه.
و صبر المؤمن و رضاه لا يتعارضان بالطبع مع أخذه و تعاطيه بالأسباب، فإن الصبر لا يمنع الأسباب، فلا يجزع أحدنا من المرض أو الفقر مثلاً و لكن يلجأ إلى التداوي و إلى طلب الرزق الحلال صابراً محتسباً.
و تمعّنْ معي في ما يحدِّثنا به حبيبنا المصطفى صلى الله عليه و سلم إذ يقول: “عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضرّاء صبرَ فكان خيراً له و إن أصابته سرّاء شكرَ فكان خيراً له” (رواه مسلم).
“.. لـقـد أدركـتْ أمـي حقـيـقة الـوضع: إذا لـم تـتخذ تـدبيـراً جـذرياً حـازماً فإنـها ستفـقدني، بل ربما ستفـقد كل أولادها إلى الأبد. لقد تركنا بيت أبي.. نجونا من ذلك الكابوس.. إنتقلنا إلى مدينة أخرى. أنا الآن مطمئنة.. لن أفكر بالإنتحار بعد اليوم. كم كنت سخيفة! الحياة رائعة وتستحق الصبر و الجهد.. أشعر أنني قوية الآن. قريـبـاً سـأصبح أقـوى.. قريـباً سـأصبح مُسـلمة..”