من العادات الغريبة التي غزت بعض المجتمعات المسلمة هو قيام المرأة خاصة بعمل حفل يدعى فيه الأهل والأقارب والأصدقاء والأحبة للاحتفال بمناسبة (الطلاق)، والدافع من وراء هذا الاحتفال هو كما تراه بعض النسوة أن الاحتفال يعد وسيلة لإعلام الأقارب والأصدقاء والمجتمع بأنها طلقت وأصبحت متاحة للزواج من آخرين، خاصة أن كثيرًا من النساء يتحرجن من إعلان الطلاق، وذلك حسب زعمهن.
كما أنها – أيضا في نظرهن- مظهر من مظاهر التعويض عن الحزن والأسى والألم التي عاشته المرأة طيلة عمرها مع زوجها، فهي تريد أن تعبر عن فرحها من خلاصها من زوجها.
وقد تقام تلك الحفلات في أماكن خارجية أو في بيتها إن كان كبيرًا فخمًا، وترتدي المطلقة في هذا اليوم ملابس أنيقة، وتعيش بين الغناء والرقص وشرب الخمر أحيانا أو لا يكون.
الطلاق في أصله مثار حزن لا مثار فرح وسرور، فهو هدم أسرة، مهما كان بين الزوجين من اختلاف، ولهذا، فإن الإسلام وضع كثيرًا من الموانع لإيقاع الطلاق
كما أن المرأة ترسل إلى بعض أصدقائها من الرجال الذين يميلون إليها تخبرهم بطلاقها من زوجها، فيرسلون إليها بعض الهدايا كالعطور والمجوهرات وغيرها، وقد تحتفل المرأة مع بعض الرجال وحدها في بعض الأماكن، وقد تكون الحفلة يوما أو عدة أيام في بعض الأحيان.
والحق أن الطلاق في أصله مثار حزن لا مثار فرح وسرور، فهو هدم أسرة، مهما كان بين الزوجين من اختلاف، ولهذا، فإن الإسلام وضع كثيرًا من الموانع لإيقاع الطلاق، واستعمل فيه منهج الوقاية قبل أن يكون علاجًا، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم بسنده عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال:” لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي لها آخر”، والحديث وإن كان موجهًا للزوج، فهو أيضًا موجه للزوجة بدلالة المخالفة – كما يقول الحنفية-، فإن كرهت الزوجة من زوجها خلقًا، رضيت منه آخر، وذلك راجع لطبيعة اختلاف الجنسين، كما قال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]، فلابد أن يدرك الزوجان أن طبيعتهما مختلفة، فلا ينتظر الزوج أن تعامله الزوجة بعقله، ولا تنتظر الزوجة أن يعاملها الزوج بعقلها، بل هما مختلفان للتقارب والتجانس والتكامل.
ومع هذا، فالطلاق مباح إن توافرت الدواعي إليه، فقد يكون الاختيار خاطئًا من البداية، وتستحيل الحياة بين الزوجين، ويكون البقاء شرًا لهما؛ فلا مناصَ وقتها من الطلاق الذي شرعه الله تعالى وفق منهجه، وقد أبان القرآن عن منهج الطلاق في سورة البقرة، كما جاءت سورة كاملة باسم الطلاق، أبات كثيرًا من أحكامه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا . فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } [الطلاق: 1 – 3].
كما أنه من الأخطاء الشائعة والمحرمات المرتكبة أن المرأة إن تلفظ الزوج بيمين الطلاق تركت البيت بغير رجع، ولم تمكث عدتها في بيت الزوجية، وهي مخالفة صريحة لأمر الله تعالى الذي قال: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).
من الأخطاء الشائعة والمحرمات المرتكبة أن المرأة إن تلفظ الزوج بيمين الطلاق تركت البيت بغير رجع، ولم تمكث عدتها في بيت الزوجية، وهي مخالفة صريحة لأمر الله
وللمرأة إن كانت مظلومة لا تطيق الحياة مع زوجها أن تفرح بأن أزال الله تعالى عنها الأذى والتعب، وأراحها من حياة كئيبة، وهذا الشعور الفطري لا يقف الإسلام حائلا بين المرأة وبينه، بل لها أن تحمد الله تعالى على أن نجاها مما كانت فيه من البلاء الكبير، ذلك إن كانت الحياة تستحيل بكل شكل، وللرجل أيضًا أن يفرح بالطلاق إن كانت زوجته لا تطاق عشرتها، ولكن الأولى في حقه أن لا يطلق، وقد أباح الله تعالى له التعدد، ومن حكم التعدد أن يحافظ الزوج على البيت الأول، فيلجأ إلى الزواج من أخرى بدلا من طلاق الأولى.
غير أن هذا لا يبيح للزوجة أو الزوج أن يقيم احتفالا بسبب الطلاق، فإن هذا مما لا يعرف في مجتمعات المسلمين منذ بداية الإسلام، بل لم يعرف في سلف ولا خلف، وهو والحمد لله من نوادر المجتمع المسلم وغرائبه، وليس من عاداته وتقاليده، فالطلاق مما يؤسف له في الجملة، وهو في الشريعة ليس مقام فرح، بل هو مقام صبر على قدر الله تعالى من تفريق أسرة، وتشتيت أولاد، فمن ابتلي بالطلاق، فليكن الحمد لله والصبر لقضائه هو ما يتحلى به في مثل هذا الموقف.
والدليل على النهي عن إقامة مثل هذه الاحتفالات ما ورد عن النبي ﷺ من قوله: ” صوتان ملعونان : صوت عند نعمة , وصوت عند مصيبة ” .
وقد ورد في الحديث عند أبي داود في سننه: ” أبغض الحلال إلى الله الطلاق” فهل يحتفل بشيء يبغضه الله تعالى؟
كما أن الاحتفال بالطلاق في حال الطلاق الرجعي محرم باتفاق؛ لأن المرأة مازالت في العدة، ويحل للزوج أن يراجعها، فكيف تحتفل بشيء لم يتم حصوله نهائيا، وهي في عصمة الرجل في وجه من الوجوه.
كما أن إقامة الاحتفال بالطلاق قد يصد الرجل عن العودة مرة أخرى، وأن لا يعيد زوجته، مما يعني أن الاحتفال وسيلة لهدم البيوت، وهدم البيوت محرم في الشريعة، وكل وسيلة أدت إلى الحرام فهي حرام.
وفي حال الطلاق، قد تكون المرأة هي الظالمة المعتدية، فكيف تكون المرأة مخطئة في حق ربها وفي حق زوجها وفي حق أولادها، ثم هي تحتفل بمعصيتها!!
المرأة المسلمة وقافة عند حدود الله تعالى، ملتزمة بأمره ونهيه، وتلك حقيقة الإيمان
ثم إن كان الطلاق بائنًا، وكان مصدر فرح وسرور للمرأة أن تخلصت من حياة مليئة بالضرر عليها، فحمد الله تعالى لا يكون بالاحتفال والاختلاط والمحرمات، وإنما يكون بالعبادة والشكر لله تعالى، وتدعو الله تعالى أن {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 28]
أما الإعلان عن الطلاق، وأن المرأة قد طلقت؛ فلا بأس به، على أن يكون بعد انقضاء العدة الشرعية، وأن يكون بالوسائل المباحة من الإخبار بين الناس من الأقارب والأصدقاء، وهذا غالبا ما يعرف بين الناس، فتلك وسائل مشروعة.
أما الاحتفال، فقد شرعه الله تعالى للزواج والبناء، فلا يكون للطلاق والهدم، فتلك بدعة على غير هدي دين الإسلام، والمرأة المطلقة ترجو من الله تعالى أن يوفقها لزوج صالح، فلتطلب ما عند الله تعالى بطاعة الله سبحانه.
والمرأة المسلمة وقافة عند حدود الله تعالى، ملتزمة بأمره ونهيه، وتلك حقيقة الإيمان.