يشهد الاستثمار المستدام طفرة سريعة، ويتوسع حجم هذه الاستثمارات يوما بعد يوم، حيث تشير التقارير الاقتصادية الحديثة إلى أن هذا النوع من الاستثمار فتح آفاقا واعدة، وأسس لسوق استثمارية جديدة، تراعي ضمن ما تراعي العوامل البيئية والمنافع الاجتماعية لهذه الاستثمارات، حيث يسعى الاستثمار المستدام إلى المواءمة بين المتطلبات البيئية والاجتماعية وبين الأهداف الربحية التى يسعى إليها.
يشير تقرير شركة جي بي مورغان المتخصصة في الشؤون الاستثمارية أن قيمة الاستثمارات المستدامة وصلت ما قيمته 3 تريليون دولار، بينما يقدر التعاون الدولي للاستثمارات المستدامة قيمة سوق الاستثمارات المستدامة بـ31 تريليون دولار.
ماهي الاستثمارات المستدامة؟ وما هي الآفاق الجديدة التي تفتحها هذه الاستثمارات؟ وما مميزات هذا النوع من الاستثمار؟ تسلط هذه المقالة الضوء على السوق الاستثمارية الجديدة وما تفتحه من آفاق في تحقيق أهداف التنمية.
سوق استثمارية تتوسع
الاستثمار المستدام أو ما أصبح يعرف داخل الأوساط المالية والاقتصادية بالاستثمار المسؤول ( Responsible Investment) وهو استثمار يأخذ بالاعتبار العوامل البيئية والمنافع الاجتماعية كمحددات أساسية لهذه الاستثمارت.
خلال السنوات الأخيرة شهد هذه الاستثمارات توسعا وانتشارا مع تصاعد الاهتمام بقضايا المناخ وكذلك مشاكل التنمية، هذا الانتشار شمل العديد من الدول، ففي فرنسا أعلنت وحدة تسيير الثروة في بنك BNP أن البنك يستثمر 12 مليار يورو في سوق الاستثمارات المستدامة، واعتبر البنك أن نسبة نمو هذه الاستثمارات تصل 50% كل سنة، وذلك منذ سنة 2011.
وفي بلجيكا تقدم مؤسسة BNP Paribas Fortis للخدمات المصرفية استثمارات مستدامة لزبنائها حيث تصل نسبة هذه الاستثمارات 7 مليارات يورو ، وتربط هذه المؤسسة المصرفية استثماراتها بالمنافع الاجتماعية المترتبة على الاستثمار، وذلك من خلال دعم مالي لـ 20 مشروعا سنويا.
وفِي إيطاليا ساهمت الاستثمارات المستدامة في تمويل العديد من النشاطات الاجتماعية من ضمن هذه النشاطات دعم مبادرة Telethon وهي مبادرة تأسست في استراليا مهتمة برعاية الأطفال، وتحسين وضعهم.
أما في آسيا التي تسابق الزمن في مواكبة كل جديد للاستفادة من عامل السرعة، فقد أطلقت مجموعة من البنوك والمؤسسات المالية أسهم خاصة بالاستثمارات المستدامة، حيث يمكن للمستثمرين الوصول إلى منصة خاصة بهم وإدارة أسهمهم من خلال منظومة SDG.
مميزات الإستثمار المستدام
تتميز الاستثمارات المستدامة بمجموعة من الخصائص والمميزات تجعلها ذات قدرة كبيرة على المنافسة في سوق الاستثمارات العالمي حيث تمتلك هذه الاستثمارات قدرة جذب خاصة للمستثمرين، ويمكن تلخيص خصائص الاستثمار المستدام في نقاط أهمها:
استثمارات صديقة للبيئة
الاستثمار المستدام هو استثمار يراعي سلامة البيئة والمحافظة عليها، حيث تأخذ هذه النوعية من الاستثمار في الحسبان تأثيرات النشاط الاقتصادي الناتج عن الاستثمار على البيئة، ومدى تأثر هذه البيئة بنوعية النشاط، وهكذا تحرص الاستثمارات المستدامة على اختيار نشاط اقتصادي صديق للبيئة، والابتعاد عن الأنشطة الاقتصادية التى تتسبب في التلوث أو استنزاف الثروات أو التلوث الكيميائي ، وغير ذلك مما ينعكس سلبا على التنوع البيولوجي.
استثمارات تراعي المنافع الاجتماعية
تراعى الاستثمارات المستدامة القضايا الاجتماعية المتعلقة بظروف الناس وحالهم في المناطق التي تستفيد من هذه الاستثمارات ، من ضمن الجوانب التى تأخذها الاستثمارات المستدامة في الحسبان: تحسين الصحة والتعليم، الإهتمام بأماكن العمل و مراعاة المعايير الصحية والأمان فيها، الالتزام بحقوق الإنسان وعدم التمييز والمشاركة الفعالة للمجتمع المستهدف بالمشروع.
كما تراعي هذه الاستثمارات القوانين الدولية مثل: عمالة الأطفال، والعمل القسري. وتشمل استراتجية المنافع الاجتماعية التى يتيحها الاستثمار المستدام تكوين المواهب ودعم المشاريع الصغيرة لأصحاب الدخل المحدود.
استثمارات تساير الخطط الحكومية
تساير استراتيجية الاستثمار الجديدة المعروفة بالاستثمار المستدام الخطط الحكومية، حيث تسهم في دعم سياسات الحكومة الرامية إلى التخفيف من حدة تداعيات التأثيرات المناخية المتصاعدة، والتى تشكل تحديا كبيرا للكثير من حكومات العالم اليوم، كما تسهم هذه الاستثمارات في التخفيف من الفجوة بين طبقات المجتمع من خلال ما توفره من برامج وأنشطة موجهة لفئات المجتمع الأقل دخلا.
مع تنامي التحديات الناجمة عن التلوث البيئي، الذي يتسبب في مشاكل بيئية حساسة؛ من ضمنها الاحتباس الحراري والتغير المناخي، وهي ظواهر مناخية أصبحت هاجسا يؤرق المنظومة الدولية، تأتي فكرة الاستثمارات المستدامة لتحاول من خلال أهدافها ومميزاتها لعب دور إيجابي قوي في المحافظة على البيئة، وذلك بخلق وعي جماهيري لدى المستثمرين بأهمية البيئة في حياتنا، كما يشمل جانب الاستثمار المستدام المنافع الاجتماعية، وهي فكرة تكرس خدمة طبقات المجتمع ذات الدخل المحدود، من خلال أخذ احتياجاتها في الاعتبار؛ سواء تلك المتعلقة بخلق فرص عمل، أو تلك المتعلقة بالمساعدات الاجتماعية، من خلال مشاريع تنموية تساعد طبقات المجتمع على تحسين وضعها المعيشي عبر مشاريع إنتاجية.