يشغل الاقتصاد حيزاً كبيراً من تفكير واهتمامات العامة والخاصة، ويقوم الاقتصاد على فلسفات مركزية تمثله توجهاته، فهناك الاقتصاد الرأسمالي، والاقتصاد الاشتراكي، وظهر ما يعرف بـ (الاقتصاد الإسلامي)، وكل له مرجعيته وفلسفته.

على أنه بناء على سنة التدافع، وهي من أهم سنن الله في الكون والحياة يجب إعادة النظر، ومحاولة التأثير على الاتجاهات الأخرى من جهة، والانتفاع بها من جهة ثانية، وطرح مصطلح (الاقتصاد القيمي) (Value-Based Economics) يعد من هذا الباب.

ومصطلح (الاقتصاد القيمي) ليس جديد التسمية في علم الاقتصاد، فالعلماء يفرقون بين ما يعرف بـ(الاقتصاد الموضوعي)، أي الذي يفسر الحقائق كما هي، ويوضح طبيعة العلاقات التي تربط بينها، وبين (الاقتصاد القيمي): ويعني وجهة النظر أو السياسة الاقتصادية التي يراد اتخاذها، سواء من قبل الفرد أو المجتمع، يعني أنه يمثل وجهة نظر ورؤية حول الواقع.

لكن المقصود هنا بـ (الاقتصاد القيمي) شيء آخر، وهو إيجاد القدر المشترك بين الاقتصاد الوضعي والاقتصاد الإسلامي، والتزام كل منهما بالقيم الأخلاقية التي تحكم السلوك الاقتصادي، فهو يسعى إلى إيجاد الوضع الأفضل للاقتصاد، وما يجب أن يكون عليه، وأن الفصل بين الأخلاق والاقتصاد تشويه للمقصود من علم الاقتصاد نفسه.

فبدلا من أن يكون هناك (اقتصاد وضعي) خالص، و(اقتصاد إسلامي) خالص، سيكون هناك نوع ثالث هو (الاقتصاد القيمي)، وهو تحريك للماء الراكد بين نوعي الاقتصاد، ومن المعلوم أن الاقتصاد الإسلامي هو اقتصاد قيمي في المقام الأول، لكنا نريد أن يتحول الاقتصاد الوضعي إلى اقتصاد قيمي، وهي مرحلة انتقالية للوصول إلى تحقيق مقاصد علم الاقتصاد، من الإدارة المثلى للثروة والموارد، بما يحقق إشباع الاحتياجات والوصول إلى الرفاهية.

دوافع الدعوة إلى الاقتصاد القيمي

هناك عوامل كثيرة تدعو إلى تبني مفهوم ( الاقتصاد القيمي)، ومن أهمها:

  1.  الحاجة للتكامل: مع ميلاد الاقتصاد الإسلامي ومزاحمته للاقتصاد الوضعي، وتباين المنهجين، أصبح من الحاجة الماسة استفادة النظم والمناهج من بعضها البعض.
  2.  تجاوز المصطلحات: تخوف كثير من الاقتصاديين من إطلاق اسم (الاقتصاد الإسلامي) على الممارسات الاقتصادية، رغم القناعة بمنهجية الاقتصاد الإسلامي وتأثيره، ولهذا دعا بعض المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي ألا يسمى بهذا الاسم، وأنه ليس هناك شيء اسمه اقتصاد إسلامي، وإنما الاقتصاد القائم على الرؤية الإسلامية.
  3.  التغيير التدريجي: الانطلاق من الحد المشترك، مع الحفاظ على خصوصية المدارس الاقتصادية فيه انتصار للقيم والأخلاق الخاصة بالمجال الاقتصادي، وأن التغيير الاقتصادي المنشود لا يمكن أن يكون دفعة واحدة، وإنما من خلال إدخال بعض السياسات النقدية والممارسات القائمة على القيم والأخلاق، بحيث تكون مرحلة تجريب، يمكن من خلالها اختبار المنهج السلوكي ومدى فاعليته في النشاط الاقتصادي والحكم عليه من خلال التجربة والواقع، لا من خلال التنظير والتأطير.
  4.  تحقيق الحوكمة الاقتصادية: الإعلاء من شأن القيم في الممارسات والأنشطة الاقتصادية يحقق الحوكمة الاقتصادية، ويحفظ الممارسات الاقتصادية من الانحراف عن مسارها الصحيح حتى داخل الاقتصاد الإسلامي، فقد لوحظ أن هناك انحرافا في بعض الأنشطة والممارسات الاقتصادية داخل مؤسسات الاقتصاد الإسلامي، وأنها خرجت عن مقاصده التي من أجلها نشأ، وإعادة الاقتصاد الإسلامي إلى أهدافه وغاياته يكون عن طريق ضبطه بالقيم الحاكمة له.
  5.  تصحيح مسار الاقتصاد الوضعي: إدخال القيم في الاقتصاد هو تصحيح لمسار الاقتصاد الوضعي الذي همش البعد الأخلاقي في أنشطته وممارساته.

أهداف الاقتصاد القيمي

هناك العديد من أهداف الاقتصاد القيمي، ومن أهمها:

  1.  توليد أرضية مشتركة: إيجاد قدر مشترك بين الاقتصاد الوضعي والاقتصاد الإسلامي، بما يحقق أهم الأهداف المشتركة والرئيسة لعلم الاقتصاد بكل مكوناته في تحقيق الكفاية والرفاهية للإنسان.
  2.  تحقيق مقاصد علم الاقتصاد المتفق عليها، حتى ولو تمت بغير اسم (الإسلامي)، فالمهم هو تطبيق السياسات الحاكمة للنشاط الاقتصادي، وقد قبل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- قبول الجزية بغير اسمها من قبيلة عربية هي: قبيلة تغلب، وأطلق عليها “زكاة”، وذلك احتراما لمشاعرهم ورفعا للحرج عنهم أمام العرب، حيث كانت قبيلة عربية مسيحية لا يرضون بدفع الجزية كغير العرب من أهل الكتاب، فكان تغيير المسمى حلا للابتعاد عن المهانة أمام بقية العرب، ومن المعلوم أن العبرة بالمسميات لا بالأسماء.
  3.  الاستفادة المنضبطة: تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من خلال المناهج الاقتصادية وتطبيقاتها وممارستها، وحتى تكون الاستفادة منضبطة؛ لابد من مراعاة القيم الحاكمة؛ لأن القيم ستضبط الاستفادة وتوسعها في باب الوسائل والممارسات، بخلاف المناهج والسياسات.
  4.  جعل الإنسان هو المحور: أن الاقتصاد القيمي يجعل الإنسان المحور الرئيس في العملية الاقتصادية، وليس أداة من أدوات الإنتاج والاستهلاك
  5.  الاقتصاد في خدمة الحياة: أن الاقتصاد القيمي يجعل الاقتصاد في خدمة الحياة، وأنه ضرورة لتحقيق الرفاهية الجماعية.

القيم الاقتصادية

يسعى الاقتصاد القيمي إلى تحقيق عدد من القيم التي تصحح مسار الاقتصاد، مثل:

  • الضريبة العادلة.
  • الضمان الاجتماعي لحماية الفئات المهمشة.
  • توفير الخدمات الرئيسة كالصحة والسكن والتعليم.
  • حماية المستهلك وضبط حركة السوق.
  • المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والشركات.
  • التمويل الأخلاقي.
  • التجارة العادلة.
  • الحوكمة الأخلاقية وغيرها.

فرص الاقتصاد القيمي

الدارس للحركة الاقتصادية في العالم، ودخول الاقتصاد الإسلامي في السوق،  يجد أن فرص الاقتصاد القيمي أصبحت كبيرة، ورغم الصعوبات والتحديات التي تواجهه، إلا أنه يحظى بفرص جيدة، ومن مظاهر ذلك:

  • تزايد الوعي العالمي بأهمية القيم لمواجهة الأزمات المالية العالمية بسبب الممارسات اللأخلاقية في الاقتصاد.
  • الحاجة الملحة إلى معالجة التحديات العالمية كتغير المناخ وعدم المساواة.
  • بروز بعض الاتجاهات الاقتصادية التي تسهم في رفع أسهم الاقتصاد القيمي، مثل: الاقتصاد التضامني، والاقتصاد الأخضر.
  • انتشار التمويل الإسلامي، حتى إن كثيرا من مؤسسات الاقتصاد الوضعي فتحت نوافذ للاقتصاد الإسلامي.
  • انتشار الوعي العالمي بالحاجة إلى السعادة القائمة على القيم، لا على المادة وحدها.

وغير ذلك من العوامل التي تجعل أرضية طرح ( الاقتصاد القيمي) أمراً مقبولاً لدى المؤسسات الاقتصادية حول العالم.

ما هو الاقتصاد القيمي باختصار؟

الاقتصاد القيمي هو نظام اقتصادي يسعى لدمج المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية في جميع الأنشطة والممارسات الاقتصادية، بهدف تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية بدلاً من التركيز على الربح المادي فقط.

ما الفرق بين الاقتصاد القيمي والاقتصاد الإسلامي؟

الاقتصاد الإسلامي هو اقتصاد قيمي بطبيعته لأنه يستمد قيمه من الشريعة الإسلامية. أما “الاقتصاد القيمي” فهو مصطلح أوسع يهدف ليكون مظلة مشتركة يمكن أن يلتقي تحتها الاقتصاد الإسلامي مع توجهات أخلاقية أخرى في الاقتصاد الوضعي.

لماذا نحتاج إلى الاقتصاد القيمي اليوم؟

نحن بحاجة إليه لمواجهة الأزمات المالية العالمية الناتجة عن الممارسات اللاأخلاقية، ومعالجة قضايا مثل عدم المساواة وتغير المناخ، وإعادة التركيز على الإنسان كمحور أساسي للتنمية الاقتصادية.