بعد الأزمة المالية العالمية سنة 2008 التى أربكت المنظومة المالية العالمية وأدت بالكثير من البنوك العالمية إلى الإفلاس ، بدأت الكثير من الهيآت المالية والمنظمات البحثية المهتمة بشؤون المالية في العمل على بلورة مقترحات جديدة تساعد البنوك على مواجهة التحديات وفي مقدمتها إيجاد آلية لإمتصاص الأزمات المفاجئة و التقليل من تأثيرها على النظام المصرفي. في هذ الإطار جاءت مقررات”بازل 3″ التي تمت صياغتها وإعدادها من طرف ما يعرف بـ(Basel Committee on Banking Supervision)
لجنة بازل للرقابة البنكية
هي لجنة تشريعية للرقابة البنكية تم إنشاءها في سنة 1975 من طرف الدول العشر وهي : ( بلجيكا ، كندا ، فرنسا ، ألمانيا ، إيطاليا ،اليابان، السويد ، إيرلندا ، سويسرا ، المملكة المتحدة و الولاياة المتحدة الأمريكية) الهدف من إنشاء هذه اللجنة هو تطوير الوسائل الرقابية و تحسينها من أجل ضمان جودة أكبر للمنظومة البنكية . وتشمل مقترحات اللجنة مجموعة من المعايير و التعليمات من ضمنها ما يعرف ب : International Standard on Capital Adequacy و هو المعيار الدولى لكفاءة رأس المال.
مقررات “بازل 3”
خلال سنة 2010 – 2011 تم إصدار مقررات “بازل 3” وذالك بعد النتائج الكارثية لأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2008 و التى تحولت فيما بعد إلى أزمة مالية عالمية، وهذه المقترحات هي عبارة عن تكملة لمقترحات “بازل 1” ، “بازل 23”. ويمكن تقسيم مقررات “بازل 3” الجديدة إلى صنفين: الأول : إجراءات جزئية : وتشمل معالجة الخطر على المستوى الفردي لدي البنوك ، الثاني : إجراءات كلية: وتشمل المخاطر المنتظمة أو ما يعرف ب “Systematic Risk” .
الإجراءات الجزئية: في هذا الجانب تركز مقررات “بازل 3” على ضرورة التحسين من متطلبات كفاءة رأس المال ، والفعالية ـ إضافة إلى تحسين وتطوير معايير السيولة وكميتها. مثلا فيما يتعلق بكفاءة رأس المال تطالب هذه المقترحات بالمزيد التقييد على تعريف راس المال ، نسب رأس المال ، نسب تكلفة رأس المال. في مجال المعايير الكمية للسيولة قدمت مقررات “بازل 3” مجموعة صيغ يتم من خلالها قياس مستوى السيولة لدى البنك على مدى الفترة القصيرة (30 يوم) وتحدد هذه الصيغة مدى قدرة البنك على تغطية النقص في السيولة في حالة الأزمات والصدمات المفاجئة. كما تم إعتماد آلية أخرى جديدة لقياس مستوى السيولة لدي البنك فى الفترة المتوسطة و الطويلة (من 31 يوم إلى 1 سنة) ومدى قدرة البنك على تغطية هذا النقص في فترة الإهتزازت والصدمات المالية على المتوسط والطويل.
الإجراءات الكلية: ركزت هذه الإجراءات على كيفبة حماية المنظومة البنكية بشكل عام أثناء فترة الصدمات المالية ، إضافة إلى تحسين وتطوير ما يعرف ب Accumulation of Capital Buffer أو “تراكم رأس المال الوقائي” في الظروف الجيدة من إجل إستخدامه في ظروف الأزمات والصدمات غير المتوقعة. كما عالجت هذه الإجراءات بشكل دقيق متطلبات حماية رأس المال وذالك من أجل تجنب التوزيع غير الصحيح لراس المال.
متطلبات تطبيق مقررات “بازل 3”
على البنوك التى ترغب في تطبيق مقررات “بازل 3” رفع رأس مالها الثابت بنسبة 25% ، كذالك زياردة السيولية الوقائية Liquidity Buffer ب 40% . كما تطالب مقررات Basel III ب نسبة من 10 – 15 % رأس ثابت زيادة على ما سبق. أما في ما يتعلق ب كفاءة رأس المال فقد حددت المقترحات أن يكون ما بين 9 إلى 12 % . الرافعة المالية أو ما يعرف ب Leverage Ratio يجب أن لا تقل عن 3%.
تأثيرها على البنوك الإسلامية
البنوك الإسلامية كغيرها من المنظومات المالية تتأثر بكل جديد في مجال السياسات المالية ، سواء كانت سياسات وقائية ، أو سياسات حماية أو تحسين الأداء إلى غير ذالك ، ومقررات “بازل 3” بالإمكان أن تساعد البنوك الإسلامية في تطوير أدائها رغم التحديات التى جاءت بهذا هذه المقترحات خاصة فيما يتعلق بالسيولة وسنتطرق إلى تأثيرت مقتراحات بازل على البنوك الإسلامية على النحو التالي :
مؤشر كفاءة رأس المال والرافعة المالية
حسب أغلب الدراسات فإن البنوك الإسلامية تعتمد بشكل أكبر على الأصول الثابتة مقارنة مع البنوك الربوية . نتيجة لذالك فإن مؤشر كفاءة رأس المال الجديد المقترح من طرف لجنة “بازل 3” سيكون تأثيرها أكبر على البنوك الربوية منها على البنوك الإسلامية. كذالك البنوك الإسلامية في الغالب لا تستخدم المشتقات المالية (Derivatives) وهي أدوات مالية تحول مخاطر إتمانية من شخص لآخر ، وتستخدم هذه الإدوات بكثرة من طرف البنوك الربوية وبالتالي البنوك الإسلامية تحتاج معدل خطر أقل على الأصول من البنوك الربوية. فيما يتعلق بنسبة الرافعة المالية أو Leverage Ratio المقترحة من طرف “بازل 3” والتى تكون على الأقل 3% البنوك الإسلامية تعتمد على الأصول الثابتة وبالتالي فإن إشكالية الرافعة المالية غير مطروحة لهذه البنوك.
معيار السيولة لدى البنوك الإسلامية
ركزت مقررات “بازل 3” بشكل كبير على السيولة وآلياتها ، وتعتبر هذه نقطة التحدي الكبير للبنوك الإسلامية في ضوء مقترحات “بازل 3” ، وبشكل عام تعتبر السيولة لدى البنوك الإسلامية أكبر تحدي نتيجة لمحدودية وسائل هذه السيولة في المعاملات المالية الإسلامية ، وفي هذا الإطار يعتبر صكوك قصير الأجل الذي تم إستحداثه من طرف International Islamic Liquidity Management Corporation (IILM) بمثابة حل مؤقت لإشكالية السيولة في البنوك الإسلامية. وعلى العموم فإن أدوات السيولة في السوق المالية الإسلامية تعتبر اقل فاعلية وقدرة على توفير السيولة مقارنة في السوق المالية التقليدية وهو كما ذكرنا يشكل تحد حقيقي للمالية الإسلامية. وفي هذه النقطة ليس لدى البنوك الإسلامية ما تفعله في ضوء مقررات “بازل 3” حول السيولة.
تهدف مقررات “بازل 3” إلى زيادة قوة المنظومة البنكية وتحسين أدائها في وجه الأزمات و الصدمات المفاجئة وذالك من خلال زيادة السيولة و نقص قوة الرافعة المالية Leverage Ratio أي التقليل من التركيز على الإقتراض.
وتشمل هذه المقررات العديد من السياسات و المعايير المالية التى قد تسهم في تحسين أداء البنوك و خلق سياسات وقائية لتخفيف من آثار الأزمات المفاجئة.