كُلّما كان الطفل أكثر سُمنةً في مجتمعاتنا كُلّما رأى الكثير من الناس في ذلك مؤشراً على الترف والرخاء، حيث الخُمول يعكسُ الترف، والسُمنة تعكس الرخاء. وكثيراً ما نُحاول إطعام أطفالنا أكثر من طاقاتهم في مُحاولة منّا لإظهار عواطفنا ومحبّتنا لهؤلاء، على اعتبار أن الطفل يحتاج إلى التغذية بنسبة كبيرة كي يكتمل نموّه، وعلى اعتبار أن السُمنة في الطفولة هي مرحلة آنية طبيعية.
وهو معتقدٌ صحيّ، وثقافي، واجتماعي خاطئ يتسبب في قتل ما لا يقلّ عن 2.6 مليون إنسان كل عام بسبب فرط الوزن والسمنة في مرحلة الطفولة، وذلك بحسب الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية. فاليوم باتت سُمنة الطفولة (5-19 عاماً) تُشكّل إحدى أخطر المشكلات الصحية في القرن الحادي والعشرين، واتخذت هذه المشكلة أبعاداً عالمية لأنها لا تُصيب فقط المجتمعات المخملية، وإنما أيضاً تضرب وبقوّة المجتمعات في العديد من البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، ولاسيما المناطق الحضرية منها. وقد شهدت معدلات انتشار تلك الظاهرة زيادة بشكل مريع. حيث تشير التقديرات إلى أنّ عدد الأطفال الذين يعانون من فرط الوزن تجاوز عام 2010، 42 مليون نسمة على الصعيد العالمي، منهم نحو 35 مليوناً يعيشون في البلدان النامية.
فما هي الأسباب الحقيقة وراء هذه المشكلة وما هي المخاطر؟
يعزو الخبراء في فرط الوزن والسُمنة في مرحلة الطفولة انتشار “وباء” السُمنة بين الأطفال إلى التحوّل في النظام الغذائي على الصعيد العالمي، وإلى فرط الاتجاه نحو استهلاك الأطفال للأغذية التي تحتوي على نسبة عالية من الطاقة والدهون والسكاكر، في مقابل نسبة شبه معدومة من الفيتامينات والمعادن والمغذيات الصحية، وهو ما يتعلق بصناعة الأغذية وتوزيعها وتسويقها في هذه الدول. بالإضافة إلى خفض مستويات النشاط البدني نتيجة توفر وسائل النقل وتزايد التوسع الحضاري وانتشار الألعاب الإلكترونية التي يفضلّها الطفل اليوم على الألعاب الشعبية.
على مستوى المخاطر التي تُسببها هذه المشكلة، يرى الأخصائيون أنه من المحتمل أن يظلّ الأطفال الذين يعانون فرط الوزن والسمنة على حالهم عند الكبر وأن يتعرّضوا أكثر من غيرهم في سنّ مبكّرة للإصابة بأمراض خطيرة منها: السكري والأمراض القلبية الوعائية، الاضطرابات العضلية الهيكلية، وتخلخل العظام، وبعض أنواع السرطان (سرطان بطانة الرحم وسرطان الثدي وسرطان القولون).
خطورة مشكلة السُمنة بين الأطفال دفع بمنظمة الصحة العالمية إلى إطلاق مصطلح “وباء” السُمنة. وإلى وضع استراتيجية عالمية بشأن النظام الغذائي والنشاط البدني وإطلاق مبادرات عالمية حول “التربية الغذائية” بالتعاون مع الوكالات الأُممية التابعة لها، ومُناشدة الحكومات والهيئات الشريكة الدولية وتنظيمات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص للمساهمة في توعية الأهل وتوعية الأخصائيين التربويين في المدارس، بهدف بناء بيئة صحية وإتاحة الخيارات الغذائية الصحية للأطفال وبأسعار معقولة.
في هذا الإطار تعمل اليوم منظمة الأغذية والزراعة على نشر ما يُعرف اليوم بـ”التربية الغذائية والتغذوية” في المدارس لتعليم المهارات الأساسية في مجالات الغذاء والتغذية والصحة، وذلك من خلال تشجيع المدارس على توفير “الحديقة المدرسية” التي يتعلّم فيها الأطفال زراعة الفواكه والخضروات وتناول ما يزرعونه أثناء فترة الاستراحة. بالإضافة إلى تطوير مواد لإدماج التربية الغذائية والتغذوية في المناهج الدراسية للمدارس الأساسية بحيث يتعلّم الطفل في المرحلة المبكرة أضرار المأكولات السريعة والسكاكر وينشأ على فوائد الأطعمة الصحية، فضلاً عن تشديد الرقابة الصحية على “مقاصف” المدارس.
على صعيد التربية المنزلية ينصح الخبراء بتوفير فطور صحي في مستهلّ كل يوم من أيام الدراسة من خلال وجبات صحية مدرسية صغيرة (حبوب غير منزوعة النخالة أو خضر أو فواكه)، واحترام رغبة الطفل عند الإشباع وعدم توسيع قدرته على الأكل، و تقليص مدخول الأطفال لشراء السكاكر، كذلك تعليمهم مقاومة المغريات واستراتيجيات التسويق وكيفية قراءة المكونات الغذائية، إلى جانب تعزيز النشاط البدني في البيت ومكافحة الخمول (مشاهدة التلفزيون، أو استخدام الحاسوب)، من خلال تكريس النشاط البدني كأحد الأنشطة الروتينية التي تمارسها الأسرة (تخصيص فترة يمشي فيها كل أعضاء الأسرة معاً أو يقومون فيها بألعاب بدنية، أو تنظيم مسابقات منزلية في لعبة بدنية، أو تعليم الأطفال إعداد الطعام الصحي السريع.
قد رُوى ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إن من السرف أن تأكل كُلّ ما اشتهيت”…
اشتهوا لأطفالكم حياة صحية سعيدة بعيدة عن السُكر والسرطان والسكتة الدماغية. ولا تشتهوا لهم ما يقتلهم بأموالكم.