تدخل إلى أحد الأسواق فتجد سلعة واحدة لها أكثر من سعر تسأل عن سبب التفاوت بين هذه الأسعار فيأتيك الجواب؛ بسبب بلد المنشأ والعلامة التجارية والاختلاف بين السلعة الأصلية والمقلدة، هذا التفاوت أحد الظواهر التي يمتلأ بها الكون بل تجده في النفس الإنسانية الواحدة فأحيانا تكون في وقت أفضل منه في وقت آخر وفي حال أفضل منه في حال آخر.

وأوضح الأمثلة على ذلك المقارنة بين من يؤدي صلاة الفجر في وقتها ويصبح نشيطا طيب النفس يستقبل الحياة بحسن ظن بالله تعالى وهمة عالية ونفس مشرقة، ومن يصبح خبيث النفس كسلانا لا يطيق نفسه ولا يتحمل كلمة من الآخرين دائما متحفز للعراك باليد أو باللسان ثم يعود بعد يوم حافل بالجهد والمشقة  بلا إنجاز سواء  على المستوى الديني أو الدنيوي أو الاجتماعي أو النفسي.

هذا التفاوت بين البشر كما يكون داخل النفس الإنسانية بين ساعة وساعة يكون كذلك في الأعمال التي يقوم بها الإنسان فتارة تكون في القمة رقيا ونبلا وأداء، وأخرى تكون في القاع، وكثيرا ما تكون بينهما.

مما يرفع بعض الأعمال على بعض: تتفاوت الأعمال بحسب ما فيها من إخلاص، هذا الإخلاص يدفع إلى تجويد العمل وإتقانه وتوسيع دائرة المنتفعين به ، في المساحة الجغرافية وفي الزمان وهو أحد معاني الاستدامة ليتواصل نفع العمل الصالح عبر الأجيال، وفي توجيه هذا العمل لمن هم أشد حاجة من غيرهم.

كيف تعرف أفضل المسلمين؟

بداية نحب أن نقرر أن المسلم مهتم بحالته الدينية والخلقية أكثر من عنايته بالحكم على الناس، ولكن هذا السؤال لنعرف أهل الخير ونتواصى فيما بيننا بالحق والصبر، وفي السنة المطهرة حديث مستفيض عن الخير والفضل وأهله نختار منه ما يلي:

1- سُئل النبي :مَنْ أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَامًا؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» قِيلَ: فَمَنْ أَفْضَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» ، قِيلَ: فَمَا أَفْضَلُ الْهِجْرَةِ؟ قَالَ: مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ “[1] سلامة المسلمين من اللسان دليل على بلوغ درجة عالية من درجات الإسلام.

وحتى ندرك هذه المنزلة العالية لنلق نظرة على  الحروب الكلامية الدائرة على صفحات التواصل ومنابر الإعلام، ونحن نرى ما تجنيه الألسنة والأيدي من خلال ما تكتبه من إثارة للعدوات وتجريح للأبرياء واتهام بالباطل، وفي كلام إياس بن معاوية ما يرد الناس إلى جادة الصواب ويعيدهم إلى إعلاء قيمة السلامة من اللسان، عن سفيان بْن حسين:

كنت عند إياس بْن مُعَاوِيَة، وعنده رجل، تخوفت إن قمت من عنده أن يقع فِي. قال: فجلست حتى قام، فلما قام ذكرته لإياس. قال: فجعل ينظر فِي وجهي. ولا يقول لي شيئا، حَتَّى فرغت، فَقَالَ لي: أغزوت الديلم؟ قلت: لا، قال: فغزوت السند؟ قلت: لا. قال: فغزوت الهند ؟. قلت: لا. قال: فغزوت الروم؟. قلت: لا. قال: يسلم  منك الديلم، والسند، والهند، والروم. وليس يسلم منك  أخوك هَذَا؟ ! ! قال: فلم يعد سفيان إلى ذَلِكَ.

وقد وصف الله تعالى نبيه فقال ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29] لكن لماذا ترى العكس ترى القسوة بين المؤمنين؟؟ لأن القاسي على إخوانه المؤمنين يريد أن يبرئ نفسه من النقص والعجز. وكما أن للإسلام درجات فكذلك للهجرة، وأفضل الهجرة هجر ما حرم الله، وهي هجرة تحتاج إلى جهد وصبر. 

2- قَالَ : ” خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ، وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ” خير هذه الأمة من امتلأ قلبه بالخير، وامتد هذا الخير من قلب المؤمن إلى الناس من حوله ؛فالناس ينتظرون منه أن يكون حاضرا في الأزمات والمسرات، يعين بما يستطيع وفي ذات الوقت مطمئنون من ناحيته  لا يتوقعون منه شرا ولا تخيب آمالهم فيه .

3- وعندما يسئل النبي عن الشخص الذي هو أفضل من غيره والعمل الذي هو أفضل من غيره، يجيب بما يدل على أن هذه الأفضلية مرتبطة بنفع الناس بوجوه متعددة  من النفع،  عَنْ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ ‌النَّاسِ ‌أَحَبُّ ‌إِلَى ‌اللَّهِ ، وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ »

4- وفي إطار العلاقات الإنسانية التي تقوم أحيانا على المصالح وأحيانا على الخُلُق   قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ  خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ». ذاك الذي يقدم الإحسان والنصح بإحسان، ويكف أذاه  ويحمي من أذى الغير، فكل  من كان فيه خير لصاحبه ولجاره فله خير عند ربه والعكس بالعكس.

5- خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ»

6- قال رجل لولده: هل تحب أن تكون خير الناس؟ قال: أحب، لكن كيف؟ قال: تعلم القرآن، فقد قال رسول الله : «‌خَيْرُكُمْ ‌مَنْ ‌تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».

خيركم من تعلم القرآن وعلمه ما نصيبنا من هذه الخيرية والمؤسسات القائمة على تعلم القرآن كثيرة ومتوافرة والوسائل كذلك كثيرة ومتوافرة.

تفاوت الإنفاق

﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد: 10]  قبل فتح مكة كان هناك إنفاق وقتال، وبعد فتح مكة كان هناك أيضا إنفاق وقتال، قبل الفتح كان هناك وعد من الله ورسوله بأن يخلف على المنفقين، لكن متى يحدث ذلك؟ الله أعلم، كيف سيحدث ذلك؟ الله أعلم، وثق المنفقون في هذا الوعد فأنفقوا  بعد الفتح كانت الدنيا مقبلة وأمارات النصر ظاهرة، ومن أنفق قبل الفتح أو بعده  له فضله ومكانته عند الله وعند الناس. 

صورة مقال التفاوت بين البشر وأعمالهم
التفاوت بين البشر

تفاوت العمل الصالح

في الأيام الصعبة تتضاعف أجور العمل الصالح، وفي مثل هذه الأيام يقول النبي :”إِنَّ مِنْ وَرَائِكَ أَيَّامَ الصَّبْرِ , الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ , لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ كَأَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ “. لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ شُعَيْبٍ زَادَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ: وَزَادَنِي غَيْرُهُ: قَالُوا: ” يَا رَسُولَ اللهِ , أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ “، قَالَ: ” أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ “[8]

يأتي على الناس زمان يكون التمسك بأوامر الله تعالى كالقبض على الجمر المشتعل صعب عسير، فالبيئة لا تساعد ولا تقف مكتوفة الأيدي بل تؤذي المستمسك بحبل الله بيدها ولسانها ومواقفها.

ويشعر هذا المتمسك بأمر ربه بأنه وحيد قًل أن يجد من يعينه أو يقف إلى جواره، ومع ذلك يصبر ويصابر، يقول شيخ الإسلام ابن حجر: السَّبَبَ فِي كَوْنِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ خَيْرَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاءَ فِي إِيمَانِهِمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ حِينَئِذٍ وَصَبْرِهِمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكِهِمْ بِدِينِهِمْ قَالَ فَكَذَلِكَ أَوَاخِرُهُمْ إِذَا أَقَامُوا الدِّينَ وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَصَبَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ حِينَ ظُهُورِ الْمَعَاصِي وَالْفِتَنِ كَانُوا أَيْضًا عِنْدَ ذَلِكَ غُرَبَاءَ وَزَكَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا زَكَتْ أَعْمَالُ أُولَئِكَ.

معالم في التفاوت

نرى التفاوت بين البشر في تقسيم الأرزاق وفي منازل الناس الاجتماعية وفي أعمالهم الصالحة، بعض الناس لا ينظرون إلا إلى التفاوت بين البشر في الأرزاق على تنوعها ولا ينظرون إلى ما عندهم من نعم، وهؤلاء تأكلهم الحسرة ولا يتقدمون خطوة في الدين أو الدنيا أما أصحاب النفوس السوية  فينظرون إلى مجموعة من القواعد التي تنفع وترفع بإذن الله تعالى:

  1. الفضل بيد الله تعالى يمنحه من يشاء من عباده، فإذا أراد المسلم أن يكون من أهل الفضل فليسأل ربه تبارك وتعالى، فإذا أعطاه الفضل أحبه أهل السماء وأكرمه أهل الأرض.
  2. الحث على طلب المعالي «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا»
  3. الطموح ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [ص: 35]  قدم الاستغفار فإذا منحه الله الملك دعا بلقيس إلى توحيد الله وعبادته ونشر الخير بين الناس بما أعطاه الله من قوة وبأس وأقام العدل.
  4. ننظر إلى نعم الله تعالى المتعددة وكيف يرانا الناس في منزلة عالية ونتذكر قوله سبحانه ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 48]