تعهد المسلمون القرآن الكريم بالحفظ والدراسة والتدبر، ووضعوا لفهمه وتبينه وتفسيره علوما كثيرة أحصاها الزركشي فوجدها سبعة وأربعين علما وأوصلها السيوطي إلى ثمانين، فكثرت المصنفات حوله وتشعبت مجالاتها، وشارك فيها أهل المشرق والمغرب، وأصحاب اللسان العربي والعجمي، وفي السطور التالية أحاول التعريف بجهود علماء الهند في علم التفسير، إذ لا يتسع المقام لتتبع إسهاماتهم في العلوم القرآنية.
خارطة المصنفات التفسيرية
وصل الإسلام إلى الهند عن طريق الفتوح الإسلامية أواخر القرن الأول الهجري لكنها توقفت خلال خلافة المهدي، غير أن الوجود الإسلامي ظل قائما عبر رحلات التجار المسلمين، إلى أن أعاد المسلمون فتحها في عهد السلطان محمود الغزنوي، الذي يرجع إليه الفضل في نشر الإسلام في هذه الأصقاع.
وخلال هذه القرون اتجه المسلمون في الهند إلى دراسة التفاسير المعروفة في العالم الإسلامي كتفسير أنوار التنزيل للبيضاوي، والجلالين للسيوطي، ولم ينخرطوا في عملية التصنيف إلا بحلول القرن السابع الهجري؛ وفيما يلي نقدم بيانا بحركة التفسير موزعة عبر القرون.
القرن السابع الهجري: افتتح الشيخ محمد بن أحمد الشريحي الماريكلي (684 هـ ) الجهود التفسيرية لعلماء الهند، وذلك في تفسيره (كاشف الحقائق وقاموس الدقائق) الذي فسره بلسان عربي مبين، وذكر في مقدمته أنه استقاه من تفاسير قديمة وخصوصا أنوار التنزيل للبيضاوي، وأضاف إليها بعض لطائف لم يطلع عليها بعض ذوي العقول.
القرن الثامن الهجري: وفيه أخذت حركة التفسير في الانتشار، ومن أبرز مفسري هذا القرن الشيخ نظام الدين النيسابوري (728 هـ ) وله تفسير ضخم بعنوان (تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان) جمع فيه مؤلفه بين تفسير الرازي الكبير وتفسير الزمخشري (الكشاف)، وأضاف له الكثير من الاستنباطات والتفسير الإشاري ومناقشة الأقوال المخالفة للفرق الشيء الكثير، ومنهم الشيخ أبو بكر إسحاق الملتاني (736 هـ) صاحب (جواهر القرآن) وهو تفسير كامل للقرآن لكنه مفقود، ويوجد له تلخيص قام به المؤلف بنفسه باسم (خلاصة جواهر القرآن)، وركز فيه على غريب الألفاظ، وعني بفضائل السور.
القرن التاسع الهجري: ونجد فيه خمسة تفاسير وضعها ثلة من العلماء؛ منهم الشيخ محمد بن يوسف جيسودراز ( 825 هــ ) صاحب (التفسير الملتقط) وهو تفسير كبير يجمع بين الشريعة والطريقة، تعرض فيه لتفسير غوامض القرآن، وأكثر النقل من لطائف الإشارات للقشيري، وحقائق التفسير للسلمي وبعض التفاسير الفارسية، ومنهم الشيخ علي بن أحمد المهائمي (835 هــ ) وله (تبصير الرحمن وتيسير المنان ببعض ما يشير إلى إعجاز القرآن) وهو يقع في أربعة مجلدات كبار، وهو تفسير مفرد في حسن الإنشاء وإيراد اللطائف، وربط الآيات بعضها ببعض، وقد طُبع بالقاهرة، ومنهم القاضي شهاب الدين الدولة آبادي (849 هـ ) صاحب تفسير (البحر المواج) وهو تفسير باللغة الفارسية في عدة مجلدات، اعتنى فيه ببيان التراكيب النحوية ووجوه الفصل والوصل، وقد عربه الشيخ منور بن عبد المجيد اللاهوري (101 هــ ).
القرن العاشر الهجري: وفيه اتسعت حركة التفسير اتساعا ملحوظا، وخلف لنا المفسرون أحد عشر تفسيرا، ومن مفسريه: الشيخ حسين بن خالد الناكوري (901 هـ ) صاحب تفسير(نور النبي) الذي يشتمل على حل التراكيب النحوية وتوضيح المعاني، والشيخ عبد الوهاب البخاري (932 هـ ) وله تفسير منظوم باللغة الفارسية، وأرجع فيه المطالب القرآنية إلى مناقب النبي ﷺ، ومنهم حسن محمد الأحمد آبادي (982 هـ ) ومن مصنفاته (التفسير المحمدي) الذي عني بربط الآيات بعضها ببعض.
القرن الحادي عشر: وفيه ازدهرت حركة التفسير وقد عثر فيه على ما لا يقل عن 19 تفسيرا كاملا عدا الحواشي والتفاسير غير المكتملة، ومن أبرز مفسريه الشيخ مبارك بن خضر الناغوري (1001هـ) وله (منبع عيون المعاني ومطلع شموس المثاني) ويشتمل على بضع مجلدات وقد عني بالقراءات العشر، والشيخ أبو الفضل الفيضي (1004هـ) صاحب (سواطع الإلهام) وهو تفسير لا نظير له إذ ألفه صاحبه باعتماد حروف خالية من النقط، والشيخ نظام الدين بن عبد الشكور التهانيسري (1036هـ) صاحب (التفسير النظامي)، والشيخ نعمة الله الفيروزآبادي (1072هـ) وله (تفسير القرآن على نهج الجلالين) صنفه عام 1070 وله تفسير (جهانكيري) بالفارسية صنفه قبيل وفاته، والشيخ طاهر بن يوسف السندي ثم البرهانپوري، ومن مصنفاته (مجمع البحرين)، وله أيضا (مختصر المدارك).
القرن الثاني عشر: وفيه واصلت حركة التفسير ازدهارها وانتشارها، ومن مفسريه: الشيخ كليم الله الجهان آبادي (1141ه) صاحب تفسير (قِران القرآن بالبيان) وهو بالفارسية، وقد كان الشيخ كليم حنفي المذهب وراعى في تفسيره بيان الأحكام الفقهية وعد تفسيره من أفضل ما دون في هذا الباب، والشيخ منور بن عبد الحميد اللاهوري صاحب (الدر النظيم في ترتيب الآي وسور القرآن الكريم) وألفه على طريقة برهان الدين البقاعي في نظم الدرر، حيث توخى الربط بين سور القرآن وآياته، وهو مفقود، والشيخ غلام النقشبندي الغوسوي(1126 هــ )، وهو غير مكتمل إذ وقف عند آخر الأنعام، وركز على شرح الألفاظ الغريبة.
ومن المفسرين أيضا الشيخ أحمد الأميتهوي ( 1130ه) المعروف بملا جيون وله (التفسيرات الأحمدية في بيان الآيات الشرعية) ويعرف أيضا ب(التفسير المحمدي)، وهو أول تفسير وضع بالعربية في أحكام القرآن بالهند، واعتنى فيه مؤلفه بتفسير آيات الأحكام مع دراسة مسائل العقيدة وأصول الفقه، والشيخ علي أصغر القنوجي (1140 هــ ) صاحب تفسير (ثواقب التنزيل في إشارة التأويل) وهو تفسير نفيس فسره صاحبة بلغة عربية فصيحة وبليغة، على طريقة السيوطي في الجلالين، والشيخ محمد غوث المدراسي (1166 هــ ) وله تفسير (نثر المرجان في رسم نظم القرآن) وهو يعنى برسم الكلمات في المصحف، وشاه ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي (1176 هــ ) وله ترجمة بالفارسية تعرف ب(فتح الرحمن في ترجمة القرآن)، وهو أول من نقل معاني القرآن إلى اللغة الفارسية وهي اللغة الرسمية آنذاك، وله عليها حاشية موجزة باللغة العربية.
القرن الثالث عشر: وفيه واصل آل الدهلوي عطاؤهم القرآني فبرز من بينهم الشاه عبد القادر بن شاه ولي الله الدهلوي (1230 هــ ) وترجم معاني القرآن إلى الأردية، وله كذلك (موضح قرآن) وهو موجز مختصر به بعض الإفادات التفسيرية، والشاه عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي (1239 هــ ) وله (تفسير فتح العزيز) و(التفسير العزيزي) وكلاهما بالفارسية، ومن المفسرين الأعلام يبرز الشيخ روؤف أحمد الرامبوري (1249ه) وله تفسير للقرآن باللغة الهندية في مجلدين، والشيخ صفدر علي الفيض آبادي (1253 هــ ) وله (أحسن الحدائق) في أربعين كراسة في تفسير سورة يوسف، والشيخ إمداد علي بن رحمن بخش ا الكنتوري (1298 هــ ) ومن مصنفاته (منهج السداد تفسير القرآن)، و(تفسير سورة يوسف) وهو باللغة العربية، والقاضي ثناء الله الباني بتي وله (التفسير المظهري) ويقع في سبع مجلدات.
القرن الرابع عشر: وفيه اتخذت حركة التفسير موقعها المرموق في العالم الإسلامي وذلك بفضل المفسرين العظام ومناهجهم، ومن تفاسير ذلك القرن تفسير (الإكسير العظيم) للشيخ احتشام الدين الحنفي المراد آبادي ( 1313 هــ )، وهو بالأردية ويقع في عدة مجلدات، وتفسير (فتح المنان في تفسير القرآن) المعروف باسم تفسير حقاني للشيخ عبد الحق الدهلوي (1338 هــ ) وهو بالأردية، و(تفسير القرآن بكلام الرحمن) لمولانا ثناء الله الأمرتسري (1367 هــ ) وهو باللغة العربية وفسر فيه القرآن بالقرآن، وله أيضا (التفسير الثنائي) بالأردية، ومن التفاسير (لوامع التنزيل وسواطع التأويل) لأبي القاسم بن حسين لاهوري (1324 هــ )، وهو باللغة الفارسية، وطبع طبعة حجرية عام 1303 هــ في اثني عشر مجلدا.
وأما أبرز مفسري ذلك القرن فهما: الشيخ صديق خان القنوجي (1307 هــ ) وهو صاحب التفسير الشهير (فتح البيان في مقاصد القرآن)، في عشرة أجزاء، وله أيضا (نيل المرام من تفسير آيات الأحكام) وقد سلك في تفسيره المنهج التحليلي، وهو يعتني بذكر تعريف السورة قبل تفسيرها، وذكر معاني المفردات ووجوه القراءات، وذكر أسباب النزول، والشيخ عبد الحميد الفراهي ( 1349 هــ ) وله (مفردات القرآن) و (دلائل النظام)، والأخير من خيرة التآليف القرآنية التي ظهرت في العصر الحديث، وفيه يذهب إلى أن القرآن الكريم مرتب ومنظم من أوله إلى آخره على غاية الترتيب والانتظام، حتى لو قُدم ما أُخر وتأخر ما قدم لبطل نظامه وفسدت بلاغته، وهنالك -وسائل تهدي لمعرفة هذا النظام؛ يجملها في: التدبر والتفكر، والإيمان بالآخرة، والإلمام بقواعد العربية وأساليب القرآن، ولقد عني المفسرون الأوائل كما يقول بالكشف عن المناسبات التي ينتظم بها الكلام، لكنهم لم يبذلوا جهدهم في الحديث عن علاقة الآيات في السورة بعضها ببعض.
خلاصات واستنتاجات
- لقد اتسع إنتاج علماء الهند في التفسير وانفتح على اتجاهات ومدارس تفسيرية مختلفة، ففي التفسير بالمأثور هناك (فتح البيان) للقنوجي، وفي تفسير القرآن هناك (تفسير القرآن بكلام الرحمن) للأمرتسري، وفي نظام القرآن وعلاقات الآيات والسور هناك (دلائل النظام) للفراهي، وفي العناية بالأدب والتراكيب النحوية هناك (البحر المواج) لشهاب الدولة آبادي، نجد (كاشف الحقائق وقاموس الدقائق) للماريكلي.
- وتنوعت كذلك لغات التفسير ولهجاته، فهناك تفاسير باللغة العربية مثل (التفسير المحمدي)، وأخرى بالفارسية من قبيل (تفسير جهانكيري)، وثالثة بالأوردية، وجل التفاسير الهندية كتبت بها، مثل (الإكسير العظيم).
- أما عن الانتشار، فيمكن القول أن حركة التفسير بدأت على استحياء في القرن السابع الهجري، الذي عثرنا فيه على تفسير واحد فقط، ثم أخذت تنمو باضطراد حتى إذا بلغنا القرن الحادي عشر وجدنا 19 تفسيرا، وفي القرنين التاليين نجد هنالك عشرات التفاسير التي أوردها صاحب (نزهة الخواطر).