الحج مرآة عاكسة لواقع الأمة، فكل دولة يمثلها وينوب عن مسلميها من يختارهم الله للحج كل عام، فيجتمع ممثلون للمسلمين من العالم كله، ويرى العالمُ صورةَ الأمة المسلمة في عرفات، ومن أراد التعرف على أمة الإسلام وتشخيص عِللها وأمراضها، ورصد نقاط قوتها وضعفها فليرقبها في الحج، فإذا كانت الأمة متراحمة منظمة في الحج فهي كذلك في غير الحج.
منذ سنين وأنا أسافر حاجّاً ومعتمراً وأرقُب واقع الحجيج وأسئلتهم، وأحاورُ المفتين والمرشدين للناس في الحج، وسأحاول قراءة واقع الحج من خلال أسئلة الحَجِيج المتكررة كل عام، والتى تتمركز حول الصورة الظاهرة للحج، وسننه وآدابه، وجزئياته وتفاصيله، ومحظورات الإحرام، ولا يهتم الحجيج بذات القدر بالأصول والكليات، واللب والجوهر، والفرائض والأركان إلا من رحم ربي.
الحج مرآة عاكسة لواقع الأمة، فيسألون عن حجم الحصاة فى الجمار، وهل تُلتقط كاملةً من مزدلفة أم من منىً؟، وعن استعمال المحْرِم للصابون، ومعجون الأسنان، وسقوط شعرة بحَكَةٍ سهواً، أيدخل ذلك كله في المحظورات أم لا؟ ولا يسألون عن حج القلب، أو سبيل الاستقامة بعد الحج، أو السبيل إلى حج مبرور، أو الدمعة الخاشعة والمناجاة القلبية الضارعة، أو عن رسالة الحجيج التي يجب أن يحملوها إلى أقوامهم والعالم، ولا يسألون عن مقاصد الحج وأسراره، وكلياته وأركانه، كما يهتمون ويسألون عن سُننه وآدابه.
ولستُ هنا أُقلِّل من شأن تلك الأسئلة وتتميم النسك على النحو الذي أداه عليه وأمر به النبي صلي الله عليه وسلم، ولكني أُنكر الوقوف عندها وعدم الاهتمام بما هو أهم منها كالوقوف بعرفة بذات القدر، رغم فوات الحج بفواته وعدم قبوله للانجبار والإصلاح، ورغم إمكانية جبران ما نقص مما يكثر السؤال عنه بدم، أو فدية، أو توكيل وعدم فساد النسك بوقوع الخلل فيه.
الحج مرآة عاكسة لواقع الأمة، وأسئلة الحجيج تلك عاكسة لواقع الأمة وحالها، التى غرقت فى الفروع والجزئيات على حساب الأصول والكليات، فرأينا نفراً من العلماء والدعاة ينتفضون ويبكون لخلع امرأة شهيرة حجابها، ولا نسمعُ لهم رِكزاً أمام ركام الفساد والاستبداد، وسيل الدماء التى أريقت وتراق والأنفس المعصومة التى قتلت وستعدم بغير حق، فضاعت بذلك قيم الإسلام ومعالمه الكبرى، وأضحت الأمة على تلك الحالة من التخلف والتردى الحضارى الذى طال أمد انتظار نهايته، وترقب الميلاد الجديد للأمة مع الولادة الجديدة للحاج، وهذا الحال يوجب على أهل العلم والفكر والنظر درْسَه وتأملَه، ورسم الطريق لتجاوزه، وفكّ أسر الأمة من الدوران فيه، لا مسايرة العوام فيما يريدون ويطلبون.
أسئلة الحجيج لها دلالات رئيسية ثلاث
أولاً: التركيز على الصورة والمظهر، لا المقصود والجوهر.
ثانياً: الاهتمام بالفروع والجزئيات أكثر من الأصول والكليات.
ثانياً: تقديم المنهيات والمحظورات، على الواجبات والمندوبات.
أما التركيز على الصورة والمظهر، لا المقصود والجوهر، فظاهر في اهتمام أغلب الحجاج بأداء النسك على صورتها الظاهرة دون البحث والتأمل في بواطنها وأسرارها وحِكَمها وما وراء كل عمل من أعمال الحج من معنى مطلوب، ويميل أغلب المرشدين والدعاة للناس في الحج إلى القول بأن أعمال الحج تعبدية محضة لا حِكمة فيها ولا سِر، وأن الله ابتلانا بها فقط لنتدرب على الانقياد والامتثال في غيرها، وهو لزعمٌ غير صحيح؛ فإنَّ القرآن الكريم نفسه علَّل وقصَّد الحج بقوله تبارك اسمه: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، والحج مَعينٌ لا ينضب بالحِكم والأسرار والمقاصد والمنافع، وأحد الأسباب التي تجعل الحاجَّ يفقد روحَ الحج ومعانيه، ولا يتغير بعده غياب الاهتمام بهذا البعد المقاصدي. وإذا كان ابن عمر لما قيل له: ما أكثر الحاجَّ! قَالَ: ما أقلَّهم! ثم أجاب: الركبُ كثير، والحاجُّ قليل. أى أنّ عدد الحجاج كبير لكن من يقف على معنى الحج ويحج بقلبه قبل بدنه قليل، قال ذلك عن حجيج زمانه مع قرب عهدهم بالنبي ﷺ وأصحابه، فماذا عساه يقول عن زماننا؟!
والحج مرآة عاكسة لواقع الأمة، فالواقع الظاهرى للأمة في الحج هو ذات الواقع في مختلف مناحي الحياة السياسية والفكرية والدعوية؛ إذ نكتفي عادة بالصورة الظاهرية للمواقف والأحداث، ولا نتأمل فيما وراءها وما ينبني عليها، فتراكمت بذلك على الأمة العِلل والأمراض، وأصبح الجمود والتسطيح سمةً عامة لأغلب شعوبها.
وأما الاهتمام بالفروع والجزئيات أكثر من الأصول والكليات، فكما هو واقع للحجيج هو واقع كذلك للأمة بل لكثير من دعاتها ومفكريها، بل وقع في تراثنا الفقهي العديد من التطبيقات والأمثلة التى جسَّدت تلك العلة بجلاء ووضوح فوجدنا تصانيف مستقلة لعلماء معتبرين في قضايا تفصيلية خلافية في فريضة الصلاة: مثل صفة النزول من القيام إلى السجود في الصلاة، وفي الجلسة الخفيفة التى تسبق الانتقال من السجود إلى القيام، وتلك أمور فرعية جزئية تحسينية.
ولم نجد مثل ذلك في كيفية الخشوع في الصلاة بل إن أغلب الفقهاء لا يعد الخشوع ركناً أو واجباً في الصلاة بل مستحباً في أعلى الأحوال، ولم نجد مصنفا في: كيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وكيف تكون بحق اتصالاً وصلةً بالمولى الجليل، وكيف تُمِّثل الراحة القلبية والنفسية للمصلي، وهي أمور استشعرها وكتب فيها المسلمون الجدد من الأوربيين على نحو مبدع مدهش.
وقلْ مثل ذلك في أمر العقيدة وما أُدخل عليها من تعقيدات وجدليات وكلاميات لا تخدم تصحيح اعتقاد الناس في شيء، ومثله في علم التجويد بحق عموم الناس لا أهل الاختصاص، وكيف انصرف الناس عن فهم القرآن وتدبره بتحقيق الحروف ومخارجها، وواقع المسلمين في أوربا لا يختلف كثيراً فتراهم يقيمون الدنيا لأجل قضية فرعية خلافية بل الأصل أن لا يختلف فيها مثل: تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، أو الاحتفال بميلاد النبي ﷺ، أو إحياء ليلة رأس السنة بالعبادة، ولا يُسمع لأولئك المختلفين صوت أمام ما يهدد الوجود الإسلامي كله ويشكل خطراً على مكتسباته، ويُخل بالمقاصد الكلية للمسلمين كحفظ الدين والهوية عليهم وعلى أولادهم، وذلك مثل صعود الأحزاب اليمينة المتطرفة، أو ظهور العنصرية البغيضة في المجتمع وتسارع اتساع دائرتها على نحو مخيف.
وأما تقديم المنهيات والمحظورات، على الواجبات والمندوبات، فأغلب الحجاج كما ذكرت يركزون ويخافون ويحذرون من محظورات الإحرام، ولا يهتمون بدائرة السنن والواجبات بشكل عام مثل دائرة المحظورات، وهو واقع الأمة إذ تهتم وتقدم جانب النهي والحظر على الإيجاب والندب، وقد اهتم شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه المسألة اهتماماً كبيراً لِما ينبني عليها من نتائج وآثار عملية فقال:” إنَّ جِنْسَ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وإنَّ جِنْسَ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإنَّ مَثُوبَةَ بَنِي آدَمَ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ أَعْظَمُ مِنْ مَثُوبَتِهِمْ عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وإنَّ عُقُوبَتَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ”.
وذكر ابن تيمية أكثر من عشرين دليلا على هذا الأصل:
منها: أَنَّ الْحَسَنَاتِ الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ تُذْهِبُ بِعُقُوبَةِ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَإِنَّ فَاعِلَ الْمَنْهِيِّ يَذْهَبُ إثْمُهُ بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ حَسَنَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا وَبِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمُقَاوِمَةِ وَهِيَ حَسَنَاتٌ مَأْمُورٌ بِهَا
ومنها: أنَّ فِعْلَ الْحَسَنَاتِ يُوجِبُ تَرْكَ السَّيِّئَاتِ وَلَيْسَ مُجَرَّدُ تَرْكِ السَّيِّئَاتِ يُوجِبُ فِعْلَ الْحَسَنَاتِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السَّيِّئَاتِ مَعَ مُقْتَضِيهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِحَسَنَةٍ، وَفِعْلُ الْحَسَنَاتِ عِنْدَ عَدَمِ مُقْتَضِيهَا لَا يَقِفُ عَلَى تَرْكِ السَّيِّئَةِ وَذَلِكَ يُؤْجَرُ لِأَنَّهُ تَرَكَ السَّيِّئَاتِ مَعَ مُقْتَضِيهَا
وأخيرا: فإِنَّ فِعْلَ الْحَسَنَاتِ مُوجِبٌ لِلْحَسَنَاتِ أَيْضًا؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ يَقْتَضِي الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَدْعُو إلَى نَظِيرِهِ وَغَيْرِ نَظِيرِهِ؛ كَمَا قِيلَ: إنَّ مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا. وَأَمَّا عَدَمُ السَّيِّئَةِ فَلَا يَقْتَضِي عَدَمَ سَيِّئَةٍ إلَّا إذَا كَانَ امْتِنَاعًا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْحَسَنَاتِ. انتهي كلام ابن تيمية.
ثم فَصَّل تلك الأدلة وتوسع فيها تلميذه ابن القيم ومما قاله:”ترك الْأَمر عِنْد الله أعظم من ارْتِكَاب النَّهْي لِأَن آدم نهي عَن أكل الشَّجَرَة فَأكل مِنْهَا فَتَابَ عَلَيْهِ وإبليس أَمر أَن يسْجد لآدَم فَلم يسْجد فَلم يتب عَلَيْهِ، ولأَن ذَنْب ارْتِكَاب النَّهْي مصدره فِي الْغَالِب الشَّهْوَة وَالْحَاجة وذنب ترك الْأَمر مصدره فِي الْغَالِب الْكبر والعزة وَلَا يدْخل الْجنَّة من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر ويدخلها من مَاتَ على التَّوْحِيد وَإِن زنى وسرق”.
ولما وجد العالم المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني هذا الطرح العميق لابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن وافقهما من الأصوليين اتجه إلى نقد القاعدة الفقهية الشهيرة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وانتهى إلى أنها وفقاً لهذا التأصيل يجب أن تنعكس وأن يكون صوابها: جلب المصالح مقدم على درء المفاسد وأجاب عن أدلة القائلين بها على صورتها الأولى. ويَنبني على تقديم الواجبات والمندوبات على المحظورات والمنهيات جملة هائلة من الأفكار والاعتقادات السائدة والمستقرة في فكر وممارسة الأمة، بل وحركات الإسلام الوسطي ذاتها ومنها على سبيل المثال:
التعريف بالإسلام والدعوة إليه وأولويات التدين والتعليم للمسلمين الجدد
عندما يُعرِّف أغلب الناس في أوروبا بالإسلام يتجه أغلبهم إلى تقديم جانب الحظر والنهي على الوجوب والندب، ويقدمون الإسلام كأنه قائمة من الممنوعات الصادمة لغير المسلمين والتي لا يتصورون معها حياتهم إذا قرروا الإسلام فقد نشأ أحدهم عاشقاً للخمر، محباً للخنزير، يتردد بين الصديقات كما يشاء، محباً لزوجه وأهله وعائلته، بل لا تتخيل الأوروبية نفسها بالحجاب الشرعي، ثم يأتي من يدعوه إلى ترك كل ذلك جملة واحدة إذا ما قرر اعتناق الإسلام، وهو ما يتناقض مع ما قررناه أعلاه من تقديم الواجبات والمطلوبات أولاً، فنُحدِّثه عن المطلوب فعله وهو الإيمان بالله أولاً، ثم الصلاة تليها أركان الإسلام وأعمدته الكلية، ولما َّيدخل الإيمان في قلوبهم سيتجهون دون جهد أو نصَب إلى ترك المحظورات ، وقد رأيت هذا مراراً في مئات الحالات؛ كيف تقرر المسلمة الجديدة ارتداء الحجاب ومواجهة عائلتها، ومجتمعها، وربما تتعرض للمضايقات في عملها ومعيشتها تفعل ذلك بكل رضا ومحبة؛ لأن الإيمان لامس شغاف قلبها فسلَّمَتْ وانقادت، بينما تُقرِّر غيرها في بلد عربي مسلم نزع حجابها رغم نشأتها عليه والتزامها بها شطراً من عمرها؛ لأنها تواجه لحظات ضعف إيماني وقصور في جانب الواجبات والمندوبات لذلك تضعف وتقع في المحظور لأدني شبهة.
معيار قياس التدين وأوليات الإصلاح الديني للمجتمعات
إذا أردنا قياس التدين في مجتمع من المجتمعات المسلمة فإن أول ما نتجه إليه عادة هو دائرة المحظورات والممنوعات في الإسلام، وليس دائرة الواجبات والمطلوبات فنقيس التدين بشيوع الربا وهو ممنوع، لا بانتظام الناس في الصلاة وهى واجبة مطلوبة، وكذا بانتشار التبرج وهو ممنوع، لا بانتشار الاحتشام والفضيلة، والعدل والأخلاق الحسنة وهى مطلوبة، بل إن المعيار الرئيس لقياس تدين المرأة عن عموم الخاطبين هو حجابها لا صلاتها، بل قلَّ من يسأل عن صلاتها، وإذا كنا مخيرين بين متحجبة لا تصلي، ومتبرجة تصلي، فسنختار المتحجبة التي لا تصلي! ولا يعني هذا أنني أُقرّ أيّاً من الصورتين، لكنِ في إطار الموازنة وترتيب الأولويات يجب أن نتجه إلى الواجبات أولا؛ لأنه سينبني على الالتزام بها قطعاً، الانتظام والالتزام في ترك المحرمات ولا عكس.
كذلك في استقباحنا ونفورنا من أصحاب المعاصي ــ إن صح هذا ــ، نُعلي جداً من درجة التجنب والنفور من صاحب المعصية بفعل المنهي عنه، أكثر من معصية تارك الواجب، وقد قلتُ غير مرة لمسلمي أوروبا عند مناقشة قضية الشواذ جنسياً: إذا كنتَ أمام تاركٍ للصلاة الواجبة، وفاعل للشذوذ المحرم، فأيهما تراه أشنع وأولى بالتقديم في الإصلاح والإنكار؟ فيجيب دون تردد: الشذوذ الجنسي طبعاً!
بل تأمَّل معي عندما صعدتْ انتخابياً حركات ما يُسمى بالإسلام السياسي بعد الربيع العربي، ما هي الأسئلة التي طُرحتْ على الإسلاميين، وكيف كانت مشروعات القوانين التي طرحها بعضهم تحب قبة البرلمان: منع الأفلام الجنسية، بدلاً من قوانين لدعم تزويج الشباب ونشر الفضيلة بالإيجاب والندب، لا التحريم والحظر، وطرح الإعلام أسئلةً كلها في دائرة المنع: كمنع الخمور في الفنادق، ومنع السائحات المصطافات، … إلخ أما دائرة الواجبات والمطلوبات فغائبة أو مغيَّبة.
ملف المرأة في الإسلام
وهذا من أكثر الملفات التى شُوِّه بها موقع المرأة ومكانها ومكانتها في الإسلام، فنَسَبت التقاليد إلى الإسلام أغلب المفاهيم والأحكام الخاطئة حول المرأة، حتى غدت قاعدة سد الذراع، سداً ومنعاً للمرأة من حقوقها التى منحها الإسلام إياها تكريماً وتفضيلاً، وأصبحت تلك الذرائع الموصدة الأوسع تطبيقا في قضايا المرأة وأحكامها، فمُنعت المرأة من قيادة السيارة، ومن التعليم في بعض البلدان، ومُنعت من مشاركة الرجال في العمل ومناحي الحياة حتى لو توفرت الضوابط الشرعية، ومُنعت من قراءة القرآن ودخول المسجد وهي حائض، رغم أن النبي ﷺ لم يمنع الحائض من دخول المسجد الحرام فكيف بعموم المساجد؟!
واحتلَّت قضية ترقيق حواجب النساء ــ وهي في دائرة الحظر والمنع ــ الاهتمام الأكبر لدى الرجال والنساء، وصارت من أكثر الأسئلة التي تطرح على المفتين، بل جعلها البعض مقياساً لتدين المرأة، ولم نجد الاهتمام المماثل لحضور المرأة الجُمَع والجمَاعات، كما كانت في العهد النبوي، أو التركيز على مشاركتها السياسية والاجتماعية وهو ما استقر العمل به في السنة النبوية الصحيحة، وفترات ازدهار الحضارة الإسلامية.
وفي إطار الحديث عن الحج مرآة عاكسة لواقع الأمة، لا بد أن أختم مقالي بالتأكيد على أنني لا أهون من دائرة المحظورات والمنهيات في الإسلام، ولا أدعو إلى الاستهانة بها، وهل يقول عاقل بأن الحاجّ له أن يفعل محظورات الإحرام انطلاقاً مما ذكرنا؟ وإنما القصد أن نضع كل شيء في موضعه اللائق به والجدير له، فلا نقدِّم ما يستحق التأخير ولا نؤّخر ما يستحق التقديم، لنحقق بذلك مراد الله تعالى، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.