يعد التمييز بين الحديث المشهور والحديث المشهور بالألقاب وأطراف الحديث من المسائل اللطيفة في علم الحديث الشريف، وهي لا تُعد من المسائل الجوهرية التي يحتاج إليها المحدثون بشكل ملحّ، إلا أنها تعبر عن مدى العناية الكبيرة بالسنة النبوية من حيث السند والمتن. هذا التمييز يعتبر من جهود علماء الحديث التي تستحق الذكر والشكر

تختلف مفاهيم هذه المصطلحات الثلاثة حسب الاستخدام في كتب أهل العلم، لكن تشترك في شهرتها ومعرفتها بين الخاصة والعامة. إليكم عرضًا سريعًا لكل من هذه المصطلحات الثلاثة.

الحديث المشهور

للحديث المشهور معنيان رئيسيان يدلان على معنى الذيوع والشيوع الذي يدل على ماهية الشهرة.

الحديث المشهور غير الاصطلاحي

الحديث المشهور غير الاصطلاحي هو الحديث الذي اشتهر صيته وانتشر بين الناس بحسب اهتماماتهم. مثل:

  1. مشهور بين العوام: كحديث “إنما الأعمال بالنيات” (متفق عليه).
  2. مشهور بين النحاة: كحديث “نعم العبد صهيب لو لم يخش الله لم يتقه” (لا أصل له).
  3. مشهور بين الفقهاء: كحديث “أبغض الحلال إلى الله الطلاق” (لا يصح).
  4. مشهور بين الأصوليين: كحديث “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” (حسنه بعض العلماء).
  5. مشهور بين الأدباء: كحديث “أدبني ربي فأحسن تأديبي” (لا يصح).
  6. مشهور بين أهل الحديث: كحديث “قنت النبي شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان” (صحيح).

ينطبق على هذا النوع من الأحاديث المعنى اللغوي بسبب انتشارها بين الناس، ويُعد كتاب “المقاصد الحسنة” للسخاوي مرجعاً هاماً في هذا المجال حيث يضم 1356 حديثًا من هذا النوع.

الحديث المشهور الاصطلاحي

أما الحديث المشهور الاصطلاحي فهو الحديث الذي رواته لا يقلون عن ثلاثة في كل طبقة، ولكنه لا يصل لدرجة الحديث المتواتر. يُعد هذا القسم أول أقسام حديث الآحاد. لا يعني اصطلاح الحديث المشهور أن الحديث صحيح أو مقبول بالطبع؛ بل يتطلب توفر شروط القبول في السند والمتن.

والحديث المشهور بهذا المفهوم لا يفوت أهل الحديث، ويوجد منه ألوف من الأحاديث التي لا يقف على شهرتها غيرُهم كما قال الحاكم، وكتبهم ومروياتهم المدونة شاهدة لذلك.

الحديث المشهور باللقب

الحديث المشهور بالألقاب هو الحديث الذي اشتهر بلقب يدل على مضمونه. وقد اهتم العلماء بتأليف كتب في هذا النوع مثل كتاب الأربعون المهذبة في الأحاديث الملقبة للحافظ ابن حجر. أمثلة من هذا النوع تشمل:

الحديث المشهور باللقب في العقيدة

  • حديث الجارية: يتعلق بإثبات علو الله عندما سأل النبي الجارية: أين الله؟ فقالت: في السماء.
  • حديث البطاقة: جاء قس الحديث قصة الرجل الذي توزن أعماله تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مد البصر حتى إذا ظنّ أنه هالك فيؤتى له ببطاقة مكتوب فيها “لا إله إلا الله” فتطيش بالسجلات.
  • حديث جبريل: يتعلق بأسئلة جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلامات الساعة.
  • حديث النزول: يتحدث عن نزول الله تعالى في الثلث الأخير من الليل.
  • حديث الشفاعة: حديث عن شفاعة النبي يوم القيامة.
  • حديث الجساسة: الحديث الذي حكاه تميم الداري للنبي عليه الصلاة والسلام عن وصف الدجال.
  • حديث الافتراق: أخبر فيه النبي بأن الأمة ستفترق بضعا وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة.
  • حديث العشرة المبشرين بالجنة، وهكذا يطلق ويراد به حديث سعيد بن زيد الذي فيه ذكر أسماء المبشرين بالجنة.
  • حديث الحوض: وفيه بيان حوض النبي الذي سيشرب منه أتباعه عند شدة الظمأ في عرصات القيامة.
  • حديث الرؤية: هكذا سموه العلماء واشتهر به ويراد به حديث رؤية الله تعالى لأهل الجنة

الحديث المشهور باللقب في العبادات والمعاملات

  • حديث النيات: “إنما الأعمال بالنيات” الذي اشتهر بين العامة والخاصة، ولم يروه إلا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
  • حديث المسيء صلاته: وهو حديث خلاد بن رافع الذي تعلم من النبي كيفية الصلاة الصحيحة، فعرف عند العلماء المتأخرين بحديث المسيء في صلاته.
  • حديث ذو اليدين: وهو حديث مشهور بهذا اللقب ويعد عمدة في باب سجود السهو حيث سلم النبي عليه الصلاة والسلام عن النقص.
  • حديث القلتين: في الطهارة “إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث”. وكان يعرف في كتاب الطهارة بحديث القلتين.
  • حديث المسح على الخفين:  ويقصد به صحاح السنة الواردة في مشروعية المسح على الخفين.
  • حديث رفع اليدين في الصلاة: وهو الحديث المشهور بهذا اللقب في كتاب الصلاة.
  • حديث بئر بضاعة: يقصد به حديث أبي سعيد رضي الله عنه حيث سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن بئر البضاعة الذي يطرح فيه الحيض ولحم الكلاب والنتن فأخبر أن الماء طهور ما لم يتغير.حديث المصراة: وهو حديث مشهور بهذا اللقب في كتاب البيوع، ويعنون به حديث:” لا تصروا الإبل والغنم..”
  • حديث أم زرع: يقصد به حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الزوجات تعاهدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، ووصفت فيه كل امرأة زوجها

الحديث المشهور باللقب في الحدود والقصاص

  • حديث ماعز: يتعلق باعتراف الصحابي الجليل ماعز بالزنا.
  • حديث الإفك: قصة الإفك التي اتُهمت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها.
  • حديث الغامدية: اشتهر هذا اللقب أيضا في باب حد الزنا ويراد به قصة الصحابية الجليلة التي فعلت فعلة ماعز رضي الله عنهما. 
  • حديث العسيف: وهو حديث مشهور في قصة العسيف الذي زنى بامرأة مستأجره.
  • حديث المرأة المخزومية: هذا الحديث مشهور في باب السرقة بهذا اللقب، ويقصد به خبر المرأة المخزومية التي سرقت. 
  • حديث العرنيين: هو حديث مشهور بهذا اللقب في كتاب الردة والحرابة ويقصد به خبر رهط قدموا المدينة وقتلوا الراعي بعد الاحسان إليهم فأمر بهم النبي عليه الصلاة والسلام فقطع أيديهم وأرجلهم
  • حديث القسامة: يقصد به الحديث المشهور في القصاص، في قصة عبد الله بن سهل الذي قتل في خيبر ولم يعلم من قتله وحكم فيه النبي عليه الصلاة والسلام بالأيمان المكررة.

والأحاديث الملقبة كثيرة جدا، يوردها أهل العلم في مناسبات متنوعة، وكتب الحديث والعقيدة والفقه وغيرها مليئة بها.

أطراف الحديث

يقصد بأطراف الحديث ذكر طرف الحديث الدال على باقيه مع ذكر أسانيده، وهو مسلك منهجي والجادة المطروقة عند أئمة المحدثين المتقدمين لقصد المذاكرة والوقوف على مخارج الحديث ومداره وعلله ونحوها.

قال السخاوي:” قد كان السلف يكتبون أطراف الحديث ليذاكروا الشيوخ فيحدثوهم بها”[1].

قال محمد بن سيرين:” كنت ألقى عبيدة بن عمرو السلماني بالأطراف”[2]

 ثم جاء المتأخرون وألفوا فيه كتبا سموها ” كتب الأطراف” مرتبا أحيانا على مسانيد الصحابة أو على الحروف وفق أطراف متون الحديث، ومن أحسن الكتب المؤلفة في هذا النسق كتاب “تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف” للإمام أبى الحجاج المزي.

ولا شك أن لأطراف الحديث علاقة واضحة بأن يكون الحديث معروفا ومشهورا بتمامه ولو كان نسبيا، ولذا يصح الاكتفاء بذكر طرفه دون بقيته، لكن يجب التنبه مرة أخرى إلى أنه لا يلزم من شهرة الحديث صحته أو قبوله، بل يعتريه ميزان النقد من حيث القبول والرد.