كيف تُشكّل الذاكرة التاريخية هوية الشعوب؟ هذا السؤال كان محور ندوة “الخليج وذاكرته التاريخية” التي نظمتها وزارة الثقافة في قطر، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن فعاليات “موسم الندوات” الرابع.
سلطت ندوة الخليج وذاكرته التاريخية الضوء على دور الذاكرة الجماعية في تشكيل الهوية الخليجية، حيث تناول المتحدثون كيفية تفاعل التاريخ مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وأهمية إعادة كتابة التاريخ من منظور نقدي لضمان دقته وموضوعيته.
كما تناولت الأوراق البحثية في ندوة الخليج وذاكرته التاريخية عدة قضايا مثل: تطور الهوية الخليجية، وتأثير التحولات الاقتصادية مثل الطفرة النفطية، ودور المتاحف في إعادة صياغة الهوية الجماعية. كما ناقشت تغير ملامح المكان بفعل التوسع العمراني، وأثره على ارتباط الإنسان الخليجي بجذوره.
الخليج وذاكرته التاريخية .. ما الخطوة القادمة؟
هذه الندوات تشكل فرصة حقيقية للحوار والتأمل في مستقبل الذاكرة الخليجية. إذا كنت مهتمًا بالتاريخ والهوية الثقافية، تابع فعاليات “موسم الندوات” المستمرة حتى 25 فبراير 2025، وانضم إلى النقاش حول إرثنا الخليجي التاريخي المشترك ومستقبله!
ندوة الخليج وذاكرته التاريخية، التي أدارتها إيمان الكعبي مدير المركز الإعلامي القطري، سلطت الضوء على أبعاد الذاكرة التاريخية في منطقة الخليج العربي ودورها في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية.
وشهدت ندوة الخليج وذاكرته التاريخية مشاركة كل من سعادة السيد خالد بن غانم العلي، عضو مجلس الشورى، والدكتورة آمنة صادق، أستاذة مساعدة في مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، والدكتورة العنود آل خليفة، باحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
ويستقطب موسم الندوات الذي يستمر حتى 25 فبراير 2025، نخبة متميزة من الخبراء والمثقفين والمفكرين والأكاديميين من داخل دولة قطر وخارجها، لتتكامل الرؤى من أجل إيجاد مقاربات وأطروحات مستنيرة حول جدليات الثقافة والفكر وتحديات العلاقات الحضارية المعاصرة والتغيرات الاجتماعية، وغيرها من الموضوعات الثقافية والقضايا الفكرية الراهنة.

أبعاد الذاكرة التاريخية وتشكيلها في منطقة الخليج
وجاءت ندوة الخليج وذاكرته التاريخية لتسليط الضوء على أبعاد الذاكرة التاريخية في منطقة الخليج العربي ودورها في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية، وشارك فيها كل من سعادة السيد خالد بن غانم العلي عضو مجلس الشورى، والدكتورة آمنة صادق أستاذة مساعدة في مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، والدكتورة العنود آل خليفة، باحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
وارتكزت مداخلة سعادة السيد خالد بن غانم العلي، في ندوة الخليج وذاكرته التاريخية على موضوع “تشكيل الذاكرة التاريخية” على ثلاثة محاور رئيسية وهي: الذاكرة كمصدر تاريخي، وتشكيل الذاكرة التاريخية، وكيف نصل إلى ذاكرة تاريخية موثوقة، حيث قال إنه يجب على المؤرخ ألا يقبل الكتابة التاريخية من أي مصدر من دون نقد، لأنها عرضة للتشويه، والإسقاطات، بل عليه أن يجتهد في مقارعة النصوص بعضها البعض، ونقدها حتى يتمكن من أن يصحح ما أدخل عليها، ليخرج منها برواية أقرب إلى الحقيقة التاريخية.
وأضاف: سعادته لكي نبني ذواكر تاريخية يمكن الوثوق بها، ونتجاوز الذواكر التاريخية التقليدية أو تلك غير التقليدية وغير النقدية يجب على المؤرخين الخليجيين الجادين إعادة كتابة تاريخهم للوقوف على مدى موضوعيتها أو صحة الصورة المنقولة عن مجتمعاتهم، والتي بدورها تشكل الذاكرة التاريخية.
خلجنة الكتابة التاريخية
وطالب سعادة السيد خالد بن غانم العلي، في ندوة الخليج وذاكرته التاريخية بضرورة إعطاء قيمة أكبر للذاكرة المحلية التي دونت من خلال الفاعلين فيها، مثل ديوان الشيخ جاسم والذي يجب أن يأتي في مقدمة المصادر التي نستقي منها الذاكرة التاريخية القطرية، وهنا سيتحقق لنا هدفين الأول إما تصحيح الذاكرة المستعادة أو تصحيح الذاكرة المستعادة للذاكرة المحلية، وهذا سيؤدي إلى أهلنة أي “خلجنة الكتابة التاريخية” في سياقنا الخليجي.
ورأى أنه لكي نخرج بذاكرة تاريخية موثوقة نحن بحاجة إلى عدة أمور أهمها: تجاوز الكتابة السردية والوصفية للتاريخ التقليدي، إلى مرحلة الفهم، ثم تطبيق النظريات والمنهجيات العلمية في العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى كالفلسفة وعلم الاجتماع (مثل نظرية النسق أو النماذج المثالية والكاريزما عند فيبر وغيرها)، أو ما يعبر عنه بتداخل الاختصاصات أو ربما تجاوز الاختصاصات ، ومن ثم نصل إلى مرحلة المقارنة والتحليل، وهي ما أسماها (أهلنة التاريخ) وصولا إلى التقييم أو إصدار الحكم بصحة الذاكرة التاريخية المنقولة، والتي تنقلها الذاكرة المحلية، الدونة وغير المدونة، أو الذاكرة التاريخية المستعادة التي كتبها آخرون عنم منطقتنا. أما المستوى الأخير، فيتعلق بقدرتنا على طرح فرضيات أو الإجابة على أسئلة مطروحة أو طرح أسئلة جديدة.
هوية الخليج بين الماضي والمستقبل
من جهتها قدمت الدكتور العنود آل خليفة، في ندوة الخليج وذاكرته التاريخية ورقة بعنوان “الهوية الجماعية في دول الخليج العربي ما بين الماضي والمستقبل.. المتاحف أنموذجا” أوضحت فيها أن الهوية الخليجية كانت نتاج مسارات تاريخية متشابكة من التفاعلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شكّلت ملامح الانتماء عبر الأزمنة.
وأشارت إلى أن الذاكرة الجماعية ليست مجرد استرجاع للماضي، بل هي عملية ديناميكية تعيد تشكيل الهوية باستمرار وفقًا للتحولات التي تشهدها المنطقة.
وأوضحت العنود في ندوة الخليج وذاكرته التاريخية أن الهوية الخليجية لم تكن ثابتة أو منغلقة، بل تطورت عبر التاريخ نتيجة المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكدةً أن التاريخ لا يُنظر إليه كواقع جامد، بل كمصدر مرن يعاد من خلاله إنتاج الهوية الجماعية.
وأشارت إلى أن المتاحف الخليجية تقدم نموذجًا يعكس هذا التطور، حيث لا تقتصر وظيفتها على حفظ الماضي، بل تعد فضاءات حية تُبرز التحولات المستمرة في الهوية عبر الأجيال.
وأضافت أن المتاحف كانت في البداية أداة لتعزيز شرعية المجتمع، ثم أصبحت وسيلة لدعم شرعية الدولة، بينما تشمل اليوم أدوارًا أوسع تتعلق بحداثة الدولة وعلاقاتها الدبلوماسية وحضورها العالمي.
وأكدت الدكتورة العنود أن الهوية الجماعية في الخليج مرت بمراحل رئيسية، بدءًا من ارتباطها بتأسيس المجتمع، مرورًا بعصر الطفرة النفطية الذي أعاد تشكيل مفهومها، وصولًا إلى توسيع نطاق الذاكرة الجماعية لتشمل ذاكرة الدولة والنخبة والتفاعل مع العالم الخارجي. ولفتت إلى أن هذا التحول يعكس انتقال الهوية الجماعية من سياقات اجتماعية بحتة إلى تمثلات حديثة تتفاعل مع العولمة والإنجازات الوطنية، مثل استضافة كأس العالم، امتلاك أندية رياضية عالمية، وبناء متاحف حديثة، ما يجعلها مشروعًا حداثيًا متغيرًا يعكس تطلعات المجتمع الخليجي ومستقبله.
ذاكرة المكان وتشكيل الهوية الخليجية
بدورها أكدت الدكتورة آمنة صادق في ورقتها، في ندوة الخليج وذاكرته التاريخية أن ذاكرة المكان في الخليج تعدّ عنصرًا أساسيًا في تشكيل الهوية الخليجية، حيث يرى الإنسان الخليجي نفسه ابنًا للصحراء والبحر، في إشارة إلى هويته الثقافية والاقتصادية. وأوضحت أن البحر كان على مدار التاريخ مصدرًا للرزق من خلال التجارة والغوص على اللؤلؤ والصيد، بينما شكّلت الصحراء نمط الحياة البدوية، ما عزز لدى أبناء الخليج قيم الاستقلال والمثابرة.
وأوضحت آمنة صادق فبي ندوة الخليج وذاكرته التاريخية أن مفهوم الهوية يتجاوز البعد البيئي إلى البعد الجغرافي والقومي، إذ يصف الخليجي نفسه بأنه “ابن الخليج”، في إشارة إلى البحر الذي يحدّ دول المنطقة، مما يجعل الخليج العربي فضاءً جغرافيًا للذاكرة الجمعية الخليجية. أما على المستوى المحلي، فإن ارتباط الإنسان بمكان نشأته ينعكس في وصفه بأنه “ابن الفريج” أو القرية أو المدينة، كما هو الحال في قطر حيث يعرّف بعض السكان أنفسهم بانتمائهم إلى أحياء مثل “فريج الجسرة” أو “الريان القديم”، مما يعكس الارتباط العميق بالبيئة الاجتماعية والثقافية القريبة.
وأشارت الدكتورة آمنة صادق، في ندوة الخليج وذاكرته التاريخية إلى أن ذاكرة المكان في الخليج لم تكن بمنأى عن التغيرات المتسارعة، إذ شهدت المنطقة طفرات نفطية متعددة ساهمت في إعادة تشكيل البنية التحتية، حيث تحولت المدن الخليجية التي عرفها السكان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي إلى مراكز حضرية حديثة مع نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الجديدة. وأكدت أن هذه التغيرات أدت إلى استبدال أنماط الحياة التقليدية، مثل الفريج والأسواق الشعبية، بالطرق السريعة وناطحات السحاب والمراكز التجارية، مما ساهم في تآكل ذاكرة المكان أو تغيّر معانيها.

وأوضحت أن هذه التحولات جعلت التجربة الحالية في الأسواق الشعبية والأحياء القديمة مختلفة عن انطباعاتها التاريخية، مشيرةً إلى أن بعض هذه الأماكن بات يحمل دلالات متناقضة، فيما أصبحت أخرى أطلالًا لتجارب منسية، مؤكدة أن الإنسان الخليجي فقد جزءًا من ارتباطه بالمكان نتيجة التحولات العمرانية المتسارعة، في حين باتت العديد من المواقع التاريخية تفتقر إلى روحها الأصلية، ما جعلها مجرد ذاكرة شفهية تفتقد لمعانيها العميقة التي كانت تشكل جزءًا من الهوية الخليجية.
وقالت الدكتورة آمنة صادق في معرض حديثها إن الهوية الجماعية في دول الخليج العربي مرت بعدة مراحل رئيسية؛ ففي البداية كانت مرتبطة بتأسيس المجتمع، ثم جاء عصر الطفرة النفطية الذي أعاد تشكيل مفهوم الهوية الجماعية، منوهة بأن الذاكرة الجماعية في الخليج لم تعد تقتصر على السرديات التقليدية مثل الغوص والتجارة البحرية والبادية، بل توسعت لتشمل أيضًا ذاكرة الدولة وذاكرة النخبة، وذاكرة التفاعل مع العالم الخارجي.
وأضافت الدكتورة آمنة في ندوة الخليج وذاكرته التاريخية أن هذا التحول يعكس انتقال الهوية الجماعية من سياقات اجتماعية بحتة إلى تمثلات حديثة تشمل العولمة والأدوار السياسية والإنجازات الوطنية، مثل مشاريع كأس العالم، امتلاك أندية رياضية عالمية، وبناء متاحف حديثة. وبالتالي، يعكس هذا التحول تحولًا في المجتمع الخليجي الذي بات يرى في هويته الجماعية مشروعًا حداثيًا متغيرًا.
وشهدت ندوة الخليج وذاكرته التاريخية حضورًا كبيرًا من المثقفين والأكاديميين الذي ساهموا في إثراء الندوة بالعديد من المداخلات القيمة.
هذا ويتواصل موسم الندوات هذا العام حتى 25 فبراير، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للدراسات، وبمشاركة نخبة من الخبراء والمثقفين والمفكرين والأكاديميين من داخل دولة قطر وخارجها، ويأتي ضمن جهودها المتواصلة ونهجها الراسخ في تأسيس منصة للحوار الثقافي والفكري الجاد والمعمق حول أبرز القضايا الثقافية والمجتمعية.