غزوة حنين، المعروفة أيضًا بغزوة أوطاس، هي إحدى الغزوات التي قادها رسول الله مع جيوش المسلمين في السادس من شهر شوال للسنة الثامنة من الهجرة النبوية. جرت الأحداث في منطقة حنين أو أوطاس بين مكة والطائف، وسميت الغزوة نسبة إلى هذه الأماكن. ومن الأسماء الأخرى لهذه الغزوة غزوة هوازن، نسبة إلى القبيلة التي كانت طرفًا في الصراع. فما سبب هذه الغزوة؟ وما هي أهم أحداثها؟ وما هي الدروس المستفادة من غزوة حنين؟

أسباب غزوة حنين

ذكر علماء السيرة أن سبب غزوة حنين “أن النبي لما فرغ من فتح مكة وتمهيدها، وأسلم أغلب أهلها مشت أشراف هوازن وثقيف بعضهم إلى بعض واجتمعوا على محاربة المسلمين، وأشفقوا أن يغزوهم ، وقالوا: “قد فرغ لنا، فلا ناهية له دوننا، والرأي أن نغزوه”، فحشدوا وبغوا، وقالوا: “والله إن محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال، فأجمعوا أمركم، فسيروا في الناس، وسيروا إليه قبل أن يسير إليكم، فأجمعت هوازن أمرها”. (الطبقات، ابن سعد).

وقد اجتمعت هوازن ومعها حلفاؤها تحت قيادة مالك بن عوف هوازن، ولكن اقتضت حكمة الله ووعده للرسول أنه إذا فتح مكة دخل الناس في دين الله أفواجا، حيث أمسك الله قلوب هوازن ومن تبعها عن الإسلام، وأن يجتمعوا ويتألبوا لحرب رسول الله والمسلمين ليظهر أمر الله وتمام إعزازه لرسوله لتكون غنائم شكرا لأهل الفتح، وليظهر الله سبحانه رسوله وعباده وقهره لهذه الشوكة العظيمة التي لم يلق المسلمون مثلها، فلا يقاومهم بعد أحد من العرب. (مختصر زاد المعاد).

فكرت قبيلتا هوازن وثقيف وكانت حدودهما متصلة بمكة، بأنهما لو هزما المسلمين لعادت إليهم بساتين أهل مكة وأملاكهم بالطائف، فخرجوا إلى مكة في أربعة آلاف من الشجعان، ونزلوا بوادي حنين، وكانوا قد أتوا بنسائهم وصبيانهم وأموالهم وإبلهم معهم بناء على مشورة رئيسهم مالك بن عوف وذلك حتى لا يفر أحد منهم عن ميدان المعركة.

أحداث غزوة حنين

لما سمع النبي بالخبر تقدم خارج مكة فقد رأى أنه ليس من المناسب القتال في الحرم بجوار مكة، وكان معه ألفان من أهل مكة من مسلمين ومعاهدين من غير المسلمين وعشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ممن فتح الله بهم مكة.

وقد أعجبت بعض الصحابة كثرتهم، فقال بعض القوم: اليوم والله نقاتل، ولن نغلب اليوم من قلة. وأنشد البعض قائلا: لو لقينا بني شيبان ما بالينا *** ولا يغلبنا اليوم أحد من قلة[1]

فأنزل اللَّه تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ‌وَيَوْمَ ‌حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25] .

الكمين وهجوم العدو

نصب الأعداء كمائن للمسلمين في واد ضيق صعب، ونصبوا عليه رماة سهامهم، وحين صار الجزء الأول من جيش المسلمين (وكان في معظمه من الطلقاء والشباب الذي لا يبالي فليس مع أحدهم عدة ولا عتاد كما أنهم ليسوا على قدر من التدريب الحربي) في مرمى الأعداء دون أن يدري، قام الأعداء فأمطروا مقدمة الجيش بوابل من السهام، فبدأ الجميع يولون أدبارهم هاربين، وصمد في ميدان المعركة ما يقرب من مائة صحابي.

إعادة تجميع الجيش والنصر

وحين رأى النبي المهاجمين يتقدمون من الجهات الأربع وجيشه يتقهقر، ضرب للجيش مثلا في الشجاعة لا نظير له، فنزل من فوق بغلته وجعل يرتجز:

أنا النبي لا كذب … أنا ابن عبد المطلب 

(صحيح البخاري ومسلم)

ثبت رسول الله كما ثبت في غزوة أحد وكان ثباته – بفضل الله تعالى – سبباً في كسب الموقعة، فإنه انحاز ذات اليمين ومعه نفر قليل منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، والعباس وابنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه ، وأسامة بن زيد، وربيعة والحارث بن عبد المطلب، وعتبة ومعتب (ابنا أبي لهب)، وأيمن بن أم أيمن، واختلف في عدد من ثبت من رسول الله، وأخذ كفا من تراب فرماه في وجوه العدو قائلا شاهت الوجوه. وهذا الرمي وقع مثله في غزوة بدر.

وبدأ العباس عم النبي )ينادي المهاجرين والأنصار وكان كل منهم يستمعون إلى ندائه فيتجمعون كما يتجمع الحمام إلى برجه، اجتمع حول رسول الله جمع عظيم منهم. وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنودا لم يروها.

فأعيد ترتيب الجيش من جديد، وكرّ المسلمون على عدوهم يدا واحدة، فانتكث فتل المشركين، وتفرّقوا في كل وجه لا يلوون على شيء من الأموال والنساء والذراري، وانقسموا إلى قسمين:

1 – قسم بقيادة مالك بن عوف، أخذ جماعته وتحصن في قلعة الطائف.

2 – والقسم الثاني وكان فيه أهله وعياله وماله ومتاعه هرب واختبأ في أوطاس.

محاصرة قلعة الطائف

أمر أبا عامر الأشعري بالتوجه إلى أوطاس. فوصل أبو عامر هناك وتمكن من أهل وعيال ومال ومتاع الأعداء كله، وحين علم النبي بنتيجة ما حدث في أوطاس، أمر بمحاصرة قلعة الطائف، لأن ضياع أهل هؤلاء يعد مصيبة ما بعدها مصيبة.

وكانت الغنائم التي غنمها المسلمون في أوطاس 24 ألف رأس من الإبل، 45 ألف رأس من الغنم، 4 آلاف أوقية من الفضة ومن السبي نساء وصبيانا ستة آلاف. (زاد المعاد لابن القيم).

وكانت هذه الغزوة آخر معركة ذات شأن بين الإسلام والمشركين، لم يلبث العرب من بعدها أن كسروا الأصنام ودخلوا في دين الإسلام.

الدروس المستفادة من غزوة حنين

اشتملت هذه الغزوة على فوائد تربوية وفقهية تمثل دروسا للمعتنين بالهدي النبوي من ذلك:

وما النصر إلا من عند الله

اغتر بعض الصحابة بالعدد فقال مقولته: “لن نغلب اليوم عن قلة”، ورأى أنه لن يكون هزيمة وهذه الأعداد الضخمة قائمة، والتي بلغت اثني عشر ألفا من المسلمين أو أربعة عشر الفا في رواية ثانية، ولم تشهد جزيرة العرب جيشا بهذه الضخامة منذ أن وجدت الجزيرة. وهم مسلمون وفيهم رسول الله فلن يتطرق إلى ذهن أحدهم وقوع الهزيمة بحال. ولكن إرادة الله تعالى أن يتربى هذا الجيش كله، وبأعداده الضخمة الوافدة الجديدة، على مبدأ – النصر من عند الله – وأن الله تعالى هو الذي يهبه ويعطيه ابتداء. وليس النصر متحققا بكثرة العدد والعدة، وقوة الشكيمة[2].

ثبات الرسول الله أمام العدو

وإن ثبات رسول الله وبسالته أمام العدو، وإركاض بغلته قبل الكفار تعني أنه أشجع الخلق، وتعني أنه أثبت الناس في ساحة القتال، قال عنه البراء رضي الله عنه: “كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي ”[3]. القائد الفذ بثباته هو الذي يستطيع أن يحول الهزيمة نصرا بإذن الله تعالى.

الأخذ بالأسباب سنة ماضية ولا تنافي حقيقة القدر

قال ابن القيم: أن من تمام التوكل استعمال الأسباب التي نصبها الله لمسبباتها قدرا وشرعا، فإن رسول الله وأصحابه أكمل الخلق توكلا، وإنما كانوا يلقون عدوهم وهم متحصنون بأنواع السلاح، ودخل رسول الله مكة، والبيضة على رأسه، وقد أنزل الله عليه {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67][4].

أهمية الدعاء

الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وهذا يؤخذ من دعائه في غزوة حنين، عندما توجه إلى ربه وقال: “اللهم نزل نصرك”، فاستجاب الله له ونصره على أعدائه، ولذلك قال : “الدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء”.

حلم النبي على جفاء الأعراب

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: .. فلما كان يوم حنين آثر رسول الله ناساً في القسمة .. فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عُدِل فيها، وما أُريد فيها وجه الله. قال: فقلت والله! لأخبرنَّ رسول الله . قال: فأتيته فأخبرته بما قال، قال ابن مسعود: فتغير وجهه -حتى كان كالصرف. ثم قال: “فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله”. ثم قال: “يرحم الله موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر”[5]. والله إنها لأخلاق النبوة[6].

حكم تضمين العارية (مسألة فقهية)

‌‌جاء في أول غزوة حنين أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم علم أن عند صفوان بن أمية عارية فأعار الجيش الإسلامي دروعا وأسلحة، والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم تعهد بضمانها، وقال: “عارية مضمونة”.

هل يفهم من هذا الحديث أن العارية تضمن حتى ولو فقد عينها؟ اختلف الفقهاء في توجيه كلام الرسول ، إذ قد انعقد الإجماع على أن الإعارة في يد المستعير كالوديعة لا تضمن إلا إذا تلفت بالتقصير في الحفظ، أو استعمالها في غير ما أعيرت له، فإن ذلك يكون تعديا، والتعدي يوجب الضمان، ولأن الإعارة تبرع، والتبرعات لا تضمن إن تلفت إذا كان التلف بالاستعمال الذي أعيرت له.

والاختلاف في تحديد المراد من قوله “عارية مضمونة” ينصرف إلى قولين:

قال الإمام الشافعي: العارية تقبل الضمان إذا اشترط الضمان، وتكون مضمونة بالشرط، ولا تكون كالغصب لأن الغصب مضمون بالتلف دائما.

وذهب آخرون أبو حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء: أن العارية لا تضمن ولو بالشرط، لأن ذلك قلب لحقيقة معناها، إذ هي وديعة في معناها، والوديعة لا تضمن، فهي لا تضمن، ولكن يجب أن يلاحظ أن ثمة فرقا بين الوديعة والعارية، فالعارية تستعمل بإذن المالك، والوديعة لا تستعمل.

قال أبو زهرة مرجحا بين الرأيين: وإن أولئك الفقهاء الذين قالوا: إن العارية لا تكون مضمونة، قالوا إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يرد الضمان برد العين، أو بقيمتها إن تلفت إنما أراد أنها مؤداة أي مضمون أن تعاد إلى صاحبها إن سلمت، فإن تلفت لا يتصور ضمان قيمتها، وذلك لأن العبارة رويت عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأنه قال مؤادة في بعض الروايات، فهذا يدل على أن المراد من كلمة مضمونة في الرواية الأولى أن تكون مؤداة، والضمان على الأداء، لا على التلف.

توجيه ‌‌عطاء المؤلفة قلوبهم من غنيمة هوازن

أكان عطاء المؤلفة قلوبهم من هذا الخمس؟ أم كان من أربعة الأخماس العامة؟

قال الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى: هو من الخمس الذي يخص النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأربعة الأخماس قد وزعت على المحاربين.

ويرى الإمام أحمد أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عد ما أخذه هؤلاء من الأنفال وهي لله ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، وكما قال تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (الأنفال: 1). وكأن الغنائم لا تقسم ابتداء، وليست حقا ثابتا للفاتحين بمجرد الفتح وإنما هي حق لهم بعد أن ينفل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ما يرى نفله تقوية للدعوة، وتأليفا للقلوب وتقريب البعيد، وأنه يجب أن يعلم أن الحروب في الإسلام ما كانت لجمع الغنائم وإنما كانت لدفع الاعتداء وفتح الطريق أمام الدعوة.

قال أبو زهرة: وما قرره أحمد وعلماء السنة من أن ذلك كان قبل التخميس، يؤيده ما جاء على ألسنة الأنصار من الموجدة والمعتبة، لأن هذا العطاء لأبي سفيان وولديه، وقد كان ينقص من أنصبة المستحقين في أربعة أخماس الغنيمة، ولكن إيمانهم مكنهم من أن يعرفوا مقصد النبي [7].

حكم تبادل الرقيق بالحيوان

وذلك عندما وجه النبي الصحابة بإطلاق ما بأيديهم من سبايا هوزان بعد أن دخلوا في الإسلام وكان العدد كثيرا، أربعة آلاف، وقد أطلق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من في يده وبني عبد المطلب من السبايا، وعرض على المؤمنين أن يفعل ما فعلوا، فرضى باتباعه المهاجرون الأولون والأنصار، وامتنع آخرون لذلك طلب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من الممتنعين إطلاق سراح النساء والأبناء على أن يكون لكل رقبة من السبايا ستة نوق مما يجيء في المستقبل من غنائم، فرضوا جميعا إلا عيينة بن حصن[8].

قام أبو زهرة بالإجابة على هذه المعاملة واعتبرها نوعا من عقد التبرع لأن العتق من التبرعات، واعترض على من قال إنه مقايضة قال: وإن تخريج عمل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أنه بيع فيه نظر، فلم تكن مقايضة بين القائمين وبين النبي إنما كان هناك عتق في نظير مال، فالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم طلب إليهم أن يطلقوا ما في أيديهم من السبايا، وأن يعوضهم عن هذا العتق بمال تكون قيمته هي قيمة من أعتقوهم في نظر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد ارتضوا ما قدر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فهو عتق بشرط وليس ببيع.

وإن العتق هو تبرع مالك الرقبة للرقبة نفسها، لأن إعطاء الحرية فهو هبة بشرط العوض والهبة (والعتق بالذات) يتسامح فيه بما لا يتسامح في غيره، وما كان العوض المؤجل ثمنا، حتى تكون جهالته مفضية إلى المنازعة، إنما هو عوض في عتق فلا يؤدي إلى التنازع، ولذلك نقول إنه ما كان ثمة حاجة إلى مناقشة كونه ربويا، أو غير ربوي، وكون التأجيل إلى أجل مجهول جائز أو غير جائز، فإن تصرف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعيد عن ذلك كل البعد[9].

حكم السلب في المعركة

وفي هذه الغزوة أنه قال: (من قتل قتيلا، له عليه بينة فله سلبه) وقاله في غزوة أخرى قبلها، وبناء على ذلك فقد أخذ أبو قتادة سلب قتيل واحد له، وأما أبو طلحة فكان سلبه من ثلاثين قتيل.

وقد اختلف الفقهاء على تأويل الحديث، هل هذا السلب مستحق بالشرع أو بالشرط؟ على قولين عند الفقهاء.

القول الأول يرى: أن السلب حق للمجاهد سواء شرطه الإمام أم لا، وهو قول الشافعي.

والقول الثاني وهو مذهب أبي حنيفة ومالك أنه لا يستحق السلب إلا بشرط الإمام. وقال مالك رحمه الله: لا يستحق إلا بشرط الإمام بعد القتال. فلو نص قبله لم يجز.

ومأخذ النزاع أن النبي كان هو الإمام والحاكم والمفتي وهو الرسول، فقد يقول الحكم بمنصب الرسالة فيكون شرعا عاما إلى يوم القيامة كقوله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)[10].