لماذا تم اختيار الدوحة عاصمة الثقافة الإسلامية في 2021؟ ما هي الشروط التي استوفتها قطر لاختيارها لهذا الأمر؟ ما أبرز ما تسعى إليه هذه الفعاليات الثقافية؟ وما هي أهداف البرنامج الذي أعدته الدوحة؟ وما أشهر المعالم الإسلامية الثقافية في قطر؟ وكيف ستتعامل المؤسسات القطرية المعنية بفعاليات هذه التظاهرة الكبرى على مدى العام الجاري2021، خاصة في ظل الوضع الخاص المتمثل في تفشي فيروس كورونا عبر العالم؟

تحت الرعاية الكريمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، تستضيف دولة قطر فعاليات “الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي للعام 2021. فعلى مدى عام كامل ستحمل العاصمة القطرية الدوحة شعلة الثقافة الإسلامية، بعد اختيارها من قبل “منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة” (إيسيسكو) لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية لهذا العام.

ثقافتنا نور

ويحظى تاريخ دولة قطر ومنظمة التعاون الإسلامي بسجل كبير من التعاون والشراكة منذ اليوم الأول لانضمام قطر عام 1972 للمنظمة، ومشاركتها في العديد من المناسبات المختلفة، وهو ما يؤكد حرص القيادة القطرية على دعم المنظمة وبذل كافة الجهود لتبقى حاضنة وداعمة لقضايا الأمة الإسلامية.

وفي يوم غد الاثنين (8 مارس 2021) ستشهد قطر انطلاق فعاليات “الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي للعام 2021″، تحت شعار “ثقافتنا نور”. وهو الشعار الذي تم اختياره لهذه الفعالية الضخمة حسب وزارة الثقافة والرياضة القطرية “..إيمانا بأن لكلّ أمّة ثقافة تميّزها عن غيرها، وأن الثقافة الإسلاميّة قيمة أصيلة لها خصوصيتها ضمن ثقافات العالم، فهي نابضة بالحياة ما دامت تستلهم جوهرها من القيم الإسلاميّة الخالدة التي أخرجت الإنسانيّة من الظلام إلى النور، ووهبت الإنسان العلم والكرامة”.

“كما تعبر الثقافة الإسلاميّة عن الفنون والآداب والتراث الثقافي للأمّة باعتبار أنها رافعة القيم ورهان دائمٌ لكلّ الأجيال المسلمة التي تعمل على المحافظة على قيمها الأصيلة وتسعى إلى تجديد إبداعها الحضاري، لتبلّغ جوهر رسالتها الخالدة”.

نشر الثقافة الإسلامية

تبنت “الإيسيسكو” برنامج عاصمة الثقافة الإسلامية، الذي جاء على غرار البرنامج الذي أطلقته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) الخاص باختيار عاصمة الثقافة العربية.

وتقرر إسناده سنوياً إلى 3 مدن إسلامية عريقة، تمثل المناطق الإسلامية في كل من العالم العربي، أفريقيا وآسيا، إلى جانب العاصمة التي تستضيف المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة الذي ينعقد كل عامين، وتمتد الاحتفالات والمظاهرات على مدار عام كامل.

تتمثل أهداف برنامج عاصمة الثقافة الإسلامية في “نشر الثقافة الإسلامية، وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها، وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية للمدن التي تختار كعواصم ثقافية إسلامية بالنظر لما قامت به في خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية”.

وتهدف أيضاً إلى “تقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم أجمع، من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة”.

وأيضاً “تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب (…) من أجل إنقاذ الإنسانية مما يتهددها من مخاطر جمة”.

وقالت الدكتورة حمدة حسن السليطي،الأمين العام للجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة والعلوم، إن استضافة الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي، يأتي ضمن جهود دولة قطر لنشر الثقافة الإسلامية والإنسانية في أكبر رقعة ممكنة من الدول العربية والإسلامية والعالم، مشيرة إلى أن قرار إطلاق العواصم الثقافية صدر من الدوحة، منذ عشرين عاماً عندما اعتمد المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة الذي عقد بالدوحة عام 2001 وفيه تم إطلاق مشروع برنامج عواصم الثقافة للعالم الإسلامي.

وقالت السيدة عائشة عبدالله كافود رئيس قسم العلاقات العامة بوزارة التعليم والتعليم العالي إن قطر تسعى لتعزيز الثقافة العربية والإسلامية والحركة الثقافية التي كانت ولا تزال تتميز بها منذ نشأتها وحتى يومنا الحاضر والشواهد كثيرة، مؤكدة أن اختيار الدوحة عاصمة للثقافة يأتي اعترافاً بدورها الكبير في تعزيز الثقافة العربية والإسلامية، ولمكانتها في تشجيع العطاء الثقافي، والتي تحتل قلب كل مثقف وأديب وفنان عربي وعالمي.

لماذا الدوحة؟

جاء اختيار “الإيسيسكو” للدوحة لتكون عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي للعام 2021، لعراقة تاريخ المدينة وإرثها، وما تضمه دولة قطر من مقومات حضارية ومعالم عديدة تعكس الطابع الإسلامي.

ويقول حمد العذبة، المنسق العام للاحتفالية، “إن اختيار الدوحة عاصمة للثقافة الإسلامية جاء بعد موافاتها للشروط التي تجعل منها منارة إسلامية بارقة في سماء العالم العربي والإسلامي”.

وذكر أن “دولة قطر من الدول التي تهتم بالتراث الإسلامي بشكل خاص، والتراث والتاريخ الأثري بشكل عام، وذلك من خلال ترميم عدد من المناطق الأثرية في الدولة، والاهتمام بها، وسعيها الدائم إلى إيجاد محفوظات للمعالم الإسلامية تبرز من خلالها كل ما يتعلق بها”.

من جهتها، أكدت الدكتورة حمدة السليطي أن مدينة الدوحة كانت جديرة بتلك الاستضافة بعد أن استوفت كافة الشروط والمعايير التي اشترطتها المنظمة لاختيارها كعاصمة للثقافة الإسلامية، ومن بين هذه المعايير أن تكون مدينة ذات عراقة تاريخية مدونة، وصيت علمي واسع، ولها مساهمات متميزة في مجالات الثقافة وفي المجالات الإنسانية من خلال الأعمال العلمية والأدبية والفنية، ويتوافر فيها مراكز للبحث العلمي ومكتبات للمخطوطات، ومراكز أثرية ومؤسسات ثقافية فاعلة في مجال تنشيط الحياة الثقافية، موضحة أن حفل الافتتاح سيكون في الثامن من مارس القادم 2021، وسوف تكون هناك أجندة زاخرة بالبرامج والفعاليات المتنوعة التي تكتسي رونقاً مميزاً يثري الاحتفالية على مدار العام .

أما البرنامج الذي أعدته الدوحة فيهدف – وفقاً للعذبة- إلى دفع وتطوير نمط سياحي جديد يرتكز على استثمار تراث الدوحة المعماري في استقطاب زائرين من الدول الإسلامية يشاهدون جمال معالمها، التي تضم معالم مصنفة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

أكثر من 70 فعالية

بدوره قال فيصل السويدي، مدير إدارة الثقافة والفنون بوزارة الثقافة والرياضة، إن هناك العديد من الفعاليات ستقام ضمن برنامج “الدوحة عاصمة الثقافة الإسلامية”، مبيناً أن أكثر من 70 فعالية متنوعة ستكون حاضرة “لتعكس التصورات الكبرى للاستضافة وللدولة بصفة عامة”.

كما تهدف الفعاليات التي تنظمها وزارة التعليم مثلا لإبراز التنوع الثقافي، والمعالم التاريخية، والقيم الإنسانية لثقافة دولة قطر وتاريخها العريق، وذلك من خلال تنظيمها لعدد من الفعاليات المتنوعة بهذه المناسبة، ومنها فعالية “الريل”، وهي عبارة عن عرض فيديو منوع متعدد الأهداف يتضمن فيلم “جرافيك” عبارة عن رحلة لقطار الريل عبر مناطق متنوعة في دولة قطر، وعبر أهم الأحداث والفعاليات التي شهدتها، حيث يمر على أهم المؤسسات في الدولة، مثل: متحف الفن الإسلامي، كتارا ، النادي العلمي القطري، وزارة الداخلية، المدينة التعليمية، مؤسسة قطر وفعالية درب الساعي.

ووفق وكالة الأنباء القطرية “قنا” فإن استضافة الدوحة للحدث الإسلامي تعزز أواصر الصداقة والاحترام التي تجمع دولة قطر مع دول العالم، وخاصة العالم الإسلامي، وانطلاقاً من أن الدوحة تعتبر أرضاً للحوار وملتقى للثقافات والانفتاح على الحضارات.

وتشكل فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2021 “فرصة لإبراز التنوع الثقافي، ومعالمها التاريخية، والقيم الإنسانية لثقافة دولة قطر وتاريخها العريق”.

وتسعى فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي إلى “الترويج للقيم الإسلامية الخالدة وبشكل خاص القائمة على العلم والكرامة الإنسانية، وتعزيز الموروث الثقافي الإسلامي في عالم مترابط”.

وتسعى أيضاً إلى “التشجيع على الإبداع والابتكار كقيم حضارية تثري الحضارة الإسلامية، وإلهام الأجيال الجديدة في العالم الإسلامي لإثراء المشهد الثقافي العالمي عبر دور منتج وفاعل”.

وأيضاً تسعى إلى “التركيز على التنوع الثقافي كقيمة مضافة للدول الإسلامية وللثقافة الإسلامية بشكل عام، بالإضافة إلى التعريف بالتجربة الثقافية لدولة قطر وجهودها لتعزيز الثقافة الإسلامية”.

قطر والتاريخ الإسلامي

تروي مصادر التاريخ العربي الإسلامي أن قطر أدت دوراً مهماً عندما شارك سكانها في تجهيز أول أسطول بحري لنقل الجيوش خلال الفتوحات الإسلامية.

وشهدت قطر مرحلة من الرخاء الاقتصادي في ظل الدولة العباسية، إبان القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)؛ ويستدل على ذلك من المدونات المكتوبة في قلعة (مروب) الموجودة على الساحل الغربي والتي تمثل الطابع المعماري العباسي.

وفي القرن العاشر الهجري (السادس عشر للميلاد) تحالف القطريون والأتراك لطرد البرتغاليين، ثم خضعت كل المناطق في الجزيرة العربية، ومن ضمنها قطر لحكم الإمبراطورية العثمانية، واستمر ذلك حوالي أربعة قرون متوالية.

وفي 2019 أعلن عن اكتشاف أقدم المواقع الأثرية الإسلامية في قطر بمنطقة يوغبي شمال غربي البلاد. وأفاد الباحثون أن نشأة الموقع الذي يُعد واحداً من أقدم المواقع الإسلامية في المنطقة ترجع إلى نهاية العصر الساساني (538-670 ميلادي)، في حين تعود الآثار المعمارية التي لا يزال الموقع محتفظاً بها -بحسب ما يعتقده الباحثون- إلى العصر الأموي (661-750 ميلادي).

متحف الفن الإسلامي

وتحظى قطر بآثار تاريخية إسلامية، فضلاً عن اهتمامها ببناء معالم إسلامية تبرز أهمية الدور الإسلامي الثقافي والإنساني.

ولا يمكن الحديث عن التاريخ الإسلامي دون الولوج إلى “متحف الفن الإسلامي” الذي يعد صرحاً إسلامياً ثقافياً إنسانياً نادراً، تحتضنه الدوحة. يضم المتحف الذي تأسس عام 2008، مجموعة مقتنيات رائعة وفريدة، حيث تتألف من عدة آلاف من القطع الفنية من 3 قارات وتمتد لأكثر من 13 قرناً من الزمن.

وهذه المجموعة تمثل خريطة سردية صممت خاصة لجمهور حديث، تقدم لزوار المتحف تجربة لرحلة عبر كل من الزمن والثقافات والأديان والعصور.

وتضم مجموعة المقتنيات كتباً ومخطوطات وسيراميك ومعادن وزجاجاً وعاجاً وأنسجة وخشباً وأحجاراً كريمة، وقطعاً نقدية مصنوعة من الفضة والنحاس والبرونز، يعود تاريخ بعضها إلى ما قبل الإسلام، ويعود أحدثها إلى العهد الصفوي، مروراً بالعصرين الأموي والعباسي، وتغطي بذلك جميع مجالات الفن الإسلامي.

وسيكون متحف الفن الإسلامي، الذي يشهد على مدار العام أنشطة ثقافية مختلفة، حاضناً لعدد من الفعاليات في إطار برامج “الدوحة عاصمة الثقافة الإسلامية”.بالإضافة أيضا لعدة مراكز وعالم ثقافية في الدوحة، على غرار الحي الثقافي (كتارا)، الذي يعتبر اليوم المنبر الأكثر إشراقا للثقافة العربية، وحاضنة للكتاب والثقافة والفنون بمختلف أنواعها، ويتضمن عددا من الفعاليات والندوات والمحاضرات الثقافية والاقتصادية والفنية والأمسيات الشعرية واللقاءات الفكرية على مدار العام، ويأتي الاهتمام بمثل هذه الفعاليات الثقافية والاهتمام الكبير بالمشاركة انعكاساً لحرص المجتمع وشغفه الثقافي.