الصحابي الجليل الزبير بن العوام ليس مجرد صهر لأول الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق أو ابن عمة رسول الله، أو أحد العشرة المبشرين بالجنة، فهو “حواري النبي” ﷺ، ومن الستة الذين قال عنهم عمر بن الخطاب إن الرسول توفي وهو راضٍ عنهم.
الزبير بن العوام بن خويلد، ابن السيدة صفية بنت عبدالمطلب عمة نبي الإسلام محمد بن عبدالله، كانت أمه تناديه بـ”أبو الطاهر”، وعُرف بين أهله آنذاك بـ”أبي عبد الله”، نسبة لابنه، قُتل أبوه في حرب الفجار، فنشأ يتيم الأب، وكانت أمه تعامله بشدة، وتضربه منذ طفولته بهدف أن يكون له شأن عظيم لاحقا.
اعتنق الزبير بن العوام الإسلام في الثامنة من عمره، تلبية لدعوة أبي بكر الصديق له، وعلى الرغم من تعرضه للأذى من قومه، فإنه ظل ثابتا على الدين الإسلامي، ولم يدخل الإسلام وحده، بل أسلم أخواه السائب وعبدالرحمن، ولم يسلم أخوهم الرابع عبدالله.
تزوج الزبير من “ذات النطاقين”، السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق أول أصحاب الرسول محمد ﷺ، وهاجر مرتين، الأولى إلى الحبشة والأخرى إلى يثرب، وبعد هجرته الأخيرة إلى المدينة المنورة، رزقه الله بمولوده الأول عبدالله بن الزبير، وكان أول مولود للمسلمين بعد الهجرة.
من هو الزبير بن العوام رضي الله عنه؟
هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي، من أوائل الصحابة وكبارهم. تكنى بعبد الله وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب، عمّة رسول اللهr تكنيه بأبي الطاهر؛ بكنية أخيها الزبير ابن عبد المطلب.
والزبير بن العوام هو ابن أخ أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وزوجته أسماء بنت أبي بكر. وله العديد من الأولاد الذكور سمى عشرة منهم بأسماء صحابة استشهدوا، وهم عبد الله ومصعب وعروة والمنذر وعمر،وعبيد وجعفر وعامر وعميرة وحمزة. وأسماء بناته خديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة وحبيبة وسودة وهند ورملة وخديجة الصغرى.
وُلد الزبير بن العوام في مكة، وتوفي والده وهو صغير، فتربى في كنف ورعاية أمِّه السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها وكانت تربيه تربية حازمة، كي يكون مقاتلا شجاعا، يستطيع أن يدافع عن قومه، كي يكون عوضا عن أبيه الذي قتل في حرب الفجار قبل الإسلام. وعندما بلغ عمر الزبير ست عشرة سنة أسلم وصار من أوائل من دخلوا في الإسلام، وتعرَّض للابتلاء في أول إسلامه، حيث تعرَّض لتعذيبٍ شديدٍ في سبيل دينه، وكان الذي تولى تعذيبه عمه، كان يلفه في حصير، ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه، ويناديه وهو تحت وطأة العذاب: أكفر بربِّ محمد أدرأ عنك العذاب، فيجيبُه الزبير في تحد رهيب: والله لا أعود لكفر أبدا.
بماذا لقب الزبير بن العوام؟
تربى الزبير بن العوام رضي الله عنه في أحضان الدعوة على يدي النبي ﷺ، وتلقى الجرعات المطلوبة لتحمل أعبائها منذ شبابه الباكر، وموقف الزبير في غزوة الأحزاب يصور لنا شخصيته ونشأته على الجرأة والنصرة. قال رسول الله ﷺ يوم الخندق: “من يأتينا بخبر بني قريظة؟” فقال الزبير: أنا، فذهب على فرس، فجاء بخبرهم. ثم قال الثانية، فقال الزبير: أنا، فذهب، ثم الثالثة، فقال النبي ﷺ: “لكُلِّ نبيٍّ حواريّ، وحواريَّ الزبير”. ومعنى قوله ﷺ: “وحواري الزبير”: أي: خاصتي من أصحابي، وناصري، ومنه الحواريون أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام، أي خلصاؤه وأنصاره، فالحواري: هو الناصر المخلص، فالحديث اشتمل على هذه المنقبة العظيمة التي تميز بها الزبير رضي الله عنه، ولذلك سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه رجلاً يقول: أنا ابن الحواري فقال: إن كنت من ولد الزبير وإلا فلا.
لقد نال الزبير في غزوة الخندق وساما خالدا باقيا على مر السنين، عندما وصفه النبي ﷺ الزبير بالحواري، وهو وصف عميق الدلالة واسع المفاهيم، والدارس لهذه المعاني يدرك أبعاد كلمة الحواري، ويتبين معالمها ويعرف أسرارها وأغوارها، وأكثر من يحتاج إلى العناية بهذه المفاهيم هم العلماء والدعاة والمربون، لأن الدعوة الإسلامية تحتاج إلى إعداد الحواريين ليقدموا نماذج حية في الأسوة والقدوة، لأن القدوة العملية أقوى وأشد تأثيرا في نشر المبادئ والأفكار، لأنها تجسيد وتطبيق عملي لها، يسهل مشاهدتها والتأثر والاقتداء بها، ولأن الحواريين يأخذون بسنة الرسول ﷺ ويقتدون بأمره، كما جاء في الحديث: “ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره.
أول من سل سيفه في سبيل الله
كان ابن العوام أول من سل سيفا في وجه المشركين، وشهد كل غزوات النبي محمد ﷺ، وكان في مقدمة الصفوف في غزوة بدر، وكان حاملا إحدى رايات المجاهدين الثلاث في فتح مكة، وشارك في فتح مصر، وكان من حراس المدينة في أثناء حروب الردة، وشهد غزوة خيبر، وغزوة الخندق، وكان من الذين انتدبهم النبي لمتابعة جيش قريش بعد انتهاء المعركة في غزوة أحد.
عن سعيد بن المسيب، قال: أول من سلّ سيفه في ذات الله الزبير بن العوام، وبينما الزبير بن العوام قائل في شعب المطابخ، إذ سمع نغمة: أن رسول الله ﷺ قُتِل، فخرج من البيت متجرداً السيف صَلْتاً، فلقيه رسول الله ﷺ كَفَّةَ كَفَّةَ، فقال: “ما شأنك يا زبير؟” قال: سمعت أنك قُتِلْت، قال: “فما كنت صانعاً؟” قال: أردت والله أن أستعرض أهل مكة، قال: فدعا له النبي ﷺ بخير. قال سعيد: أرجو أن لا تضيع له عند الله عز وجل دعوة النبي ﷺ.
غيرة الزبير بن العوام
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنها ـ قالت: تزوَّجني الزبير ـ رضي الله عنه ـ وماله في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه. قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته وأسُوسُه، وأدقُّ النوى للناضحة، وأعلفه وأسقيه الماء، وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أُحسن أخبز، فكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق. قالت: وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله ﷺ على رأسي، وهي على ثُلُثي فرسخ، قالت: فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله ﷺ ومعه نفر من أصحابه فدعا لي، ثم قال: أخ خ، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته. قالت: وكان من أغير الناس. قالت: فعرف رسول الله ﷺ أني قد استحييت، فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله ﷺ وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب معه، فاستحييت وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملُك النوى كان أشدَّ عليَّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني.
و يقال أن الزبير بن العوام كان شديدا عليها فأتت أباها فشكت ذلك إليه فقال: “يا بنيّة اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثمّ مات عنها فلم تزوّج بعده جمع بينهما في الجنّة”، ثم إن الزبير طلقها فكانت عند ابنها عبد الله، وقد اختلفوا في سبب طلاقها، فقيل: إن عبد الله قال لأبيه: “مثلي لا توطأ أمه! فطلقها” وقيل: كانت قد أسنت وولدت للزبير عبد الله وعروة، والمنذر. وقيل: “إن الزبير ضربها فصاحت بابنها عبد الله، فأقبل إليها، فلما رآه أبوه قال: أمك طالق إن دخلتَ. فقال عبد الله: أتجعل أمي عرضة ليمينك؟! فدخل فخلصها منه”.
الطعن والطاعون في فتح مصر
شارك الزبير في فتح مصر، فلما سار عمرو بن العاص لفتح مصر، طلب المدد من الخليفة عمر بن الخطاب، فأرسل له مدد بِقيادة الزبير بن العوام، ويذكر المُؤرخون المُسلمون أنَّ المدد الذي بعث به الخليفة إلى عمرو بن العاص كان اثني عشر ألف مُقاتل، ويذكر بعضُهم أيضًا أنَّهُ كان عشرة آلاف فقط، واغتبط المسلمون بقدوم كبار الصحابة أمثال: الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مخلد الأنصاري.
وذكر شمس الدين الذهبي أنه لما خرج الزبير غازيًا نحو مصر، كتب إليه أمير مصر عمرو بن العاص: “إن الأرض قد وقع بها الطاعون، فلا تدخلها”، فقال: “إنما خرجت للطعن والطاعون”، فدخلها، فلقي طعنة في جبهته فأفرق.
وكان للزبير دورًا بارزا في فتح حصن بابليون، حيث اعتلى الزبير بن العوام مع نفر من المسلمين، السور، وكّروا، فظنَ أهل الحصن أن المسلمين اقتحموه، فهربوا تاركين مواقعهم، فنزل الزبير وفتح باب الحصن لأفراد الجيش الإسلامي فدخلوه.
الزبير بن العوام في عصر الخلفاء الراشدين
بعد وفاة النبي محمد ظلَّ الزبير على عهده مع خلفاء الرسول، فكان من قادة الجيوش في خلافة أبي بكر، فشارك في غزوة اليرموك التي كانت ضد الرُّومان، وحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة، صاح هو: “الله أكبر”، واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربًا بسيفه، ثم قفل راجعًا وسط الصفوف الرهيبة ذاتها، حتى كتب الله النصر للمسلمين.
وفي خلافة عمر، وقبيل استشهاده كوَّن أمير المؤمنين عمر لجنة من ستة من الصحابة لتعيين الخليفة بعد عمر، وبعد استشهاد عثمان كان ممن يرى تقديم الأخذ بالقصاص، ثم تراجع عن مواجهة علي لما سمع منه نصيحته، وبعد أن نفض يديه من القتال، وتبعه نفر من الذين كانوا يريدون للفتنة دوام الاشتعال، وطعنه القاتل الغادر وهو بين يدي ربه يصلي! وذهب القاتل إلى الإمام علي يظن أنه يحمل إليه بشرى حين يسمعه نبأ عدوانه على الزبير، وحين يضع بين يديه سيفه الذي استلبه منه، بعد اقتراف جريمته لكن عليًّا صاح قائلا:” بشّر قاتل الزبير بالنار”، وحين أدخلوا عليه سيف الزبير، قبَّله الإمام وأمعن بالبكاء وهو يقول: “سيف طالما والله أزالَ به صاحبه الكُرب عن رسول الله”.