إن الترجمة للعلماء والتعريف بهم وبأعمالهم ومشايخهم ورحلاتهم وتلامذتهم هو من باب تخليد ذكراهم، وإبراز النموذج والمثال الذي يسعى إليه اللاحقون من طلاب العلم.
لذا جدّ العلماء في التصنيف في هذا الباب، وإن كنّا في هذه العصور لم ننهض لأمر الترجمة للعلماء مثلما نهض له العلماء الأقدمون.
ورغم المصنفات الضخمة والكثيرة والمتنوعة التي اهتمت بالعلماء وبذكْر سيرهم وشيء من تاريخهم وأعمالهم إلا أن البعض لم تأت على ذكره هذه المصنفات.
وهذا أمر وارد؛ فلا يستطيع أي مؤرخ مهما كان أن يستوعب كل علماء عصره في مصنفه، لكن العجب أن يستفيد عالم مؤرخ جليل من كتب بعض العلماء، ثم لا تجد لهؤلاء العلماء ذكرًا أو أثرًا في تراجمه.
ومن هؤلاء العلماء الذين استفاد منه الأكابر في مصنفاتهم لكن لا تجد له ترجمة عندهم العلامة مظهر الدين الزيداني.
فلم يُعرف الزيداني إلا من خلال مصنفاته؛ إذ لم يتعرض له من قام بالترجمة للأعلام، فقد ألف الحافظ ابن حجر العسقلاني كتابه “الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة” ولم يُشر إليه، رغم معرفته به ونقله عنه مرة في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”.
وكذا الحافظ السيوطي الذي نقل عن الإمام المظهري في كتابه “الحاوي في الفتاوي” لم يذكر له ترجمة في كتابه “بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة.
ومن أجل ذلك لم نعرف للإمام المظهري تاريخ ميلاد، أو مشيخة، أو تلاميذ، ولكن لعله عندما يتم نشر جميع كتبه المخطوطة نستطيع الكشف عن بعض ملامح حياته، والبلدان التي زارها، وعمن أخذ العلم … إلخ.
الاسم واللقب : وهو الحسين بن محمود بن الحسن الزيداني الملقب بـ “مظهر الدين”([1]) أو “المظهري” كما كان يسميه كثير من العلماء.
والزيداني -بفتح الزاي وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفتح الدال المهملة- نسبة إلى موضع بالكوفة يقال له: صحراء زيدان([2]).
المؤلفات :
1- المفاتيح في حل المصابيح، وهو يأتي على رأس تآليفه، وقد قمت بتحقيقه، وقد نشرته دار النشر للجامعات.
2- شرح أصول ابن الحاجب، وقد ذكره في ثنايا كتاب “المفاتيح في حل المصابيح”.
3- معرفة أنواع الحديث، وهي رسالة مستخرجة من مقدمة كتابه “المفاتيح” على ما ذكره الزركلي في “الأعلام”([3]).
4- فوائد في أصول الحديث، ذكره الزركلي في “الأعلام”([4]).
5- شرح مقامات الحريري، ذكره البغدادي في “إيضاح المكنون”([5])، ، وتبعه الزركلي في “الأعلام”([6]).
أهمية شرحه لكتاب “مصابيح السنة” للبغوي
لقد شرح المظهري كتاب “مصابيح السنة” للبغوي، وسماه: “المفاتيح في حل المصابيح”، وقد نقل فحول الشراح عنه في شروحاتهم، وكانوا ما بين مقل ومكثر، فابن حجر -مثلاً- كان من المقلين؛ حيث نقل عنه صراحة في موضع واحد في “فتح الباري”، (2/229)، وكذا السيوطي حيث نقل عنه في “الحاوي للفتاوي”، (3/428)، وكذا في “الشمائل الشريفة”، ص(330) في أكثر من موضع، وكذا العيني في “عمدة القاري”، (8/153) ومواضع أخر، وكذا المناوي في “فيض القدير”، (5/289) وفي أكثر من موضع، ونقل عنه -أيضًا- في كتابه “التيسير بشرح الجامع الصغير”، (1/347)، وكذا الملا علي القاري في “مرقاة المفاتيح” حيث أكثر جدًّا من النقل عنه، وكذا المباركفوري في “تحفة الأحوذي”، (1/33) ومواضع أخرى، وكذا السندي في حاشيته على النسائي، (4/62)، وفي حاشيته على ابن ماجه، (4/448)، وشمس الحق في “عون المعبود”، (11/272).
ومن أقدم من نقل عنه الطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح المسمى: “الكاشف عن حقائق السنن”، والذي أكثر النقل، وكان يرمز له بالرمز (مظ).
وكذا استفاد منه الفقهاء مثل: شمس الدين الرملي في كتابه “نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج”، (19/147)، وكذا الشيخ سليمان الجمل في حاشيته على المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، (7/640)، وكذا العلامة المجتهد الشوكاني نقل عنه في “نيل الأوطار”، (2/317) ومواضع أخر.
وكذا العلامة نعمان الآلوسي نقل عنه في كتابه “الآيات البينات”، ص(73).
وكذا نقل عنه إسماعيل حقي في تفسيره “روح البيان في تفسير القرآن”، (8/162).
عقيدته : يبدو من خلال تتبعنا لشرح المظهري لأحاديث الصفات في كتابه “المفاتيح في حل المصابيح” أنه كان سليم العقيدة، مجانبًا لأهل الأهواء البدع، وكان أبعد ما يكون عن التجسيم، وإذا ذهب إلى التأويل فإنه لم يكن ليخرج في تأويله عن مقتضى اللغة، فمثلاً عند شرحه لحديث “… فذاك يوم يجعل الولدان شيبًا، وذلك يوم يكشف عن ساق” قال: “قال الخطابي: هذا مما تهيّب القول فيه شيوخنا، وأجروه على ظاهر لفظه، ولم يكشفوا عن باطن معناه على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كلّ ما لا يحيط العلم بكنهه، وأما من يؤوله فيقول: “يوم يكشف عن ساق” عن شدة عظيمة، وأمر فظيع، وهو إقبال الآخرة وظهورها، وذهاب الدنيا”([7]).
وعند شرحه لحديث “يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كلّ مؤمن ومؤمنة … ” قال: “مذهب أهل السلامة من السلف عدم تأويل أمثال هذا الحديث، وتفويضه إلى إرادة الشارع منه، ومذهب من أوّل هو أن الكشف عن الساق مثَلٌ في شدة الأمر وصعوبة الخطب”([8]).
وأراه أنه كان مجتهدًا في بعض المسائل؛ حيث إنه عرض للاختلافات بين المذاهب في معنى الإيمان، فقد عرض لمذهب الخوارج والمعتزلة والأحناف والأشاعرة والجهمية والكرامية وأهل الحديث، ثم رجح مذهبًا غير ما عرضه ورأى أنه المختار؛ حيث رأى “أن الإيمان عبارة عن تصديق الرسول u بكلِّ ما عُلم مجيئه به بالضرورة، مع الاعتقاد الجازم سواء كان ذلك الاعتقاد عن استدلال أو عن تقليد”([9]).
الوفاة : قد أجمعوا على أن وفاته كانت في عام 727هـ([10])، أي أنه كان معاصرًا لابن تيمية وتوفي قبله بعام، وقد عاصره -أيضًا- الذهبي (ت 748هـ) ولم يترجم له في أي كتاب من كتبه على كثرتها في الترجمة.
([1]) انظر: كشف الظنون، (2/1699)، والأعلام، (2/259)، ومعجم المؤلفين، (4/60-61).
([2]) الأنساب، (3/187)، ولب اللباب، ص(41).
([3]) الأعلام، (2/259).
([4]) السابق، نفس الصفحة.
([5]) إيضاح المكنون، (2/536).
([6]) الأعلام، (2/259).
([7]) المفاتيح في حل المصابيح، (3/541).
([8]) السابق، (3/550).
([9]) السابق، (1/50).
([10]) انظر: هدية العارفين، ص(166)، والأعلام، (2/259)، ومعجم المؤلفين، (4/60).