تشغل العلاقة بين علم الأصول والمقاصد حيزًا هامًا من البحوث والدراسات، وتعددت الاتجاهات، إذ رأى البعض أن دراسة المقاصد مفيدة وضرورية كونها مجرد باب من أبواب علم الأصول ولا تقوم بذاتها علمًا مستقلًا يصلح وحده لاستخلاص الأحكام الشرعية، بينما رأى البعض الآخر أن علم المقاصد هو علم مستقل وقائم بذاته ويصلح لاستخلاص القواعد الشرعية وهو ليس مجرد باب من أبواب علم أصول الفقه كالقياس والاجتهاد وغيرها من أقسام علم أصول الفقه.
ولكن الأهم قبل أن نعرض للرأيين، أن الذي لا خلاف عليه هو أهمية المقاصد البالغة والضرورية كما بينا لضبط استخلاص الأحكام الشرعية، وسنرى أنه بالنسبة لنا يصلح لأن يكون مدخلًا لتجديد علم أصول الفقه بمعنى أنه يعطي دفعة قوية لعلم أصول الفقه في القدرة على استخلاص الأحكام الشرعية لكثير من المسائل التي تغيرت في أحوال وحياة المسلمين ودنياهم.
وأيضًا لكثير من المستجدات التي تظهر كل يوم وتحتاج إلى ضبطها من الناحية الشرعية وميزانها بميزان الشريعة وتبصرة الناس بكونها مشروعة وحلال وليست من قبيل المحرمات أو المنهي عنها أو العكس، فقد تكون الأقسام التقليدية وأبواب علم الأصول غير كافية للوصول إلى الحكم الشرعي لكثير من الأمور المتغيرة والمستجدة أو على الأقل يكون الاستخلاص وفقًا لها كآليات للفقه الإسلامي عسيرًا وصعبًا، إلا أنه بلا شك أن المقاصد الشرعية التي لم تغب عن الفقه الإسلامي في كافة عصوه كما سبق، وإن أوضحنا تجد مجالًا خصبًا لها في العصر الحالي وفي ظل تزاحم الحياة وتعدد مناحيها وكثرة علومها ومخترعاتها.
الرأي الأول: المقاصد الشرعية فرع من علم الأصول
يرى البعض([1]) جعل مقاصد الشريعة قسمًا من أقسام علم الأصول، تضاف إلى أقسامه المعروفة: الحكم، والأدلة، ودلالات الألفاظ، والاجتهاد… إلخ.
ويبرر البعض هذا الاتجاه بأن هذا الخيار هو مسلك الإمام الشاطبي، حيث خصص للمقاصد الجزء الثاني من كتاب” الموافقات” بسط فيه القول فيها. ولكن بما أن الشاطبي لم يكن يرمي من وراء تأليف الموافقات إلى وضع كتاب متكامل في أصول الفقه يشمل جميع أبواب هذا العلم بشكل مرتَّب، بل كان قصده تأصيل بعض المسائل الأصولية، وإعادة النظر في أخرى، وإضافة الكثير من المسائل إلى هذا العلم، ومنها مقاصد الشريعة، والدعوة إلى صياغة جديدة لعلم الأصول يكون عماد منهج البحث فيه الاستقراء، والخيط الناظم الذي يربط مباحثه والروح التي تسري فيه المقاصد الشرعية، فإنه من العسير أن ننسب إلى الشاطبي أنه بإفراده جزءًا من الموافقات للمقاصد الشرعية يكون قد سار في اتجاه جعلها جزءًا مستقلًا من أجزاء هذا العلم.
ويبدو للباحث أن هذا الإفراد اقتضته ضرورة الريادة في التنظير لمباحث المقاصد، بقصد الإبراز والتوسُّع في البيان والاحتجاج والإثبات، وإن اقتضى ذلك شيئًا من الاستطراد والإطناب، والتوسُّع في إيراد الشواهد. وهذا شأن العمل التأسيسي، إذ قد يحتاج صاحبه إلى طول نفس في الشرح والاستدلال بقصد البيان والإقناع، خاصة إذا كان المؤلف يتوقع إنكارًا ومعارضة لما يؤسس له، وهو الأمر الذي كان يخشاه الشاطبي كما تحدث عن ذلك في مقدمة الكتاب.
وفضلًا عما سبق، فإن النظر في كتاب الموافقات يدل على أن الشاطبي قد بناه على ما تقرر لديه من نتائج البحث الطويل في مقاصد الشريعة منهجًا ومضمونًا.
- من حيث المنهج: نجد المنهج الاستقرائي، الذي عده الشاطبي أفضل منهج للبحث في المقاصد الشرعية، حاضرًا بقوة في جميع أجزاء الكتاب،([2]) وكذلك الأمر في البحث عن الكليات وتحديد العلاقة العضوية التكاملية بينها وبين الجزئيات.
- من حيث المضمون: يظهر بجلاء الربط بين المقاصد الشرعية وجملة كبيرة من مسائل علم الأصول.
ويضيف البعض تأكيدًا على ذلك أن الشاطبى جعل المقاصد الشرعية جزءًا من علم أصول الفقه وقسمًا منها وخصص في بيانه في الجزء الثاني من كتابه وقال فى مسألة التعليل:
“على أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد العاجل والآجل معا “.
فالشرائع هي الأحكام المستنبطة من الأدلة بطريق الاجتهاد التي هي من مباحث أصول الفقه وربطها الشاطبي بالمصلحة التي هي من قصد الشارع في وضعها.
وفي مسألة أحكام التكليف، قال الشاطبي:
“إن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها فى الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام، ضرورية وحاجية وتحسينية”.
وقد ربط الشاطبي أحكام التكليف التي من مباحث علم الأصول بمقاصد الشارع ثم نوعها إلى الأقسام. وذهب الى أن الشريعة إنما وضعت للحفاظ على هذه المقاصد الثلاثة.
وفي مسالة الاجتهاد قال: “فهم مقاصد الشريعة على كمالها” ويربط الشاطبي بمقاصد الشريعة من حيث قال: “إن معرفة المقاصد من شروط الاجتهاد”([3]).
ونظر البعض إلى أن تعريف أصول الفقه بأنه “العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية.” وبناء على هذا التعريف فإن أصول الفقه هو علم يبحث في القواعد التي يتوصل بها إلى
الفقه مع قواعده الكبرى والصغرى للحصول عند استدلاله إلى المسائل الفقهية. فمن مباحثه أيضًا، نعرف أن أصول الفقه يبحث عن الاجتهاد وضوابطه. ثم تطور الزمان وتكون حاجة الإنسان إلى هذا العلم قد تطورت حتى تصبح المقاصد من مباحث علم أصول الفقه، وهكذا يكون علم الأصول كأساس وأصل، وعلم المقاصد من فروعه أو ثمرة منه.
الرأي الثاني: علم المقاصد علم مستقل بذاته
يعترض البعض([4]) على اعتبار علم المقاصد فرعًا من أصول الفقه يضاف إلى أقسامه الأخرى حيث يراه خطأ منهجيا، معللًا ذلك بأن “ما تناوله علم المقاصد بالبحث هو جملة ما يختص بالنظر فيه علم الأصول بحسب وضعه الاصطلاحى.
أما أبرز من دعا إلى اعتبار علم الأصول علمًا مستقلًا بذاته هو الشيخ الطاهر بن عاشور، فقد دعا إلى أن يكون علم المقاصد علمًا مستقلًا بذاته، وأن كان يمكن القول أن في كتابات إمام الحرمين الإمام الجويني تلميحًا إلى ذلك بقوله:
“بأنه يسعى إلى وضع قواعد كلية تتصف باليقين والقطع لأنها مبنية على مقاصد شرعية عامة “([5]).
مما دعا البعض إلى القول بأن الإمام الجويني دعا إلى اعتبار علم المقاصد علمًا مستقلًا عن علم أصول الفقه، فيرى أن ابن عاشور مسبوق في عمله هذا من قِبَل إمام الحرمين الجويني. فالجويني ـ في نظره ـ لم يقم فقط بإبراز المقاصد الشرعية بوصفها مفهومَا قائمَا بذاته، بل يرى أن علم المقاصد:
“مهيمن على باقي العلوم الشرعية، بل إنه تميز عن سالفيه ومعاصريه بطرحه لأول مرة موضوع مقاصد الشريعة كعلم جديد متميز بقواطع أدلته”.
والحقيقة أننا مع الرأي الذي يرى أن الإمام الجويني لم يسع إلى تأسيس علم المقاصد كعلم مستقل بذاته، والواقع([6]). إن الجويني لم يصرح بسعيه إلى تأسيس علم مستقل بالمقاصد الشرعية، ولكنه صرح بأنه يسعى إلى وضع قواعد كلية تتصف باليقين والقطع لأنها مبنية على مقاصد شرعية عامة تتسم بالقطع، ويرى في نفسه أنه أول من يسلك هذا المسلك ويهتدي إلى هذا الطريق.
ويرى الجويني أن تلك القواعد يكون إليها الملجأ حين فساد الزمن، وشيوع الحرام، وغياب أهل الفقه والإفتاء الذين يمكنهم تمييز الحلال من الحرام، واستنباط أحكام للمستجدات. ففي مثل هذه الحال يلجأ العوام إلى قواعد أساسية تمثل أصول الشريعة([7]) وهي الحد الأدنى من الالتزام بالأحكام الشرعية.
وبذلك يتضح أن ما فعله الجويني في كتاب الغياثي هو رسم لمعالم منهج يلجأ إليه عامة الناس في زمن غياب السلطة العلمية لحفظ الضروري من الدين، وهو أمر لا يرقى إلى مرتبة التأسيس لعلم جديد([8]).
وعلى ذلك تكون الدعوة الصريحة لإنشاء علم المقاصد هي تلك الدعوة التي أطلقها الطاهر بن عاشور في مقدمة كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية هادفا إلى تأسيس علم خاص يطلق عليه “علم مقاصد الشريعة”، يُعْنَى ببيان “حكمة الشريعة العامة ومقاصدها العامة والخاصة”.
فالطاهر بن عاشور يقول صراحة “فنحن إذا أردنا أن ندون أصولًا قطعية للتفقه في الدين حق علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه، المتعارفة، وأن نعيد ذوبها في بوتقة التدين ونعيرها بمعيار النظر والنقد فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي علقت بها ثم نعيد صوغ ذلك العلم، وتسميته علم مقاصد الشريعة، ونترك علم أصول الفقه على حاله، تستمد منه طرق تركيب الأدلة الفقهية”([9]).
فهو يرى أن علم أصول الفقه عجز عن تحقيق الوحدة الفكرية أو التقارب الفكري بين أصحاب المذاهب الفقهية المختلفة؛ وكيف يتم له ذلك ومعظم مسائله ـــ هو في ذاته ــــ مختلف فيها بين أصحاب المذاهب المختلفة.
فيقول أن معظم مسائله مختلف فيها بين النظار، فالخلاف مستمر بينهم في الأصول تبعًا للاختلاف في الفروع، وإن شئت فقل قد استمر بينهم الخلاف في الأصول لأن قواعد الأصول انتزعوها من صفات تلك الفروع([10]).
مآخذ ابن عاشور على أصول الفقه
وخلاصة ما يعيبه ابن عاشور على أصول الفقه أمرين:
- أحدهما: عدم اهتمامه بالحكمة العامة للشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة والخاصة في أحكامها.
- الثاني: أن أغلب مسائله ظنية مختلف فيها بين أصحاب المذاهب الفقهية المختلفة، ومن ثم فهي لا يمكن أن تكون حَكَمًا يحتكم إليه أولئك الفقهاء في اختلافاتهم لفصل النـزاع بينهم، أو على الأقل للتقريب بين وجهات نظرهم([10]).
وينتهي الطاهر بن عاشور إلى احتياج الفقيه إلى معرفة وإدراك علم المقاصد على خمسة أوجه سواء على النحو الآتى:
- الوجه الأول: فهم أقوال الشريعة واستفادة مدلولات تلك الأقوال بحسب الاستعمال اللغوي وبحسب النقل الشرعي بالقواعد اللفظية التي عمل بها الاستدلال الفقهي وقد تكفل بمعظمه علم أصول الفقه.
- الثانى: البحث عما يعارض الأدلة التي لاحت للمجتهد والتي استكمل إعمال نظره في استفادة مدلولاتها ليستيقن أن تلك الأدلة سالمة بما يبطل دلالتها ويقضي عليها بالإلغاء والتنقيح، فإذا استيقن أن الدليل سالم عن المعارضة أعمله، وإذا ألفى له معارضًا نظر في كيفية العمل بالدليلين معًا أو رجحان أحدهما على الآخر.
- الثالث: قياس ما لم يرد حكمه في أقوال الشارع على حكم ما ورد حكمه فيه بعد أن تعرف علل التشريعات الثابتة بطريق من طرق مسالك العلة المبينة في أصول الفقه.
- الرابع: إعطاء حكم لفعل أو حادث حدث للناس لا يعرف حكمه فيما لاح للمجتهدين من الشريعة ولا له نظير يقاس عليه.
- الخامس: تلقى بعض أحكام الشريعة الثابتة عنده تلقى من لم يعرف علل أحكامها ولا حكمة الشريعة في تشريعها فهو يتهم نفسه بالقصور عن إدراك حكمة الشارع منها ويستضعف علمه في جنب سعة الشريعة فيسمى هذا النوع بالتعبدي.
وبعد أن استفاض في شرح حاجة الفقيه إلى إدراك علم المقاصد على وجهه السابق انتهى إلى أنه ليس كل مكلف بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة لأن معرفة مقاصد الشريعة نوع دقيق من أنواع العلم فحق العامي أن يتلقى الشريعة بدون معرفة المقصد لأنه لا يحسن ضبطه ولا تنزيله ثم يتوسع للناس في تعريفهم المقاصد بمقدار ازدياد حظهم من العلوم الشرعية لئلا يضعوا ما يلقنون من المقاصد في غير مواضعه فيعود بعكس المراد وحق العالم فهم المقاصد والعلماء كما قلنا في ذلك متفاوتون على قدر القرائح والفهوم([12]).
رأينا: في العلاقة بين المقاصد وعلم أصول الفقه
يثور التساؤل هل تكفي المبررات التي صاغها ابن عاشور إلى اعتبار علم المقاصد علمًا مستقلًا بذاته عن علم أصول الفقه أن ابن عاشور وخلاصة ما يعيبه ابن عاشور على أصول الفقه في أمرين؛ أحدهما: عدم اهتمامه بالحكمة العامة للشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة والخاصة في أحكامها، والثاني: أن أغلب مسائله ظنية مختلف فيها بين أصحاب المذاهب الفقهية المختلفة، ومن ثم فهي لا يمكن أن تكون حَكَمًا يحتكم إليه أولئك الفقهاء في اختلافاتهم لفصل النـزاع بينهم، أو على الأقل للتقريب بين وجهات نظرهم.
ولكن وبحق كما رأى البعض أن ما يعيبه ابن عاشور على أصول الفقه أمر واقع، ولكنه لا ينهض لأن يكون ذريعة إلى تجريده من المباحث ذات الصلة بمقاصد الشريعة وتحجيم دوره. ففيما يخص عدم اهتمامه بالمقاصد الشرعية بالصورة التي استقرت عليها مدوناته، إنما هو قصور في التنظير ناتج عن الجمود الذي أصاب علم أصول الفقه بعد القرن الخامس الهجري، وهو أمر ينبغي تداركه بإعادة صياغته بالصورة التي تحيي فيه ذلك الجانب وتطوره.
أما عن الظنية في مسائله، وعدم قدرتها على فصل الخلافات الفقهية، فإن القول بأن علم الأصول وضع لرفع الخلاف الفقهي أو تقريب شقته ليس على إطلاقه. فذاك كان هدفًا واحدًا من الأهداف التي دفعت الإمام الشافعي إلى وضع رسالته، وليس هو الهدف الوحيد، ولا كان الهدف الأساس لمن جاء بعد الشافعي في التأليف في الأصول، بل كان الهدف الأساس هو ضبط مناهج الاجتهاد وما يتعلق به، ولذلك كان الخلاف في بعض مسائله بناء على الخلاف في بعض مسالك وضوابط الاجتهاد بين المدارس الفقهية المختلفة.([13])
والذي يمكن أن نسلم به أن مسائل الظن أو الاختلاف هي مسائل ترتبط بكل العلوم الكلامية وهي لا تقتصر على علم أصول الفقه، كما أنه لا يمكن أن يخلو منها فقه المقاصد فإنه طالما أن الأمر يتعلق بتعامل العقل البشرى مع نص إما لتفسيره لغويا أو لانتزاع مضمونه الموضوعي فإن العقول نفسها تتفاوت في الفهم وقد سبق أن نقلنا قول ابن عاشور نفسه “وحق العالم فهم المقاصد والعلماء كما قلنا في ذلك متفاوتون على قدر القرائح والفهوم”.
فطالما أن الأمر لا يتعلق بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة فسيظل عرضه للتأويل والفهم بحسب المنهج المتبع في التعامل معه وهو في النهاية منهج بشري سيختلف بحسب آلياته بل بحسب القدرات العقلية للعالم أو المجتهد ولو كان يتبع ذات المنهج الذي يتبعه غيره ممن هم أميز منه عقلًا وأرجح فهما أو العكس.
الخاتمة: المقاصد مكملة للأصول
إن الحقيقة أن فقه المقاصد الشرعية لا يمكن تصوره إلا أن يكون مكملًا لعلم أصول الفقه مساعدًا على تطويره، وقد قال ابن عاشور نفسه ما يشابه ذلك فهو يرى أنه مكمل له، حيث تكون وظيفة أصول الفقه تزويد الفقيه بـ “طرق تركيب الأدلة الفقهية” ووظيفة “علم مقاصد الشريعة” هو التفقه في الدين، والفصل بين الفقهاء في اختلافاتهم، والتقريب بين وجهات نظرهم.
إن مسالة الفصل بين علم أصول الفقه وعلم المقاصد لا يمكن تحقيقها من الناحية العلمية والعملية فقد أشار الطاهر بن عاشور إلى ضرورة معرفة الفقيه لعلم المقاصد على عدة اوجه ذكر فيها اثنين صراحة يرتبطان بعلم أصول الفقه، حيث قال:
- الوجه الأول: فهم أقوال الشريعة واستفادة مدلولات تلك الأقوال بحسب الاستعمال اللغوي وبحسب النقل الشرعي بالقواعد اللفظية التي عمل بها الاستدلال الفقهي وقد تكفل بمعظمه علم أصول الفقه.
- أما الآخر فهو الوجه الثالث: قياس ما لم يرد حكمه في أقوال الشارع على حكم ماورد حكمه فيه بعد أن تعرف علل التشريعات الثابتة بطريق من طرق مسالك العلة المبينة في أصول الفقه.
أما الأوجه الأخرى فإنه وإن لم يشر إلى علم أصول الفقه فهو حاضر فيها ويمكن للمتأمل أن يإدرك ذلك بسهوله مثل الوجه الثاني الذي هو من صميم علم أصول الفقه، والمتعلق بالأدلة والبحث في رجحانها ومقارنتها فيقول: “البحث عما يعارض الأدلة التي لاحت للمجتهد والتي استكمل إعمال نظره في استفادة مدلولاتها ليستيقن أن تلك الأدلة سالمة بما يبطل دلالتها ويقضي عليها بالإلغاء والتنقيح فإذا استيقن أن الدليل سالم عن المعارضة أعمله، وإذا ألفى له معارضًا نظر في كيفية العمل بالدليلين معًا أو رجحان؟ أحدهما على الآخر”.
والوجه الرابع الذي يقول فيه إعطاء حكم لفعل أو حادث حدث للناس لا يعرف حكمه فيما لاح للمجتهدين من الشريعة ولا له نظير يقاس عليه.
وهكذا فإنه لا يمكن النظر لعلم المقاصد على أنه علم قائم بذاته يمكن من خلاله استخلاص الحكم الشرعي دون النظر إلى باقى أبواب علم أصول الفقه. فقط يمكن القول إن أغلب أبواب علم أصول الفقه تعمل على فقه اللغة والبحث داخل النص الشرعي، أما المقاصد الشرعية فهي تربط المضمون بالغاية التى هدف الشارع إلى تحقيقها من وراء النص أو الحكم والإلزام به.
ومن ثم فعلم أصول الفقه ونظرية المقاصد كما نسميها، معًا يمثلان أساسين للنظرية العامة للفقه الإسلامي، علم أصول الفقه في الغالب يغلب عليه المنهج اللغوي في البحث داخل النصوص وتفسيرها وتأويلها والقياس عليها دون إهمال كلي للعلل والأحكام وإن كانت أقل وضوحًا، أما علم المقاصد فهو يبحث في الغايات البعيدة للشريعة والغايات القريبة التي يهدف النص من تحقيقها أو الحالة المعروضة والغاية من ورائها فهو علم يرتبط بالحالة العامة للفقه الإسلامي وكلياته قبل أن يقتصر على جزئيات الحكم المعروض ومضمونه اللغوي.