أمام نصوص القرآن والسنة نسمع صراعاً كلاميا جدليا بين من يقول لا حاجة لتأويل أيّ آية في القرآن أو السنة، وآخرون يرون أن التأويل ضرورة لابد منها، لأن الوقوف عند ظاهر النص مشكل، فأي الفريقين أسلم في توجهه ؟
حاول أستاذ العقيدة والأديان بكلية الشريعة بجامعة قطر د. محمد عياش الكبيسي في الحلقة السابعة من برنامجه الرمضاني التدين الواعي توضيح الإشكال الحاصل في مسألة التأويل.
واستغرب الدكتور الكبيسي من محاولات التشكيك بكتب التراث المهمة التي لاقت قبولا واسعا عند عموم المسلمين مثل شرح ابن حجر العسقلاني فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم ،لكن المفاجأة أن بعض الشباب تجرؤوا على الكتابين يحذرون من التأويلات الواردة فيهما مما دفع بالتساؤل :
إلى أي مدى يفتقر هؤلاء الشباب إلى النضج العلمي ؟
وبين الدكتور الكبيسي أن المقصود بـ التأويل صرف اللفظ عن ظاهر معناه في المعجم أو في المفرد بمعنى أن الكلمة المقصودة في المفرد لها معنى محدد أما في السياق قد تحافظ المفردة على معناها وقد لا تحافظ .. وقد نفهم معنى ظاهرا وقد لا نفهم.
وصور بعض الناس أن التأويل نوع من أنواع صرف النص من الكتاب أو السنة عن معناه الأصلي بحجة أو أخرى ، وصرف اللفظ إلى معنى آخر. على سبيل المثال مثلا عندما يقول أحدهم “أنا أتنفس ” وورد في القرآن والصبح إذا تنفس هل من المعقول أن يقصد بأن الصبح له رئتين للتنفس !!
المفسر نظر للسياق وبحث عن معنى آخر مختلف عن معنى المعجم ويقتضيه السياق القرآني وهذا لا يعتبر تحريفا للقرآن الكريم.
وضرب الدكتور الكبيسي مثالا بكلمة أعمى ووردت في القرآن في قوله تعالى : { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا } [ الإسراء: 72] ليس المقصود بالعمى في هذه الآية المعنى اللفظي بل المقصود هو الضلال والميل عن طريق الهداية وجاءت من باب التشبيه فالانسان الضال كان كالأعمى في عدم إبصار طريق الحق والخير، والمؤول هنا لم يحرّف الآية بل أوصل المقصود.
واختتم الدكتور الكبيسي حديثه : لا يمكن تفسير كل مفردة في القرآن والسنة بمعناها المعجمي لأنه الكلمة المستخدمة في القرآن في كثير من الأحيان فيها تشبيه أو بعد جديد أو إطار جديد ، ويجب التفريق بين التأويل الفاسد غير المستند على علم .. لا إلى معنى في المفرد ولا إلى معنى في السياق ، وبين التأويل المشروع المدعوم لغة وشرعا وعقلا.